ذكريات عن بعض الكرادلة:
بحثا عن ملامح البابا العتيد: على ضوء الحقب البابوية السابقة
المونسنيور نويل فرمان السناطي
هذه مجرد محاولة استقراء شخصي، تستوحي المقارنة، مهما كانت نسبية، بين اختيار البابوات منذ الستينيات، والكرادلة الذين تعرضهم الصحافة العالمية وفق تركيز وسائل الاعلام العالمي والمناطقي على أسمائهم، ومنهم من توفر أن التقيتهم في مشواري.
حوار افتراضي مع القلم الرقمي: …ويحاصرني زميلي القلم الرقمي في زاوية ضيقة.. وانا أصدّه بالقول: دعنا ومهنة المتاعب! ليلحّ مؤكدا: اكتب عما تعرفه عبر عمرك الصحفي في مجلة الفكر المسيحي في ظل الزميل والمعلم الدومنيكي الأب (المطران) يوسف توما. ليردّ القلم: إن لم تكتب الآن، أنّ لك ان تكتب! وهل يتقاعد القلم…؟ في الاقل قارن بين الكرادلة الذين عرفتهم ممن لا يتجاوز عددهم أصابع اليد: اوردو الهنغاري، بارولين الايطالي، تاغلي الفيلبيني، افلين الفرنسي، الكاردينال الاسباني ريستوبل لوبيز روميرو ولويس ساكو الكلداني العراقي، ضمن الكرادلة الفاعلين كناخبين ومُنتخَبين محتمَلين، ويظهرهم الاعلام ضمن عشرة أو اكثر من الملفتين للنظر.
1- بعد الخلـّف أيَ سلف؟ مقارنة مع الواقع المماثل لعقود خلت
خط الانفتاح
البابا القديس يوحنا 23 (للحقبة البابوية 1958-1963)
ترصد المؤشرات، إن كل حقبة بابوية يتم تهيأتها ضمن اختيارات الكرادلة الفاعلين، وليس الشيوخ المُكرَّمين بعد مسيرة كهنوتية واسقفية حافلة ومجزية. فالبابا الأسبق القديس يوحنا الثالث والعشرون، بطريرك البندقية المسنّ ولحقبة بابوية قصيرة نسبيا (ت1/ اكتوبر 1958 – ايلول/ يونيو 1963) كان قد حضر كونكلاف الانتخاب، بحقيبة خفيفة، وكأنه عابر سبيل. لكنه بعد انتخابه سرعان ما فتح الشبابيك لما سمّاه بالتيار النقي للانفتاح، وذلك بمبادرته إلى انطلاق المجمع الفاتيكاني الثاني (11 تشرين الاول 1962). وقُبيل رحيله كان كاتب السطور بعمر 10 سنين محلقا مع الراحل الوالد الذي كانت اذناه ملتصقتين براديو ال (بي بي سي) ليصدي لنا عن الكلمات الاخيرة للبابا القديس وهو يعبّر عن تسليم ذاته إلى العناية الربانية.
البابا القديس بولس السادس (1963-1978)
هكذا من تشكيلة الانفتاح خلَف يوحنا 23 البابا (القديس ايضا) بولس السادس، الذي اختتم ذلك المجمع الفاتيكاني في 8 كانون الاول 1965. ومن جهته بادر إلى فتح ابواب الفاتيكان التي كان البابوات لأسباب كنسية وسياسية متشابكة، قد احتبسوا خلفها، ليقوم بأول زيارة حبرية منذ قرون إلى الاراضي المقدسة، ولينفتح على مخاطبة المحافل الدولية.
