قرن ونيف على اعلان مار افرام ملفانا لعموم الكنيسة الكاثوليكية
هل تجعل شموليته رمزا وحدويا لكنائسنا المشرقية
بقلم الخوراسقف نوئيل فرمان
ثمة شواهد عن تعدد الانتماءات الاثنية والتسميات لدى أبناء كنائسنا الشرقية. من ذلك، التخبط في تسمية اللغة المشتركة التي يلهجون بها، شرقية كانت او غربية. أو ما بات يطلق بمسميات مبهمة على اللغة الواحدة لابناء هذه الكنائس، بنحوها وقواعده المشتركة أمام تسميات مرتبطة بتعدد لهجاتها جغرافيا، او حسب التسمية العقائدية الليتورجية لكنائسهم فيطلق عليها: لغتنا الام، لغة شعبنا لغة امتنا… ودخلت تسمية الوصف لنسب القديس افرام: ضمن اتجاهات متعددة، لدى الكنائس الكاثوليكية وغير الكاثوليكية. هذه بعض اضواء على الموضوع، مع البدء بواقع كنائسنا محليا.
كنائس بشركة كاثوليكية واصطفافات متعددة
لم تفلح اعادة الشركة مع روما بين الكنائس الشرقية الكاثوليكية، في توحيد انتماءهم الاثني الثقافي، تحت مظلة المشترك العقائدي. فإن الملاحظة المريرة، في علاقاتها الداخلية مع بعضها غدت تخضع للتيارات السياسية والصراعات الشخصية بين رئاساتها والمصالح الشخصية الضيقة، بصرف النظر عن شركتها الكاثوليكة التامة مع خليفة مار بطرس على الكرسي الرسولي.
على ان الكرسي الرسولي نجح على مستوى القارة الامريكية، بأن يجمع الاساقفة الكاثوليك، على تنوع لغاتهم الليتروجية وخصوصياتهم الاثنية و ثقافاتهم، وذلك تحت مظلة مجمع الاساقفة الكاثوليك الكندي، او الامريكي، وحتى في لبنان. فيرأس المجمع سواء من يحمل قدمية نيل الدرجة الكنسية، او الكرامة الكاردينالية او بالانتخاب بين من يحملون الصفات المشتركة.
ولا أعتقد اني اكشف سرا، يرجع إلى سنة تشرفي بالخدمة الاعلامية في بطريركيتنا الكلدانية (2018)؛ وهو بشأن اصداء وصلتني آنذاك من كواليس اجتماع بطاركة ورؤساء كنائس الشرق الاوسط الكاثوليك في بغداد. واذ بلغتني، أنا الكاهن البسيط، الاصداء بنحو مكشوف وانا في السكرتارية ، فهذا يعني ان الامر لم يعد سرا. كان ذلك ان اصحاب النيافة والغبطة البطاركة، كانوا يسعون إلى اقناع واحد من رؤساء الكنائس -لا أتذكر اسمه وأيم الحق! – يقنعونه ليوقع على أحد البيانات بسبب هذه النقطة او تلك من البيان إياه. ولم يكن ثمة التعويل لا على الاجماع ولا هم يحزنون، او الغور في مضامين الشركة الكنسية العقائدية التامة، لتكون ليس كشهادة وحدوية مسيحية تحتاجها المنطقة، بل كأن كلا منهم له شركة تامة فردانية ادارية بيروقراطية مع روما.
وهنا لا بد من استذكار قوقعة الفنجان التي اثيرت ضد طروحات البطريركية الكلدانية، الداعية الى الاسوة الحسنة بمجلس كنائس الشرق الأوسط، بهيكليته المسيحية؛ إذ بلغ السيل الزبى عندما تكاتف كاثوليك مع غيرهم في موقف الرفض. وللمفارقة المضحكة المبكية، فإن عددا من المواقف الاصطفافية، في هذا الشأن أو ذاك، جاءت ايضا من قبل الجهة اللاتينية التي كما ازعم، تعد امتدادا للكرسي الرسولي او تمثيلا له. وهذا قد يوحي إلى الفاتيكان، بأن تعود الوصاية على الكنيسة اللاتينية في العراق إلى القاصد الرسولي، سفير الفاتيكان في بغداد. هذا فضلا عن اصطفاف بعض الكنائس الى ميليشيا معينة ضد البطريركية!
