جلجلة الكاردينال …
“ها هي ذي ساعَةٌ آتية، بل قد أَتت فيها تَتفرَّقون فيَذهَبُ كُلُّ واحدٍ في سَبيلِه وتَترُكوني وَحْدي. ولَستُ وَحْدي، فإِنَّ الآبَ مَعي” (يوحنا 16/ 32).
الشماس صباح يوحانا – ملبورن/استراليا
أراك سيدي اليوم وحيداً “ليس بالمعنى الحرفي”، لا شريك لك ، تعاني من مرارة غرابة الأحداث المحيطة بك وبكنيستك المضطهدة دوماً، على مر العصور والأزمان، ذلك لأنها حاملة الحق والطهارة، ولأنك حملت لواء الحق والحقيقة الإلهية، وأعلنتها مراراً وتكراراً للملأ وفي كل المناسبات الدينية والدنيوية، ولكن هيهات أن يسمع الأشرار كلام الحق، أو أن يسمحوا للحقيقة أن تتجلى في العالم كما يريدها الله الآب السماوي.
في وطننا ثعالب وذئاب وأسود مفترسة تبحث عن فريسة ثمينة ليفترسوها، وقد تحقق حلمهم عندما سرقوا ونهبوا الوطن وما فيه من خيرات وقدرات بشرية، مادية، علمية، ولا يزالون!. تحقيقاً لمصالح إقليمية، دولية، عالمية. وكانت الكنيسة ومؤمنيها المساكين وقوداً لهذه النار المستعرة منذ عقود، بل كانت مشروعا للشهادة والتضحية في سبيل الوطن ولإعلاء كلمة الله ومجده في الأرض.
اليوم تركك الجميع ممَّن كانوا في موقع سلطة القرار بالدولة والمجتمع، واختاروا “يهوذا الكلداني” ليقبّلك قبلة الخيانة ويسلمك الى من لا يطيب لهم تحقيق العدالة والسلام في الوطن، ظناً منهم إنهم سينعمون فيما بعد بالهدوء والإستقرار والغنى من دون عدالة السماء وحقيقتها. إنه التأريخ يعيد نفسه! فكما فعل المستعمرون الرومان واليهود الفريسيين قبل أكثر من ألفي سنة بربنا يسوع المسيح؛ نراهم اليوم وبنفس الوجوه الحاقدة يحكمون عليك وأنت البريء من كل التُهم المنسوبة اليك! حكموا عليك كما يحاكمون المجرمين والسراق، فأصدروا بحقك مذكرات إعتقال ليبرهنوا لأسيادهم، نجاحهم في تحقيق الخطة المرسومة لضرب الكنيسة ومؤمنيها والإستيلاء على ممتلكاتها وبحسب قانونهم ودستورهم البائس.
أما أنت يا سيدي فقد كنت في منتهى الوداعة والهدوء والوقار، لما تملكه من وطنية خالصة، وأخلاق جليلة، ومن نِعم روحية سماوية، تلك التي جعلت الروح القدس يعمل فيك ويمنحك الحكمة لتدافع وتحمي كنيستنا بكل جدارة وقوة وإيمان، وتجلَّى ذلك بقبولك حمل هذا الصليب الثقيل عوضاً عن كل من أساء اليك وإلينا جميعاً من أبناء هذه الكنيسة العراقية العريقة.
أراك اليوم سيدنا البطريرك؛ وأنت على قمة الجلجلة الشريفة تغفر لصالبيك واثقاً كل الثقة بالرب يسوع من إنه سيحين وقت الحساب، وإن الرب لن يهمل أو يتجاهل هذه الإساءة لكم في هذه الظروف المعقدة والاستثنائية التي تمر بها البشرية، إن الله كفيل بأن يُغيّر مجرى الأحداث لصالح الحق السماوي والحقيقة الإلهية، وها إني أسمعك تناجي ربّك في محرابك قائلاً: يا رب لتكن مشيئتك لا مشيئتي، ومشيئة الآب هي أن تحمل الصليب الى النهاية، وهناك ستجد الأم الإلهية مريم العذراء بإنتظارك مشاركةً إياك آلامك وهمومك وأحزانك، ومتضرعة بالوقت عينه لله الآب أن يحميك ويمنحك القدرة والصبر لتجاوز هذه المحنة، ومن ثم للعبور بالسفينة الى برّ الأمان مع كل أبناء شعبك وكنيستك، فيعود السلام الحقيقي والهدوء والطمأنينة للوطن والكنيسة ولكل أبناء الله في المعمورة، بعد كل هذا الظلم والتعسف، وبعد كل أشكال المؤامرات الدنيئة التي تحمَّلتها أنت، ومعك كل من وقف بشرف وجرأة وجلال لمواجهة الفاسدين والمتآمرين على الوطن والكنيسة.
سيَحين زمن القيامة سيدنا قريباً، وستتغير بمشيئة الله كل الأحداث لصالح مجده وعزته وكرامته، ولخير أبناء الوطن المجروح والمتألم، من الخائفين والقلقين من جراء الأحداث، العاصفة، الأخيرة.
ننتظر قيامتك يا سيدي البطريرك ..