قرأت لك
نتاج متواصل للمطران جرجس القس موسى
أ.نوئيل فرمان السناطي
كاتدرائية الراعي الصالح – تورنتو
تسلمت بيد الامتنان نتاجات حديثة الصدور من المطران باسيليوس جرجس القس موسى. وبادئ ذي بدء، اود ان اعترف للقراء عما اعتملني، لدى التفكير في نشر هذا المقال، من أفكار مسبقة جاهزة! فقد مال بي التفكير وبخطأ جسيم، للتساؤل ان كنت سأستطيع نشره في الموقع البطريركي الكلداني، في ظل الأجواء السائدة ما بين الكنائس. ولكني لمست في منشوراته، مواقفه المتوازنة التي يخاطب بها الفرقاء، وكل منهم بما يتطلب من دالة ومسافة، محتفظا بشجاعة التضامن مع الحق. هذه محاولة متواضعة لتقديم نبذة عن آخر مؤلفاته.
فلقد تلقيت، من قبل، بواسطة أحد أقاربي، صباح ميخائيل- استراليا، الجزء الاول من: (رباعية الثمانين، كلمتك مصباح لخطاي – مواعظ) ومؤخرا ارسل المؤلف عبر البريد وبخط يده، دفعة أولى للجزء الرابع،. إلى جانب نتاج آخر ظهر ايضا في 2024 بعنوان: (وبغير أمثال لم يكن يكلمهم- أمثال الإنجيل، تفسير كتاب وراعوي). وإذ تواصلت مع سيادته تحاشيت أن أذكر بأنه أرسل وجبة ثانية من الكتب إياها، في إهداء آخر متميّز جميل على كل منها، حتى ذكر لي ذلك، هو نفسه، بأنه ارسل الكتب مرتين… فتنفست الصعداء أمامه، متندرا عن الخشية ألا يكون ذلك بسبب ذاكرة الثمانين… ليشرح لي ان سبب ذلك يعود إلى خلل فني بالبريد ورقم متابعة وصول الرزمة. فاستدرّت القفشة البنوية ضحكة طريفة منه.
1- رباعية الثمانينات، كلمتك مصباح لـخُـطاي
يمتاز النتاج بأسلوب شيق، من السهل الممتنع المعروف عن المؤلف والذي بقي قلمه محتفظا بعنفوانه، إزاء نتاج فكري روحي متواصل عبر العقود. فيستمتع القارئ بمطالعة الكتاب، وكأن المؤلف يخاطبه شخصيا. إذ بدأ بوضع القارئ في اجواء تأليف الكتاب، بعد الذي أحدثه من سمّاهم بنحو جرىء “بالغربان السود، الذين جاءوا يستولون على مدننا وبلداتنا ويكتسحون بيوتنا ويدمرون كل شيء في صيف 2014 ويحرقون كنائسنا ويستهدفون كل ما اسمه ثقافة وتاريخ وفن وتراث وجمال…” وجاءت المحتويات وعناوين الرباعية تحت جملة محاور:
“من صدى الأيام” يضم كلمات المناسبات.
“من رحاب الأسفار” مما جناه في بعض اسفاره لحضور مؤتمرات دولية أو حضور حلقات دراسية.
من جنى الأيام” أبحاث ومقالات متنوعة، دينية وكتابية واجتماعية وثقافية..
وإذا كانت الاجزاء الاولى تدخل في باب السيرة الذاتية والذكريات للتاريخ والأجيال؛ فإنها تتبوأ مكانها المرموق في المكتبة التوثيقية، كشاهد على حقبة تاريخية محدده. أما الجزء الاخير “كلمتك مصباح لخطاي” فهو يخاطب وجدان المؤمنين، علمانيين واكليروس، الباحثين عن كلام الله الموجه لنا في يومنا وتاريخنا المعاصر.
إسهام قيصر القس موسى، تقديم د. فادية دكرمانجي ومار رامي قبلان: المادة الكبرى لهذا المحتوى الغني، يعود الفضل في جمعها إلى الاخ قيصر ابن اخ المؤلف فاستحق الشكر الخاص من عمه المطران. ومن الجدير بالذكر ان الكتاب هذا حاز على تقديم كل من المطران رامي قبلان، والدكتورة فادية دكرمانجي. المطران قبلان لفت الانتباه الى تأوين المواعظ بحسب الظروف الجيوسياسية لزمنها، سواء ما يعود إلى ما سماه، وحسنا فعل، “قبل حرب 2003” وأخرى يرقى بعضها الى بداية حبرية مار جرجس. منها ما يوحي بفسحات من التفاؤل، وأخرى تستنهض الهمم لإكمال المشوار بروح الرجاء والاندفاع الإيجابي.