وقد انكشفت عراقيا وعلنا الخلافات الكاثوليكية – الكاثوليكية، خلال الازمة المرسومية التي استهدفت شخص البطريرك الكاردينال لويس ساكو، عندما اتخذت من الأزمة مواقف أقل ما يقال فيها انها كانت غير أخوية. ولعل احقاق الحق بعودة البطريرك إلى بغداد، كمكسب ليس للبطريركية فحسب، بل تصب التضحيات ومواقف البطريركية الكلدانية المتكللة بإعادة الحق إلى نصابه، بعد حوالي السنة، في صالح الرئاسات الكنسية، شاءت أم أبت.. ولعل في مقدمة طموحات المسيحيين المؤمنين، ان الجهات الكنسية الكاثوليكية والمسيحية تعود إلى الحد الادني من التفاهم الاخوي فيما بينها.، بمجرد سلام وعناق ولقاء.
وبعد، ماذا عن الشماس الملفان القديس مار افرام؟
هو هو حقا سرياني؟ وكيف يا ترى تعددت تسمياته والشخص واحد؟ والحال لا يوجد ثمة من يجهل ان مار أفرام ليس سريانيا بل هو للكل، لان التسمية القومية لم تكن معروفة ورائجة انذاك! .فهو يعدّ مرجعا عقائديا وليتورجيا لكنائسنا وهو ومن ابرز آباء كنيسة المسيح الجامعة المقدسة، على تعدد فروعها او تسمياتها. كيف إذن تم تعريفه بالسرياني؟
بحسب بعض التقصي، تبين ان الموضوع يعود الى عهد البطريرك اغناطيوس أفرام الثاني رحماني (1848 – 1929) الذي استهل حقبته البطريركية للكنيسة السريانية الكاثوليكية، سنة 1898. فقد ترجم “ميامر” مار افرام إلى اللاتينية فسماه سريانيا. بينما في عهد الشماس القديس مار افرام (306 – 373) لم يكن ثمة من كان يسمى سريانيا او كلدانيا، او آشوريا. بل ان انتشار صيته خلع عليه تسميات اخرى مثل الرهاوي، نسبة إلى مدرسة الرها التي اسسها. وسمي ايضا النصيبيني، نسبة إلى مكان ولادته، والملفان نسبة الى كتاباته !
وحتى يأتي يوم، قبل أوان الحشر، تقر فيه تسمية اللغة الام المشتركة، لغة ابناء شعبنا من ابناء الكنائس الكلدانية والسريانية والاشورية، يبقى القديس افرام ملهما ومرجعا لكل هذه الكنائس، على تنوع تسميات ابناء شعبنا، بتنوع انتماءاته الكنسية وارتباطاته السياسية.
الشماس القديس رمزا وحدويا آخر
وأخيرا، وبصدد امتداد صيته على مدى مسيحيي العالم، تشير مفارقة البحث عن تنوع تسمياته، الى وصف “فنطازي” آخر. فتأملاته برموز الايمان المسيحي ومواقفه ضد البدع، جعلته، لا غرو، مصدرا شائعا للإلهام في الكنائس الغربية ايضا، عندما نسبت إليه سير اسطورية في لغات عديدة. كما ان ثمة مؤلفات منحولة منسوبة إليه لأنها تحاكي مقاطعه الشعرية السباعية. فيشار إلى تلك الاعمال في الادبيات الدينية العالمية باسم افرام جريكوس، أي افرام اليوناني. وتتاسس هذه التسمية ايضا على أن بعض هذه الاعمال، هي ترجمات يونانية لأعمال حقيقية للشماس القديس مار افرام. ولعل هذا الطرح المتواضع، بحثا عن كل ما يوحدّنا، يدعو إلى شمولية هذا الشماس القديس، رمزا وحدويا لكنائسنا المشرقية، إلى جانب رموز وحدوية أخرى، مثل صوم الباعوثا بوحي من العبرة اللاهوتية في حكاية يونان النبي ونينوى.