قراءة في أهَم مَلفات سينودس السينودالية (3-27 تشرين الاول 2024)
الكاردينال لويس روفائيل ساكو
إشترك في هذا السينودس 376 شخصاً: أساقفة يمثلون مجالس الأساقفة اللاتين في كل البلدان، وبطاركة الشرق وكرادلة، ورهبان وراهبات وكهنة، ومؤمنون كاثوليك من كلا الجنسين، فضلاً عن ممثلين عن الكنائس الشقيقة. وقد سبقت دورة اولى في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 بنفس العنوان: “من أجل كنيسة سينودسية: “شركة ومشاركة ورسالة”.
صوَّتَ يوم السبت 26 تشرين الأول 2024، 356 ممن لهم حق التصويت على النص النهائي للوثيقة المجمعية بــ 237 مع، و97 ضد.
تتألّف الوثيقة النهائيّة من خمسة أجزاء و155 فقرة، وجاءت في 153 صفحة بحجم A4.
قَبِلها البابا فرنسيس وثبَّتَها على الفور كي تُلهِم حياة الكنيسة: “ما وافقنا عليه كافٍ، فالوثيقة تتضمن فعلاً مؤشرات ملموسة للغاية لتكون بمثابة دليل لرسالة الكنائس“.
في السابق كان البابا يصدر “إرشاداً رسولياً Apostolic Exhortation” في الأشهر التي تعقب ختام السينودس، لكنه اختلف هذه المرة بالمصادقة عليها فور انتهاء التصويت. واعطى مثالاً على ان الكنيسة اليوم أكثر ديمقراطية.
يحتوي النص النهائي مقترحات بالغة الأهمية كالانفتاح على اللامركزية وهي حالة غير مسبوقة. ويبنى هذا التغيير على قاعدة ما يأتي من الروح القدس لا يمكن إيقافه. اكد ذلك في موعظة قداس الختام في بازيليك القديس بطرس صباح 27 تشرين الاول 2024 بكلمات مُعبِّرة، ترسم مسار الكنيسة في هذا الزمن المعاصر والمستقبل بوضوح؛ كنيسة حيّة، خادمة وجامعة ورسولية وسينودالية من أجل الرسالة بلُغَة اليوم وثقافته، وليست كنيسة تقليدية جامدة:
“لا نريد كنيسة جالسة، بل كنيسة واقفة. لا نريد كنيسة صامتة، بل كنيسة تسمع صرخة الإنسانيّة. لا نريد كنيسة عمياء، بل كنيسة مُشعّة بنور المسيح وتحمل نور الإنجيل إلى الآخرين. لا نريد كنيسة ثابتة في مكانها، بل كنيسة مُرسَلة تسير مع الربّ يسوع في طرق العالم”.
تخلل السينودس أوقات للصمت الداخلي والإنصات الى صوت الروح القدس، والتأمل بكلمة الله من الكتاب المقدس والإرشاد والصلاة والسعي للتطبيق. كانت مداخلات حرة شخصية أمام الجلسات العامة بحضور قداسته، ونقاشات ضمن حلقات صغيرة Circoli minori يديرها مؤمنون من كلا الجنسين أو راهبات. كل المواضيع الكنسية كانت مفتوحة للنقاش.
أهم مِلَفات سينودس السينودالية
في هذا المقال أود إبرازز الملفات المهمة في الوثيقة الختامية الملئة بمواضيع متعددة وجديّة، ولا يمكنني تغطية جميعها.
- “كنيسة الإجماع“، من أجل كنيسة أكثر ديمقراطية في مواجهة المركزية والأداء الهَرَمي والبيروقراطية، بالرغم من ان البابا هو وحده من سيصادق على القرارات، لكن تبقى الكنسية منفتحة على الجميع، ولكل فرد فيها صوته المسموع والمحترم.
- “مراقبة وتقييم“، كل الذين يمارسون المسؤوليات في الكنيسة من كهنة الرعايا، والأساقفة، والسفراء البابويين، ومجالس الأساقفة، والدوائر الرومانيةCuria والمجالس الرعوية، وكل شيء ينبغي ان يخضع للمراقبة والتقييم، للتحقق من “التقدم المُحرَز” وتقييم أداء كل الخدمات والرسالات داخل الكنيسة! كل ذلك يمكن أن يتم بمشاركة أوسع “لأشخاص مؤمنين من كلا الجنسين في جميع مراحل حياة الكنيسة”. هذه القرارات “إلزامية” وليست مجرّد “نصائح”.
- “الشفافية والمسوؤلية والمساءَلة“، في كل ما يتعلق بحياة الرعاة: الأساقفة وكهنة الرعايا، والخطط الرعوية، وأساليب التبشير واحترام كرامة الإنسان، وظروف العمل داخل مؤسساتها. من المؤكد ان ثمة حالات فساد مشكِّكة وطموحات قاتلة لدى بعض الكنَسيين لا تتماشى مع روح الانجيل والخدمة المعهودة اليهم.
