الكلدان تسميّةٌ أصيلة وليست مذهباً كنسياً!
البطريرك لويس روفائيل ساكو
أعود مرةً أخرى الى موضوع التسميّات القومية الكلدانيّة والآشوريّة لتوضيح أشمل، إذ لا يزال هناك من يَنكرها أو يُشوِّهها.
قوميّاً
التسمية “الكلدان والآشوريون” تُشير إلى مجموعة إثنية – قومية، ترى إنتماءَها متجذراً قبل المسيحية. برز هذا الشعور القومي خصوصاً عند الآشوريين مع سقوط الإمبراطورية العثمانية، إثرالحرب العالمية الأولى (1914 – 1918)، وقيام دول وطنية. هذا التنوع القومي هو جزءٌ من النسيج العراقي الجميل يتعين المحافظة عليه.
الكلدان
ترجع هذه التسمية الى القدماء الكلدان، الى زمن إبراهيم الخليل الكلداني (من اور) قبل المسيحية بـ 1812 سنة، ثم الى المملكة الكلدانية الأولى التي تاسست في بابل عام 1894 قبل المسيح. وكان حمورابي أحد حكامها، والى الدولة الكلدانية الحديثة، التي أسسها نبوبلاصر سنة 627 واستمرت الى سنة 539 قبل المسيح. وقد تعاون تبوبلاصر مع الماديين لاسقاط نينوى عاصمة الآشوريين سنة 612 قبل المسيح. إن الحكومات والانظمة تزول، لكن الشعوب تبقى.
ولاء الكلدان هو لإيمانهم المسيحي وللوطن، أكثر منه للشعور القومي، لذا توجهوا الى الثقافة والعمل، وليس الى النشاط القومي أو السياسي. الحسّ القومي عندهم نما بشكل ملموس بعد سقوط النظام العراقي عام 2003.
الآشوريون
يرجع أصل هذه التسمية إلى الآشوريين القدماء الذين عاشوا شمال ما بين النهرين، وأسسوا الإمبراطورية الآشورية التي سقطت عام 612 قبل المسيح. يعتقد الاشوريون أنهم أحفاد هذه الإمبراطورية، بتراثها الفني والعمراني والديني.
هذا الشعور القومي نما بقوة عندهم اثر التهجير من منطقتهم (هكاري جنوب تركيا) بعد الحرب العالمية الأولى، فشكّلوا فصائل عسكرية ثم أحزاباً سياسية من أجل الحصول على وطن قومي لهم في شمال العراق.
كنســــيّاً
الكنيسة الكلدانية والكنيسة الآشورية هي كنائس ذات أغلبية قومية كلدانية وآشورية. وقد إحتضنت كنيسة المشرق اقواماً مختلفة: يهوداً من بقايا السَبي، وكلداناً وآشوريين وعرباً (كما في إمارة الحيرة والخليج) وفرساً وأتراكاً وأفغاناً وهنوداً وصينيين.
المذاهب المسيحية هي ثلاثة: الكاثوليكي والارثوذكسي والبروتستانتي
عقيدة الكنيسة الكلدانية هي كاثوليكية وحَبرها الأعظم هو البابا، ورئيسها ذو الحق الخاص هو البطريرك، بينما مذهب الكنيسة الآشورية العقائدي ارثوذكسي (نسطوري؟)، كما يقول المطران الراحل نرساي دي باز (طالع النص في نهاية المقال). ورئيسها الأعلى هو البطريرك. في السنوات الأخيرة تبنّى بطريركهم لقب القداسة في حين كان على مرَ التاريخ يحمل لقب الغبطة ܛܘܒܬܢܘܬܐ.
كان الآشوريون والكلدان خلال أكثر من خمسة عشر قرناً ونصف كنيسة واحدة تسمى “كنيسة المشرق- ܥܕܬܐ ܕܡܕܢܚܐ”، وسميت أحياناً بالكنيسة النسطورية. في عام 1552 إنقسمت الى كنيستين، حين اتحدت جماعة منها بالكنيسة الكاثوليكية وتبنت رويداً رويداً التسمية الرسمية المعروفة اليوم بـ “الكنيسة الكلدانية”، بينما استمر القسم الآخر في المحافظة على التسمية التاريخية “كنيسة المشرق” مع اضافة صفة النسطورية احياناً. وعند عودة خلفاء سولاقا الكاثوليكي الى كنيسة المشرق اُطلقت عليهم تسمية: الكلدان النساطرة، واحتفظوا بالختم البطريركي الكلداني
صورة الختم البطريركي الكلداني
أتذكَّر ان الكنيسة الآشورية التي كانت موجودة في الدواسة / الموصل كانت تحمل على واجهتها عنوان “الكنيسة الشرقية النسطورية”.