أما الدكتورة فادية سنحاريب دكرمانجي، فكان الكتاب لها مناسبة للمزيد من الاجترار لهذه المواعظ بعد ان سمعتها حية في مناسباتها، وتواصل حبها للاستقاء والتأوين والتطبيق، كل هذا لأن كلمة الرب مصباح لخطوات كل مؤمن.
يضم الكتاب بين دفّـتيه 95 موعظة موزعة على قسمين رئيسين:
القسم الأول- السنة الطقسية
الخصوصية الطقسية لكنيسة أنطاكيا للسريان، يمكن اعتبارها شبه مشتركة مع الكنائس المشرقية، وتتماهى في مناسباتها الكبرى مع السنة الطقسية للكنائس اللاتينية.
وفي هذه المناسبة، تجدر الإشارة إلى الخصوصية الطقسية للاتين، في الجهد الاستثنائي المبذول عبر السنين والامكانات العالية وذلك بتوزيع القراءات الكتابية إلى 3 سنوات بحسب الحروف الابجدية (A, B & C)، إضافة الى أن القراءات اليومية موزعة على أشهر كل من هذه السنوات. أما على مستوى الابرشيات الكلدانية، ففي الافق توجه لمعالجة الاستفاضة في النصوص خصوصا الانجيلية منها المقتصرة لحدّ الآن على سنة طقسية واحدة. فعلى غرار تقسيمات كتاب “حياتنا الليتورجية” للبطريرك لويس ساكو، يجري التفكير في اختيار جزء من القراءات لكل نهار أحد، وذلك بتوزيعها على سنتين، مع السعي للمعالجة ذات الصلة مع القراءتين الاولى والثانية.
مواعظ على مدار السنة الطقسية للكنيسة السريانية: يرتبط إذن كتاب المطران جرجس، بمواسم السنة الطقسية الواحدة، وهي بحد ذاتها، خدمة للمؤمنين، من قراء اللغة العربية. وبالتالي يشكل الكتاب إضافة متميّزة متفردة في المكتبة الدينية العربية. تجمع ما بين القراءة الأكاديمية إلى القراءة الروحية الراعوية لكلمة الله متوجهةً الى مؤمني شعب الله في يومهم الحاضر. وهي لعمري عامل مساعد للكاهن في تحضير مواعظه للاستنارة بها. كما انها تتربع مكانها إلى جانب ما كتبه في هذا المضمار، العلامة الراحل خالد الذكر الخوري بولس فغالي، الذي استخدم ما يناسبه من اسلوب سواء في الصياغة الأكاديمية أو الجنس الأدبي.
القسم الثاني- مواعظ المناسبات
يتضمن هذا القسم: الزيارات الراعوية وما استجدّ من حدث أو ثيمة في تلك المناسبات، سواء زمن طقسي محدد، أو في شأن من الشؤون، كالاسرة الشيوخ والعجائز والمرضى في الاسرة المسيحية إلى جانب مناسبات الاسرار المقدسة، او تقديم رسالة من الرسائل الحبرية للبابا بندكتوس، وكذلك مناسبات التناول الاول، أو مناسبات خاصة ومتفرقة مثل النذور الرهبانية او احتفال يوبيلي.
2- وبغير أمثال لم يكلّمهم، أمثال الانجيل: تفسير كتابي وراعوي
وبما يتطلب من تواضع تلقائي اتتلمذ من جديد، امام هذا الكاتب المتبحر في الكتاب المقدس، الذي تحلى بتواضع الكبار عندما نعتني في مجمل إهداءاته بالأخ والزميل والصديق. فيأتي كتابه الآخر: (وبغير إمثال لم يكلّمهم -أمثال الانجيل: تفسير كتابي وراعوي) لينضمّ النتاجات الغزيرة للمطران جرجس:
18 كتابا مؤلفا، تشتمل فيما تشتمل: أدب المذكرات، السيرة الذاتية، المقالات الاعلامية، كتب السيرة.
