اللقاء الشيعي الكاثوليكي الثالث، الجلسة الختامية
في الصرح البطريركي بالمنصور- بغداد
اعلام البطريركية
عقدت الجلسة الختامية للقاء الشيعي الكاثوليكي الثالث في البطريركية الكلدانية بالمنصور- بغداد صباح يوم الجمعة 10 اذار 2023 لنفس المشاركين في النجف تحت شعار “تعالوا الى كلمة سواء” لمناقشة “تحديات المستقبل”.
تناول الكلام فيها غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو، والسيد جواد الخوئي، الامين العام لدار العلم للإمام الخوئي والبروفيسور أندريا ريكاردي مسؤول جمعية سانت ايجيديو السابق والسيد د. زيد بحر العلوم، مدير اكاديمية البلاغي من النجف.
وفي ختام الجلسة دعا البطريرك ساكو الى مسك الايدي ورفع صلاة صامتة من اجل ترسيخ السلام والاستقرار، ثم دعاهم الى مأدبة غذاء على شرف المشاركين.
في كلمة البروفيسور اندريا ريكاري، شكر غبطة البطريرك ساكو والكنيسة الكلدانية التي تمثل جذورها كنيسة المشرق احدى الكنائس الاقدم. شكرهم على شهادتهم للإنجيل في ظروفهم الصعبة، كما شكرَ على الضيافة التي عكست ضيافة ابينا ابراهيم الكلداني من اور.
اما السيد جواد الخوئي فذكر اننا في قارب واحد، وعلينا ان نعمل معاً. نضع يدنا في يد بعضنا من اجل السلام والعيش المشترك … هذا هو اللقاء الثالث والذي يمثل تقدماً في العلاقة والصداقة والحوار. علينا الاستمرار بإصرار مهما كانت التحديات.
وكذلك السيد زيد بحر العلوم أشاد باللقاءات التي حصلت بين الشيعة والكاثوليك، الأمر الذي يصعب تحقيقه بين الدول. وقال وجودنا اليوم هو بحد ذاته انجاز، تنوعنا غنى يجب استمراره لخير بلدنا والعالم… علينا ان نواجه معاً بعمل جاد كل التحديات.
واليكم مداخلة غبطة البطريرك ساكو عن تحديات المستقبل:
اني لست محللا سياسيا، وانما كمسؤول كنسي اقابل المسؤولين واقرأ الاخبار، واتابع الامور واحللها. ما اقوله لكم هي ملاحظاتي الشخصية. المستقبل مشروع يتطلب اعدادُه بمسؤولية ومهنية وحكمة، اما التحديات فهي عقبة أمام بناء مستقبل أفضل للبشرية. ثمة حزمة من تحديات عالمية واقليمية ووطنية ينبغي مواجهتها بحكمة حتى لا ينتهي الأمر بتمزق البشرية.
تحديات عالمية:
1. الحرب الروسية الاوكرانية
يشمل تحدِّ الحرب ضد أوكرانية مساحة جغرافية أوسع بكثير من أوكرانيا وروسيا، وها قد مرَّ عامٌ على اشتعالها دون أن تلوح في الاُفق ارادة واضحة لانهائها بالرغم من انها تشكل خطراً عالمياً. غيرَّت هذه الحرب التوازن الدولي، ووصلت تداعيات أتونها الى العالم أجمع. هذه الحرب ضربت الاقتصاد العالمي (انكماش وتضخم)، وخلقت تكتلات وتوترات اجتماعية، وزعزعت الاستقرار العالمي، وخلَّفت آلاف القتلى والجرحى وملايين المهاجرين فضلاً عن الدمار الكبير في المباني والبنى التحتية. واذا ما استمر احتدام الصراع ووصل الى استخدام الاسلحة النووية سنجد أنفسنا أمام كارثة عالمية قد لا ينجو منها أحد.
سبب هذه الحرب هو الحكّام المستبدّون الذين يبحثون عن النفوذ والاقتصاد واستعادة الاراضي التاريخية بقوة السلاح من أجل إحياء مجد الامبراطوريات القديمة. نجاح روسيا في هذه الحرب، إنْ حصل سوف يفتح شهيّة دول أخرى لحذو حذوها. تلويحُ روسيّا باما النجاح واما استخدام الاسلحة النووي خلق كابوسا للبشرية. يجب احترام القانون الدولي وعدم “عسكرة” العالم. فالمشاكل تُحَل عِبر الحوار الدبلوماسي الحضاري وليس عِبر السلاح. وفي نفس الإطار، اُشير الى “حرب الظل” على إيران بسبب برنامجها النووي والعقوبات التي تطال الشعب وليس المسؤولين، مما خلق صراعات في المنطقة التي ما تذوقت الأمان منذ عقود.
2. القضية الفلسطينية
التحدي الدولي الآخر هو القضية الفلسطينية، التي لم يفلح المجتمع الدولي في ايجاد خطوات عملية لحلّها، لذا هي قنبلة موقوتة في قلب الشرق. الموقف الدولي ليس فعالاً ولا جاداً، والعالم الاسلامي ينظر إليها كقضية دينية، ويتهم الغرب بالتحيّز لاسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. هذه المواقف خلقت توترات دائمة وقلقاً وخوفاً في المنطقة العربية. الغرب يَكيل الأمور بمكيالين!