وقد تهيأ لي بنعمة الرب فيما بعد، وأن شاهدت اطلالته من شرفة مقرّه الصيفي في كاستيل غاندولفو (صيف 1977) إذ كنت شماسا مع عدد من كهنة المدرسة الكهنوتية، لحركة الفوكولاري التي أسستها المكرّمة كيارا لوبيك، (ٍScuola Sacerdotale- Frascati, Italia). هذه المدرسة الكهنوتية كان قد اقترحها عليّ الاسقف الراحل مار اسطيفان كجو أن امضي العطلة الصيفية فيها، ابان دراستي في الخارج. وكانت تلك بلدة فراسكاتي بضواحي روما على مقربة 10 كيلومترات من كاستل غاندولفو. من تلك الشرفة انبأنا البابا بولس السادس أنه يعيش اشهره الاخيرة. وهكذا أخذ الله امانته في صيف السنة اللاحقة 1978.
البابا المبتسم يوحنا – بولس الاول (26 آب – 28 أيلول 1978)
واستمرت إيحاءات المجمع الفاتيكاني، فانتخب البابا الايطالي بجنسية اسلافه العديدين، والذي قال: انه سيجمع رمزيا الاسمين لسلفيه، ليحمل في مبادرة سبّاقة من نوعها، الاسم المركب (يوحنا- بولس الاول) بهدف ان يكمل مشوارهما في تلك مسيرة التجدد المجمعي. لكنْ توفي الذي وصفوه بالبابا المبتسم، بعد حبرية قصيرة جدا دامت أيامها بعدد السنوات الارضية للمسيح الفادي 33 يوما (26 آب اغسطس – 28 أيلول سبتمبر 1978) في ظروف نعتوها، والعهدة على القائل، بالغامضة.
البابا البولوني القديس يوحنا- بولس الثاني (1978-2005)
ووصاية الكاردينال راتسينغر خلال السنوات الاخيرة للشيخوخة
بعد البابا المبتسم يوحنا بولس الاول، انتخب كونكلاف الكرادلة البابا الشاب (56 عاما) من اصل بولوني الذي تعهد هو ايضا ان يسير في أثر سلفه بدليل انه حمل أيضا اسمه المركب يوحنا – بولس الثاني. وقد وصفوه في احد كتب سيرته، برياضي الله، بما في ذلك انه كان رياضيا في بنيته الجسمانية. ولتأكيد الخبر، سرعان ما اقام حوض سباحة في مقره الصيفي. وكنا طلابا في مدينة تور الفرنسية، عندما ظهرت في اليوم التالي، الجريدة الساخرة (Le canard enchaîné) “الكناري المقيّد” والتي لا يعجبها العجب في الخط المسيحي وطالعتنا بعنوان مانشيت مع كاريكاتير متندّر: هليلويا لقد غطس البابا.
وتصادف أنه بعد سنوات في باريس، خلال لقاء للبابا في صيف 1997 اظهر شاعريته مع خفة الظل، إذ قال في ختام خطابه امام ثلاث ارباع المليون من المشاركين بأيام الشباب العالمية (JMJ: Journées Mondiales de la Jeunesse) بضمنهم وفد شبابي كبير من العراق من اكليروس وعلمانيين. إذ قال في “شان دو مارس” (حقل مارس) تحت ظِلال برج ايفيل: ما أذكى المهندس الذي صمم برج ايفيل (تور إيفيل) إنظروا جمال هذا المنظر.. وقبل المغادرة، ودّع المشاركين في مهرجان ايام الشباب العالمي قائلا: نراكم في قداس نهار غد، ناموا نوما جيدا.
استغرقت حبرية البابا يوحنا بولس الثاني، كأطول حقبة في الازمنة المعاصرة (27 سنة). على انه خلال السنوات الاخيرة من شيخوخته، كانت الامور بيد الكاردينال الالماني راتسينغر صاحب التصريحات اللاهوتية المحذرة والتحقيقات شبه الصارمة مع اللاهوتيين مثل اليسوعي الفرنسي جاك دوبوي عن كتابه: نحو لاهوت مسيحي للتعدد الديني Verso una teologia cristiana del pluralismo religioso وكان له مواقف جدالية حول الخط الفكري التقدّمي عند اللاهوتي السويسري هانز كونغ، وكذلك وضع الحظر على كـُتّاب تقدميين في آسيا. وكان ايضا الشخص الفعلي الذي يدير دفة الامور بقبضة حازمة. وبالتالي يكون قد آُثـّر، بنحو أو بآخر، على نوع التشكيلة الكاردينالية المزمعة ان تنتخب البابا اللاحق، ولربما كان ذلك ضمن الأسباب المحفزة على انتخابه، إلى جانب عمقه الفكري واللاهوتي.