بقدوم قداسة البطريرك الراحل مار دنحا الرابع (1975 – 2015) حصل تطور لافت، كما أوضحتُ في كتابي سِيَر بطاركة كنيسة المشرق والكنيسة الكلدانية (ط2 2023)، حيث تبنّى قداسته والسينودس رسمياً عام 1976 التسمية: كنيسة المشرق الآشورية.
ثمة رسالة رسمية مؤرَّخة بـ 30 أيار 1994 وموقَّعة من سيادة مطران بيروت آنذاك مار نرسي دي باز يطلب فيها من الحكومة اللبنانية استبدال اسم الطائفة من الشرقية النسطورية الى الطائفة الشرقية الآشورية الارثوذكسية (طالع النص في نهاية المقال).
تسميات حديثة من أجل التوحيد
- “كلدو آشوري Assyro Chaldéens Assyro-Chaldeans” هي تسمية حديثة تستخدم لوصف المسيحيين الكلدان والآشوريين والسريان كاُمّة واحدة من أجل الحصول على الحقوق القومية والسياسية.
أول من استخدم هذا التعبير هو المطران ادي شير الذي استشهد على يد العثمانيين عام 1915. استخدم مصطلح كلدو و آشور بسبب التراث الفكري والديني المشترك، وقد قام بنشر جزء مهم منه، ثم استعمل هذا المصطلح بعض المستشرقين الأجانب الذين نشروا هذا التراث الغني، واذكر على سبيل المثال المؤرخ الفرنسي الاب جان فيي الدومنيكي (1914 – 1995).
يروّج بعض المتعصبين وجود رسالة من البطريركين الراحلين مار يوسف عمانوئيل الثاني للكلدان (1900 -1947) ومار افرام الأول برصوم (1933 – 1957) للسريان الأرثوذكس تقبل هذه التسمية، موجّهة الى مؤتمر لوزان (سويسرا) وفرساي (فرنسا) عارٍ عن الصحة. ان كتاب سيرة الرمز الآشوري الكبير السيدة سرما خانم عمة البطريرك الراحل مار ايشاي شمعون لا يذكر ذلك. وان البطريرك مار افرام برصوم حرّم الناشط فريد نزهة الذي ادَّعى الآشورية!
من يروّج كذا معلومة ليقم بنشرها ليُطلع عليها الناس! وأيضاً الجنرال آغا بطرس الاشوري القومية والكاثوليكي المذهب روَّج التسمية من اجل لملمة الصف والحصول على وطن آشوري.
في فرنسا استعملها الخوري فرنسيس اليشوران (توفي 1987) برفع الواو” كلدو اشور” لتسهيل قبول المهاجرين الاتراك في فرنسا عام 1980 وبعده. ولا يزال قسمٌ منهم يستعملونها، لكن الغالبية العظمى متمسكة بالتسمية الكلدانية.
اليوم يدعم هذه التسمية القومية في فرنسا الكاتب جوزيف يعقوب في مدينة ليون والسيد افرام يلدز في اسبانيا.
لدى تشكيل الحكومة العراقية عام 2005 اتفق البطريرك الراحل مار عمانوئيل الثالث دلي والحركة الديمقراطية الآشورية على تبنّي التسمية “كلدو اشوري“، لكنها سرعان ما اُهمِلَت في نفس العام.
- الكلدان السريان الاشوريون. تسمية مركبة مستهجَنة. روِّج لها لاسباب سياسية وزير المالية السابق لاقليم كردستان، السيد سركيس اغاجان. وصرف عليها ملايين الدولارات وعلى الكنائس لكسبها، لو صرفها من أجل تطوير بلداتنا لأصبحت “جنة”!
الكلدان شعب أصيل الى جانب الشعب الاشوري والسرياني والعربي والكوردي… ولا يحق لأحد ان يلغيهم. لهم تراثهم العمراني والثقافي والديني. اليوم توجد مجموعة من الأشخاص في الناصرية يعلنون ان قوميتهم كلدانية، لكن دينهم الاسلام ومذهبهم شيعي. وقد يزداد عددهم في المستقبل لان الديانة لا تلغي الهوية، وأن كل المسلمين ليسوا عرباً أتوا من شبه الجزيرة العربية.
نحن الكلدان منفتحون على الوحدة، وقد قدمتُ اكثر من مبادرة، لكن الطرف الآخر لم يتجاوب معها. نحن نحترم من يُسميّ نفسه آشورياً أو سريانياً، وبالمقابل نطالبهم باحترام شعورنا القومي. متى ما تم الاتفاق على تسمية مشتركة سنتبناها، اذا وافق الآخرون على تطبيقها.