20 كتابا معرّبا، في حقول أبرزها، الحقل الروحي، الكتابي والراعوي.
12 كتاب من ملفات معربة في ملفات الكتاب المقدس، وأخرى تترواح بين الإعداد والتقديم، مع مشاريع تظهر تباعا وأخرى قيد الإعداد.
تقديم الأديب عادل دنو وبحث الناشطة بان سعيد صباغ: وقد قرض الكتاب في قراءة متسمة بالشغف والإعجاب، الاديب الشماس الانجيلي عادل دنو الذي كان هو أيضا أحد تلامذته في الاكليريكية. فقد موسق الاخ عادل المقدمة ببلاغة أدبية ملفتة للنظر، كل هذا إلى جانب ما اعرفه عنه من التبحر باسلوب رقراق مع “اللغة الام لشعبنا المسيحي النهريني” الأدبية منها والحديثة، عبر كل تسمياتها الاثنية والمذهبية المتداخلة.
وعلى ذكر تلامذة المطران جرجس، فقد قامت بتحرير مدخل الكتاب، تلميذته العلمانية الآنسة بان سعيد صباغ التي وصفها بالخريجة المتفوّقة من دورة “مركز الدراسات الكتابية في الموصل والتي تابعت مركز الدراسات المعمّقة في المركز ذاته. جاء المدخل كفصل تحليلي متكامل بحد ذاته. تناول فيما تناول: دلالات كلمة مثل، الغاية من اتخاذ يسوع الامثال في التعليم، ومواقعها في الاناجيل على تنوع تصنيفاتها.
محاور الأمثال الإنجيلية:
وتشتمل امثال يسوع الانجيلية على محاور عدة:
أمثال الملكوت (الزارع، الزؤان، الزرع، البيت المبنى على الصخر، أمثال الملكوت القصيرة)، فضائل الملكوت (المحبة، التوبة، الصلاة، الحكمة، المواهب والاجتهاد، التواضع والعدالة).
وصنف أمثال الدينونة، عن قبل أن يحين الحساب: فعلة آخر النهار، الابنين، التينة التي لانت أوراقها، التينة العقيمة، رب البيت والسارق، ومثل الوكيل الأمين.
وعن الحساب النهائي، اورد أمثلة: الخدم المستقيقظين، العذارى العشر، الشجرة الجيدة والشجرة الرديئة، وليمة الملك والمدعوين، وليمة المدعوين الرافضين، الكرامين القتلة، الدينونة العظمى.
أمنية لعلها تتحقق في المطبوعات القادمة
لن تقلل الأمنية من فضيلة الكتب التي بين يديّ، سواء في المضمون العميق او التقسيم الأكاديمي إلى العناوين الفرعية الإعلامية الملفتة للقارئ والتي تبعده عن الرتابة. فهذه الكتب على جمالية اغلفتها من التصميم الابداعي إلى الاختيار الموفق لسمك الغلاف، إلا ان صفحاتها الداخلية كان يمكن أن يُستخدم فيها “بونط” الحرف بحجم أكثر مناسب للقراءة وإراحة للنظر. وتهيأ لي ان الحرف المستخدم (من فصيلة العربي التقليدي) يقتصر على قياس 12 ان لم يكن 11 مع تباعد أكبر بين سطر وسطر. هذا ما كان يستثمره مصممنا المبدع في مجلة الفكر المسيحي د. قيس بهنام شعاوي، في استخدام حرف اوسع حجما. وقد وجدت هذا التوجه منسجما مع طروحات المصمم الراحل في مجلة ألف باء د. بلاسم محمد الكوفي، في التعامل الافضل مع فضاءات الصفحة وعدم الاسراف فيها. وكلاهما يجتمعان على فكرة عدم تحميل الكتاب المزيد من الصفحات الإضافية المكلفة. وقد سمحت لنفسي بهذه الملاحظة، مع الطموح المشروع لقارئ محب، ان يحظى هذا الموضوع بالمزيد من العناية في حجم الأحرف لصفحات المؤلفات الموعودة القادمة.
وبعد،
يسرّني أن اتمنى للمؤلف معلمنا الحبيب بالعمر المديد للمزيد من العطاء الثرّ الفريد، وصدق على مثاله من قال: لو قُيّض للرسول بولس العودة إلى عصرنا، لبدأ مشواره بأن يكون صحافيا.