3. تكاثر السكان وتلوث البيئة
هناك تزايد في عدد السكان بشكل عشوائي مما يتطلب جهوداً مضاعفة لإيجاد السكن والطعام والدواء والعمل والدراسة والضمان الصحي. هذا النوع من التكاثر غير المدروس يلوّث البيئة ويهدّد بنفاذ المصادر الطبيعية، بسبب استعمالات خاطئة للطاقة، وغياب التشجير وكثرة المصانع والاسلحة، مما “يفرز” الاحتباس الحراري.. لذا يتحتم على المجتمع الدولي إيجاد الحلول الناجعة لهذا الازدياد المخيف في التلوث وإلا فكوكب الأرض يسير نحو الهاوية.
4. التشدد الديني والإرهاب
التشدد الديني او الإثني. يعتقد المتشددون أنهم على الحق والآخرون على الباطل. وعقلية الاستعلاء هذه ايديولوجية مروعة: سيف ونار وقتل. هذا التشدد الديني في العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا وافغانستان، خلق عقلية طائفية رفعت الجدران بين المكونات وخلَقت توترات وحالة من الفساد السياسي والاقتصادي فضلاً عن ملايين من المهجرين العاطلين عن العمل والفقراء والاُميين (في العراق مثلاً: لم يكن ثمة اميّون قبل عام 2003، بينما وصل عدد الاميّين اليوم الى 12 مليونا). هذا يشكل خطراً على البلاد ومستقبلها.
5. العلمنة الغربية
هذه العلمنة مبنية على الاقتصاد والاستهلاك والفرد، بعيداً عن القيم الدينية والاخلاقية، وأخلَّت بالحرية المسؤولة وأفرزت فراغاً كبيراً يحاول المتشددون ملؤه. حاولت الكنيسة إشاعة القيم المسيحية من خلال مشروع “الأنجَلَة الجديدة” الذي طرحه البابا القديس يوحنا بولس الثاني، لكن نتائجها خجولة بسبب الأسلوب واعتماد المصطلحات القديمة، غير المفهومة، من قبل الجيل الجديد.
حلول مقترحة:
خلَقَت هذه التحديات حالة من اليأس والقلق والخوف عند الناس. لذا ينبغي ان ينصبّ جهد الدول ومساعي المرجعيات الدينية المختلفة على تحقيق السلام والاستقرار العالميين. ثقافة السلام تقوم على قيم الاحترام والتسامح والتعايش التي يجب أن تحلّ محل ثقافة الانتقام والانقسام والتخندق والتسلح. حينها ممكن ان تتحول مصانع الاسلحة الفتاكة الى مصانع الاغذية والادوية للجائعين والمرضى.
العيش المشترك ضرورة وجودية، ما دمنا نحتاج الى بعضنا البعض. هناك أسس إنسانية ودينية واجتماعية للعيش معاً. هذا يتطلّب إعادة النظر في المؤسسات القائمة، وايجاد هيئات جديدة، وبناء دول ديمقراطية مدنية حديثة، تحترم القانون والعدالة والمؤسسات. هذه هي مجالات التغيير والرهان الأكبر لمستقبل أفضل.
ثمة بعض المسارات اقترح التركيز عليها لأنها تنبع من رسالة الأديان.
1- صيانة حياة كل إنسان وحقوقه وكرامته، لأنه صورة الله، ولأن الله خلقه ليعيش بشكل لائق ومحترم وسعيد، ذلك بتوفير حقوق مدنية تساوي بين الجميع.
2- الثقافة والانفتاح ووحدة المجتمع البشري والتضامن على أساس الاخوّة البشرية والمواطنة الكاملة لكل انسان هي الأمل لمستقبل أفضل. مما يؤكد الحاجة الى مواجهة الحداثة بتشريعات تحفظ حقوق كل مواطن في اي بلد كان وتجنب تصنيف المواطنين الى درجات أولى وثانية. هذا التصنيف غير العادل يمكن ان ينتج عنه صراعات في اي وقت. الدولة كيان معنوي لا دين لها. الدين لا يُفرض بالقوة – العنف، وانما يُعرَض. الدين يحترم “حرية الضمير”، فعملية زرع الإيمان تقتضي تغيير في القلوب والعقول، وهذا يتم من خلال الوعظ وليس السيف.
متى ما وعينا على هذه الحقيقة، نكون قد تقدمنا خطوات كبيرة في طريق الاخوّة والسلام التي تنبع من رسالة الأديان.!
3- الفكر المتطرف الارهابي صبَّ على العراق والمنطقة نار جهنم، لذا يجب “تفكيكه” بفكر وسطي – معتدل يصون الدين من تحريف المفاهيم من خلال تقديم تفسير صحيح للنصوص الاصلية لقطع الطريق على من تسوّل له نفسه أن يفسرها خارج إطارها الصحيح لغايات سياسية. من الضروري ايضاً القيام بمراجعة دقيقة للنصوص المعتمدة في تدريس مادة الدين والتاريخ وطريقة تدريسها. بهذه المناسبة اشير الى اننا لسنا نصارى، نحن نرفض هذه التسمية، “نحن مسيحيون”. النصرانية بدعة رفضتها الكنيسة وانتهت واستعمل القرآن هذا التعبير وليس المسيحيين لان هذه البدعة كانت منتشرة في شبه الجزيرة العربية وكان لها انجيل منحول هو انجيل العبرانيين.
أخيراً، أود أن اقترح انشاء مراكز للعيش المشترك تعزز روح المحبة والتعاون بين المواطنين المتنوعين دينياّ واثنياّ لصون وحدة المجتمع.