“لقَد دُمِّرَ شَعْبي لِعَدَم المَعرِفَة” النبي هوشع (4/ 6)
المطران حبيب هرمز
رئيس أساقفة البصرة والجنوب
تقول جهات عديدة عبر وسائل الإعلام ان الاُميّة في العراق وصلت الى 18%. وقد التقيت بخريجي كليات لا يعرفون ان يرتبوا جملة باللغة الإنكليزية او يراسلوا بالبريد الألكتروني. فكم بالأحرى نجد اُميين تحولوا الى سلاطين محليين يفرضون انفسهم بقوة السلاح والترهيب.
وهذا لا يعني نظافة كنائسنا منهم فعلينا الإعتراف ان هناك من يدّعي انه مسيحي واخشى أن يكونَ الرب له المجد بريء منهم. لاهوتياً الكنيسة من جهة مقدسة لأنها عروس المسيح، ومن جهة خاطئة، وما يهوذا الا نموذج لمن يسلّم الرب الى صالبيه. لكن “اَللهُ دّيَّانٌ بارّ كُلَّ يَومٍ يَتَوَعَّدُ” (مزمور 7/ 12).
هناك مثل بالسورث يقول (رومحا لا كمطشيا بخرارا) أي الرمح لا يُخبّأ في الكيس. وخرارا كان كيساً كبيراً تصنعه الفلاحات في سهل نينوى من خيوط مُعَدّة من شعر الغنم. وكان (الخرارا) كبير الحجم يصل ارتفاعه الى أكثر من متر وعرضه أكثر من نصف متر. و(رومحا) بالسورث تعني الرمح وهي سلاح قديم للمقاتل طوله حوالي 2 متر. وهذا لا يمكن إخفاءه في كيس مهما كان كبيراً. والقصد من المثل أن الكذّاب سيُفضَح إن عاجلاً او آجلاً.
ان حالة بلدنا والذي تفضحه منظمات المجتمع المدني والصحافة الحرة لا يسمح بالمزيد من الفضائح في زمن التضليل الإعلامي وفبركة الأصوات وتركيب الصور.
في سنة 1999 قال لي مثلث الرحمات البطريرك بيداويد ان راعي الكلدان في اليونان لديه شهادة عماذ مزوَّرة صادرة من كنيسة مار كوركيس. وعندما اخذت نسخة وقارنت الصادر مع صادر السكرتارية وجدت ان العدد والتاريخ وهمي لا اساس له. واتصلت بالراعي فتبيَّن ان الشخص المزوِّر أراد أن يدَّعي انه تحوَّل الى المسيحية كي يقول للسفارات الغربية أنه مضطهد لأنه تحول الى المسيحية. كان قد حصل على نسخة من شهادة عماذ مسيحي في كنيسة مار كوركيس وكان طالب لجوء هناك وزوَّرها فاكتشفه الراعي الجليل.
التقيت بشخص قال لي انه شاهد سيارة الدخان القاتل للحشرات (في ثمانينات القرن الماضي) والتي تطلق دخانها كل عشرة ثواني في بستان وترحل الى بستان آخر. وكان الشخص موظفاً في ذلك القضاء حيث كان يشاهد اللصوص من أهل المنطقة ينتظرون سيارة الدخان كي بعد العشرة ثواني، وحيث لا أحد يستطيع الرؤية لدقيقتين، يهرعون لسرقة أكبر عدد من ثمار البساتين. وهذا ما ينطبق على وضعنا للأسف حيث تُسرق ثمار المساكين بعد نفث دخان يمنع العيون من رؤية ما يحصل.
وما يزيد تعقيد الوضع عندما يتمتع العديد من المسؤولين المحليين بصفات النعامة حيث يقال انها تدفن رأسها عندما تواجه الخطر.
في العراق القوة هي الحق وتقول كلمتها في الشارع، وننتظر بصبر اليوم الذي يصبح الحق فعلاً هو القوة وليكن الله في عون أهل ما بين النهرين.
كنت أتمنى أن تُدرَّس في عائلاتنا وروضاتنا قصة هامبتي دمبتي Humpty Dumpty وهي حكاية انكليزية من القرن التاسع عشر لأطفال الحضانة حول بيضة (بشكل مَلك) تصعد على جدار وتسقط ولم يستطع رجال المَلِك وحصُنهم تجميعها لأنها تهشمت أولاً، ولعدم وجود مثال لها تقتدي به كي تعيد نفسها ثانياً.
نعود الى العنوان حول قول النبي هوشع وهو أن شعبنا يشكو من قلة المعرفة والا لما وصلنا الى ما نحن فيه. لو كان لدينا رموز تسعى الى الحقيقة من خلال المعرفة لما كان حالنا ممزقاً هكذا. نطلب من الرب انه مثلما نبتت هذه النبتة في الصورة مخترقة تبليط الطريق هكذا سينبت الحق.