الخط المحافظ
الكاردينال راتسينغر: البابا بندكتوس السادس عشر (2005- 2013)
بعد انتخابه بمدة قصيرة، سرعان ما أظهر الكاردينال الالماني الحازم راتسينغر تحت اسم البابا بندكتوس، مواقف تجاه ديانات غير مسيحية. كان ذلك في معرض محاضرة له في 12 ايلول 2006، بجامعة راتسيبون الالمانية؛ وكانت بعنوان “الجوانب الجامعة بين كل من الايمان والعقل”. وهنا ظهر البابا على الملا متصديا للحوافر الدينية التي تحرّض على العنف، مما اثار موجات السخط والحقد لدى الجهات ذات الصلة التي وجدت نفسها مستهدفة ومعنية بهذا الوصف. فاستعادوا في الانتقادات الاسطوانة المعروفة عن أزمة الحروب الصليبية. ولم تمض بضع سنوات حتى اصبح بندكتوس البابا الاطول عمرا في العصور الحديثة. عندئذ آثر الاستقالة، ولسان حاله يقول: ما نعطيها لكاردينال مدبر للكرسي الرسولي، فيعيد رسم ملامح الكنيسة في ظل شيخوختي البابوية، فليكن الأمر بعهدة بابا آخر من بعدي..
وثبة انفتاحية متفردة
ولعله كان ثمة استعداد متحفز للكرادلة في انتخاب البابا فرنسيس ذي الاصل الارجنتيني، والقريب بنوع اعتدال من لاهوت التحرير. وقد صدرت عنه اجابات لعلها كانت تأتي بمثابة جس النبض تجاه اتجاهات اجتماعية معاصرة: عندما أجاب: “من أنا حتى أدين الآخر” وفي النحو عينه، جاء سماحه بالصلاة على ثنائيين من الجنس الواحد: وهذا أثارالضحة، في الاوساط الكاثوليكية، كما في اوساط ارثوذكسية بمصر وغيرها.
هكذا جاء التعبير عن تقدميته، بخطاب غالبا ما كان يحتاج فيما بعد إلى التوضيح الرسمي من الفاتيكان ومن جهات اخرى من الكنيسة الجامعة، بأن “سماح الصلاة على المثليين غير المقصود به، بركة زواج” وحاشا ان يكون ذلك، كما أكده البابا الراحل فيما بعد، بل تهدف إلى الرحمة والصلاة طلبا لاهتدائهم..
إلى جانب هذا كان البابا فرنسيس من محبّي البحث عن التعايش والسلام والحوار مع الديانات الاخرى، ووقع معهم وثيقة عيش مشترك، اشارت اليها في نعيه رئاسات غير مسيحية. ولكن اتباع من تلك الجهات عينها، نأت بنفسها عن الترحم عليه. بل نقل الاعلام التشفـّي بوفاته من لدن اصوليين راديكاليين ممن هم اقرب ما يكونوا إلى الداعشيين.
- ذكريات واستقراءات حالية
أظهرت المساحات الاعلامية بحسب رقعتها الجغرافية عددا من الكرادلة الـ 135من أصول ايطالية أو غير إيطالية، من دون سن الثمانين، فيكون لهم حق الانتخاب، ويمكن اختيار أيّا منهم خليفة للقديس بطرس هامة الرسل. وهذه نقاط مقتضبة بشأن عدد من الذين أبرزتهم بطريقة أو بأخرى الوسائل الاعلامية – السوشيال ميديا، عالميا او مناطقيا. أشير إليهم بدون تسلسل مقصود بل على وفق سياق الحديث.