- “الأساقفة تحت المتابعة” من المهم ان يُدركَ المؤمنون ان الأسقف، بالرغم من انه مدعو ليكون مثالياً في الرعاية والخدمة، يبقى شخصاً ضعيفأ ومعرضاً للتجربة، ويحتاج إلى المساعدة مثل أي شخص آخر. انه بحاجة الى ان يشاركه الكهنة والمؤمنون خدمته لشعب الله في رسالة كنيسة سينودسية حقيقية ليكون راعياً أميناً لها وليس أميراً ولا مقاوِلاً يحول الكنيسة الى بيزنيس business! لذلك يدعو المَجمَع الى التمييز في حالات تعيين الكهنة والأساقفة، واختيار ممن لهم أكثر شجاعة وغيرة ومؤهلات للخدمة المرسومة بشكل صحيح. هذا التوزيع للمهام والمسؤوليات سيحدّ من “الانتهاكات الجنسية والاقتصادية والضميرية والسلطة في الكنيسة”.
- “تمييز المرشحين للكهنوت وللاُسقفية“. هذا الموضوع في غاية الأهمية، وأشار السينودس الى ضرورة إعدادهم إعداداً جيداً من كل الجوانب ومتابعتهم. وكانت هناك أصوات طالَبت برسامة أشخاص متزوجين اسوةً بما تمارسه الكنائس الشرقية.
- “منح العلمانيين مزيداً” من المسؤوليات في الكنيسة وفق كاريزما كل واحد. و فتح المجال لتولي المرأة أدواراً قيادية (“ruoli di guida”، “دور المرشد” والمشاركة في التدريب وتمييز المرشحين للكهنوت. وقد دعم العديد من الأساقفة قضيتهن. اما موضوع رسامة النساء شماسات انجيليات deaconesses فكان البابا فرنسيس قد عهده في شهر شباط إلى “فريق عمل” من الفاتيكان. اني في مداخلتي طرحت فكرة الرسامة الرسائلية للنساء، وهذه لا علاقة لها بالدرجات الكهنوتية الثلاث: الاسشقفية والكهنوت والشماسية الانجيلية.
- “مكانة الكنائس الشرقية” ودورها وخبرتها كان لها اهتمام كبير: جاء في الوثيقة: “بصفته حاميّ الوحدة في التنوع، يضمن أسقف روما (البابا) حماية هوية الكنائس الكاثوليكية الشرقية، واحترام تقاليدها اللاهوتية والكنسية والليتورجية والروحية والرعوية الممتدة منذ قرون. هذه الكنائس مجهزة بهياكلها السينودسية الخاصة: سينودس أساقفة الكنائس البطريركية والكنائس التي يترأس كبير رئيس الاساقفة Major Archbishop، مع أسقف روما، فإنها تحتفظ بهويتها الشرقية واستقلالها. وفي إطار المجمعية، من المناسب اعادة النظر معاً لتضميد جراحات الماضي واستكشاف طرق جديد لعيش الشركة، التي تتضمن أيضاً التكيف في العلاقات بين الكنائس الكاثوليكية الشرقية والكوريا الرومانية. يجب أن تتميز العلاقات بين الكنيسة اللاتينية والكنائس الشرقية الكاثوليكية بتبادل المواهب والتعاون والإثراء المتبادل (رقم 132 من النص الختامي).
- “سلطة البابا”، يقول النص: “إن أسقف روما هو أساس وحدة الكنيسة والمجمعية، ولانه خليفة بطرس، لديه دور فريد في الحفاظ على وديعة الإيمان والأخلاق، وضمان سير العمل في الكنيسة ورئاسة اجتماعات السينودس لتأتي بثمار الوحدة والشهادة. وأوضح أندريا تورنيلي، وهو مؤمن علماني مسؤول عن دائرة إعلام الفاتيكان: “إن السينودس حوَّل السينودالية إلى إعادة التفكير في خدمة السلطة، بما في ذلك خدمة خليفة بطرس، لاعطاء دور أكبر من المسؤولية للعلمانيين وخلق “صورة جديدة للكنيسة” دعماً للخدمة التي يقوم بها قداسته لشعب الله.
صلوات تُليت اثناء السينودس
1- من أجل البابا فرنسيس، الذي دعاه الرب لرئاسة الكنيسة بالمحبة، لكي يقويه الرب في خدمة الشركة في الجماعة الأسقفية وبين كل شعب الله.
2- من أجل آباء السينودس وسائر المشاركين في الجمعية العامة لسينودس الأساقفة، لكي ينير روح الرب أذهانهم، فتجيب الكنيسة، بأمانة لمخطط الله، على التحديات التي تواجه المجتمع.