الكهنوت: دعوة ورسالة
الإكليريكي آندرو جما
“لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ، وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ، لِكَيْ يُعْطِيَكُمُ الآبُ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ بِاسْمِي.” (يوحنا 15/ 16).
بدأت دعوة الله للبشر مع إبراهيم وتتابعت مع الأنبياء وصولًا إلى الرسل في العهد الجديد. وهكذا استمرّت مع أشخاص مختارين من قِبَل الله لكي يُكمِّلوا رسالة المسيح على الأرض ويواصلوا التبشير بملكوت السماوات.
وما يزال الله يدعو آخرين ليكملوا المسيرة ويحملوا بشارة الملكوت ويكرِّسوا ذواتهم لله. اليوم يتساءل كثيرون: كيف يمكن لشخصٍ أن يصبح مكرَّسًا؟ وما هي دعوته في هذه الحياة؟
علينا أولًا أن نفهم بأن الله يدعو كلّ شخص باسمه، فالدعوة شخصيّة إذن. وهناك من يدعوه إلى أن يؤسِّس عائلة مسيحيّة وآخر يدعوه ليكرِّس ذاته لخدمة الكنيسة وأبنائها.
هناك الكثير من الطرق لكي يكتشف الإنسان دعوته في الحياة. نذكر منها على سبيل المثال: قراءة الكتاب المقدّس، عمل الخير، الحضور الدائم في الكنيسة سواء من خلال المشاركة في الاحتفال بالقداديس أو عبر النشاطات الأخرى. ولكن تبقى العائلة هي مهد الدعوة والنواة الأولى لنموِّها واكتشافها.
يعلِّمنا الكتاب المقدَس: “وَلأَجْلِهِمْ أُقَدِّسُ أَنَا ذَاتِي، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا مُقَدَّسِينَ فِي الْحَقِّ.” (يوحنا 17/ 19). فتكريس الذات للربّ يعني أن تحبَّه، وتموت عن العالم وعن إنسانك العتيق، وتصلب العالم العتيق فيك لتصير إنسانًا جديدًا. وأن تتغيَّر وتخرج من ماضيك وتنبذه دون تردّد. إذ «لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْمِحْرَاثِ وَيَنْظُرُ إِلَى الْوَرَاءِ يَصْلُحُ لِمَلَكُوتِ اللهِ». (لو 9: 62). حينما تكرِّس ذاتك لله، فأنت تضع يدك على المحراث، دون أن تنظر إلى إنسانك العتيق، بل تخرج من ذاتك وتترك الماضي لتصنع بدايةً جديدة مع المسيح في تحوُّلٍ كلّيٍّ نحو الله.
«إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي.” (لوقا 9/ 23).
المكرَّس مدعوّ إلى إنكار الذات من أجل المسيح وترك كل شيء يعوّق المسيرة نحوه. بل التضحية بالذات من أجل الإيمان بالمسيح واتّباعه. يعبِّر ذلك عن تفانٍ شخصيّ في معرفة إرادة المسيح والعمل بها، بغضّ النظر عن الإرادة الشخصيّة والمصالح الذاتيّة.
أمّا حمل الصليب وراء المسيح فيعني أن نتحمّل صعاب وتحدّيات الحياة بقوّة وصبر، على مثال المسيح الذي حمل الصليب واحتمل الآلام من أجل خلاص البشر.
الالتزام باتّباع يسوع يعني اتّباع تعاليمه والعيش على مثال سيرته النبيلة. يشمل ذلك الإيمان برسالته والعيش وفقًا لقيم المحبة والعدالة والسلام التي دعا إليها.
ختاماً أقول: أيّها الشباب، لا تخافوا إذا سمعتم في دواخلكم صوت الله يدعوكم من أجل خدمة الكنيسة، أصغوا ولبّوا. فليس هناك أجمل وأروع من أن تهبوا أنفسكم لخدمة تعليم الربّ وإنجيله بكلّ أمانةٍ وصدق.