رسالة مفتوحة الى الرئيس العراقي
لماذا تشوّهون صورة وطنكم؟ ما هكذا يعامل المسيحيون!
بقلم: حبيب أفرام
حين تقتلع داعش شعبا من أرضه بالحديد والنار وتقتله نسميها مجزرة وابادة، لكن ماذا نسمي تهجير بطريرك بابل من مقره؟
فخامة الرئيس عبد اللطيف جمال رشيد المحترم
صُعقت، وانا اقرأ نص مرسوم جمهوري صدر عنكم يستهدف مباشرة بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاردينال لويس رافايل ساكو، لم اصدق، ظننت أننا في عصر سحيق، أو في غير بلاد ما بين النهرين.
غريب وصادم أن لا يعرف رئيس وطن عظيم وعريق مثل العراق معنى الحضور المسيحي فيه، الأصيل والأصلي، الغارز في الحضارة وتراكم الثقافات الاشورية البابلية السريانية الكلدانية الأكدية والسومرية وتمازجها مع كل المكونات.
أهكذا تديرون التنوع والتعدد؟ أهكذا نكون نؤمن بالمواطنة والمساواة؟ أهكذا نستسهل التعامل مع رمز عالمي مشرقي عراقي يمثل ضميراً؟ أهكذا نضرب بعرض الحائط كل القلق المسيحي على الحضور والدور خاصة بعد جنون الإرهاب؟ أهكذا تصنع ما لم يفكر فيه لا العثمانيون ولا الملكيون ولا الجمهوريون ولا البعثيون ولا من سبقكم من رؤساء؟ ولماذا؟
في وقت تكاد بغداد تفرغ من مسيحييها، وبدل أن تعامل الدولة هذا المكوّن بتمييز إيجابي، لحثّه على البقاء، من أجل مزيد من الطمأنينة والعدالة والمساواة ووقف التعديات، نراها في هذا المرسوم ترسل اشارة بالغة الخطورة، ليس الى شخص البطريرك بكل ما يمثله، بل الى كل مسيحي مشرقي. لا شيء يبرر، بالمطلق، هذا التصرف.
البطريرك، أي بطريرك، لا يُستدعى لتحقيق، ولا يُكلّف بالحضور الى محكمة، ولا يُهدد باتخاذ إجراءات ضده، ولا بإصدار أمر قبض عليه. هذه بدع تحمل قلّة إحترام.
والبطريرك، أي بطريرك، يُنتخب من ناسه، من كنيسته، من مطارنته، من مجمعه، ويدير شؤونها الدينية والرعوية والوقفية حسب قوانينها، وهو ليس موظفا في الدولة، أي دولة، ولا وصاية عليه، ولا رأي لها في انتخابه، ومرسوم توليه على أوقافه أو الاعتراف به هو فقط إجراء روتيني تنفيذي – مثل لـ ١٤ طائفة مسيحية – وكرامته لا يمس بها، ووطنيته لا غبار عليها.
وما إنسحاب البطريرك في سابقة – حصل مثلها مع بابا الاقباط في مصر – الى دير في اقليم كردستان إلا أولى التداعيات، فهل يُكتب أن في عهدكم لم تبق مساحة لحرية معتقد ولا قامة حرة لرئيس أكبر مكوّن مسيحي في العراق؟
أسرع فخامة الرئيس في تدارك ما حصل، نحن لا نتدخل في أمور العراق – أصلا نحن نشكو من تدخل كل الخارج بأمورنا في لبنان، ولكننا كلنا في الهم شرق.
أما في أحوالنا نحن، كمسيحيين مشرقيين، فيبدو أننا بيت منقسم على ذاته، رغم كل الانكسارات والخيبات والخسارات والتهجير والتفجير والخطف والقتل والترهيب – وتغييب مطرانين، لم نتعلم شيئا ولا الدرس الأول للبقاء إن وحدتنا هي ضمانتنا وان كل صراع على كرسي أو سلطة سراب ووهم، وإننا اذا لم نكن أقوياء في الحضور والفكر والسياسة والعلاقات والتعلق بالأرض والقيم والمشاركة وحمل ريادة حقوق كل إنسان وكل مواطن وحريات للكل، سنكون فقط أدوات في مشاريع الآخرين كل الآخرين.
فخامة الرئيس
أنتم مدعوون الى ما هو اكثر من الغاء مرسوم فقط، لا تلتفتوا الى حزازات الداخل وألاعيب السياسات الضيقة، إذهبوا الى دعوة مجلس النواب العراقي لتأكيد ثوابت العيش الواحد الكريم الحرّ، والى إشعار كل مكّون في هذا الكنز الذي إسمه التنّوع إنهم عراقيون بالكامل، لا في عهدة أحد، ولا في ذمة أحد، بل في ظلال الدولة المدنية. أنتم المؤتمنون على الدستور وحقوق كل عراقي. فهلا أقدمتم؟
مع كل المحبة والتقدير