تقديس الكنيسة
الأب سامر يوسف هندو
نحتفل كنيستنا الكلدانية في العراق والعالم بأربع اسابيع من موسم تقديس الكنيسة.
ومن احدى تسميات الكنيسة في اللغة المحلية وخصوصا اللهجة المصلاوية هي “البيعة”. وكلمة “بيعة” تأتي من كلمة “بايع/ يُبايع” أي “اختار”. والله بايعنا منذ إنشاء العالم (أي اختارنا) وصرنا بيعته أي (خاصته). من آدم وقايين، ثم نوح وابراهيم واسحق ويعقوب، نزولًا الى موسى وشعب الله المختار، لغاية الأنبياء ووصولاً بالمسيح والتلاميذ ونحن اليوم. وهكذا الى انتهاء الدهر.
تاريخ الله مع البشرية هو تاريخ (بيعة) اختيار، تاريخ شعب يخطئ، فيرجع الله ليجدد مبايعته معه. يقول إرميا (24: 7) “وأُعطيهُم قلبًا ليعرفوني أني أنا الربُّ، فيكونوا لي شعبًا وأنا أكون لهم إلها.
في العهد الجديد، الله يُغير من خطة هذه البيعة/الاختيار؛ فبدل أن يستمر بإرسال انبياء؛ يُبايع المسيح، أي (يختار إبنه يسوع “والكلمة صار بشرا وحل بيننا” يو 1: 14) لماذا؟ ليكون المسيح لنا بيعةً أي (ليكون لنا الحضيرة والراعي الذين يجمعوننا)، ونحن نصير له بيعة ايضًا، أي (الرعية والجماعة).. الكنيسة.
إذن صار الهيكل بشرًا، ليصير البشرُ هيكلا لله. في رسالة بولس الأولى الى اهل كورنثية (6: 19) يقول: “أنتم هياكل الروح القدس”. ورأسنا (رأس هذه الهيكل/الكنيسة) هو المسيح (حجر الزاوية). هو مؤسسنا؛ أسسنا على إيمانه بأبيه (الله الآب) وعلى إيمان بطرس والرسل “أنت صخرٌ وعلى هذه الصخر سأبني كنيستي” (مت 16: 18).
إذن لدينا يسوع حجر الزاوية، ثم بطرس الصخر الذي بنيَّ فوق حجر الزاوية، ثم صخور الرسل، وصخورنا نحن اليوم (حتى نكّوِن بناءً واحدًا/ بيت واحد/ كنيسة واحدة). وفي هذه الكنيسة (المؤسسة) يوجد هيكلية هرمية:
ـ هيكلية تواترية إدارية: بالقداس نقول: “إذ قبِلنا بالتواتر الرسولي عن آبائنا ما رسمهُ ابنك”. وتتكون من بطرس، ثم الرسل، ثم البابا، ثم الكرادلة (فيهم بطاركة)، والأساقفة ووصولًا بالنهاية الى الكهنة والشمامسة الإنجيليين (كونهم استلموا اول اسرار الكهنوت).
ـ وهيكلية إيمانية: أي أن كل واحدٍ منا (أعضاء الجسد الواحد) هو بطرس والرسل؛ لأننا نشترك بإيمانٍ واحد، وبمعمودية واحدة وتجمعنا “كنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية” ـ كما نقول في قانون الإيمان ـ.
وهذه الكنيسة (المؤسسة من جماعة المؤمنين)، مهما ما عاشت وتعيش من انشقاقات، انقسامات، حروب واضطهادات خارجية وداخلية؛ لكن بالنهاية تبقى وستصمد قوية: “وقوات الجحيم لن تقوى عليها”، ـ يقول الرب ـ (مت 16: 18).
إذن، فلنكن مطمئنين أنه على الرغم من كل هذه الأمواج والأعاصير التي يعيشها قاربنا، سفينتنا، كنيستنا اليوم؛ وثقوا أن اسلافنا في الإيمان عاشوا اقوى وأقسى من هذه الصعوبات والمشاكل)، سوف يأتي اليوم وتُزاح هذه الغمامة عن سماء كنيستنا مثلما زالت في السابق.
وحتى الانشقاقات والانقسامات التي تعاني منها بيوتنا، أُسَرُنا وعوائلنا (هذه الكنائس المصغرة).. أيضا سيأتي اليوم وتنتهي لأن المسيح أساسها (إن قبلنا أن يكون المسيح اساسها!). لأن ما فائدة المسيحي الذي لا يجعل من المسيح حجر زاوية قلبه وحياته وبيته؟
هكذا ايضًا (هياكل اجسادنا)، على الرغم من كل ما تعاني من فتور وقلة إيمان وتجارب وشكوك وابتعاد عن الله… سيبقى الرب يُرسل “طالما نحن أحياء”، رسلًا، وروحه القدوس، لكي ما يُعيدُنا الى حضيرته (كنيسته). فقط ينتظر منا أن نكون أمينين مثلما هو أمين. ينتظر منا أن نفتح له بابنا وباب قلبنا لكي يتسنى له الدخول “ها أنا واقفٌ على الباب اطرق…” (رؤ 3: 20).
أُنهي مقالتي الصغيرة هذه بعبارة قصيرة مستوحاة من كتاب “كنيستي الى أين؟” للأب المرحوم الراحل (ألبير ابونا)، يقول: “إنَّ الكنيسة التي أسسها المسيح تتسم ببُعدين: البُعد العمودي، أي أنها تستمد كيانها وجذورها من الله، والبعد الأفقي، أي أن هذه الكنيسة مكوَّنة من بشريين مدعوين الى القداسة، ولكنهم ليسوا كلهم قديسين، وهم يفتقرون دومًا الى الاحتكاك بالمسيح للحصول على هذه القداسة. أجل إنها كنيسة الخطأة المفتدَين والمدعوين الى القداسة التي ستتحقق فيهم بقدر ارتباطهم الوثيق بالمسيح”.
ومار بولس يقول: “إن لم تكن عندي المحبة، فما أنا إلا نحاسٌ يطنُّ أو صنجٌ يرن” (1 كو 13: 1).