الكاردينال الغيني روبرت ساره (80 عاما):
أبدأ بالإشارة إلى الكاردينال الأفريقي الغيني (مواليد 1945) المعروف بمحافظته لأنه يذكـّرنا بالبابا المتقاعد الذي عبّر عن اعتزازه به.
وسرعان ما خرج مار بندكتوس بجلبابه المعروف كلاهوتي كبير حامي العقيدة وبنبرته الخاصة. وبين عدم القدرة على الاستمرار في البابوية بسن 92 سنة، إضافة إلى بعض المشاكل الادارية من بعض مساعديه، استطاع مار بندكتوس أي يؤلف بعد برهة من الزمن على انسحابه (2013)، وبالمشاركة مع الكاردينال روبرت ساره كتاب (Des profondeurs de nos cœurs) من أعماق قلوبنا. ليطرح مع الكاردينال ما تعانيه الكنيسة التي غادر لتوّه سدّتها البابوية، ليطرح جدالات حول الجوانب الكهنوتية والعزوبية، جاءت بهذه الكلمات: في اساس الواقع الجسيم الذي يعيشه كهنوت اليوم، يوجد خلل منهجي في تلقـّي الكتاب المقدس ككلمة من الله.
كما دبّج مقدمة لكتاب تأمل معمّق بعنوان “قوة الصمت” 2017 (LA FORCE DU SILENCE) للكاردينال ساره، الذي نشر في سياق أحاديث مع الكاتب العلماني نيكولا ديات. وقد ترجم الكتاب إلى 15 لغة. وكانت عائلة فرنسية قد اهدتني النسخة الفرنسية سنة 2018، واذا بي خلال زيارة للاب العلامة الراحل البير أبونا اجده مترجما في السنة عينها 2017، ضمن منشورات إيبارشية اربيل الكلدانية. يا لها من مواكبة تأوينيه مذهلة من لدن معلمنا الأب ألبير!
عُرف الكاردينال ساره ضمن لائحة المرشحين الأكثر محافظة: على انه في لقاءاته الفيديوية الاخيرة، يظهر كفي حملة تعبوية انتخابية، بخطاب وجد فيه الاعتدال، ولعله ليس بما عرف عنه من مغالاة في المحافظة، إذا اقتصر الامر على ما نسب إليه من كلمات، بطريقة النسخ واللصق، بدون مرجعية توثيقية.
الكاردينال الكونغولي فريدولين امبونغو بيسونغو (65 عاما):
ومع ظهور اصوات مطالبة باول بابا افريقي، ظهر ايضا اسم الكاردينال فريدولين ابونغو بيزونغو من كونغو كينتشاسا، وله مواقف سعي نحو السلام في الحرب الدائرة بمنطقته الافريقية، وكان من المستشارين التسعة للبابا فرنسيس.
الكاردينال الفرنسي جان مارك افيلين (66 عاما):
فرنسي من مواليد الجزائر، يدعو إلى الحوار بين الأديان والحضارات، يعزز ذلك بكونه من الفرنسيين من اصل جزائري، وكونه مطران مارسيليا التي يتندّر الكثيرون بوصفها مدينة جزائرية في فرنسا. وهو يوصف ايضا باللاهوتي مع مسحة انفتاح متوازن. غير انه لفت انتباهي بظهوره على الفيسبوك، بجاذبية لفتت انتباه سيدات كاهلات ممن كنّ قد تبنّين من قبل صورته على بروفايل صفحاتهن. وجدير بالذكر أنه نال اكثر من حظوة من لدن البابا الراحل، وكان مستشاره في الشؤون الدينية وعضوا في الدائرة الفاتيكانية للاساقفة. ولعله ايضا جاء ظهوره ضمن قائمة مصغرة للكرادلة تحت نفوذ الماكنة الاعلامية الفرنسية، ورغبتها في الترويج لشخصية فرنسية. ويبقى الأمر لا يؤثر على اي استحقاقية محتملة لهذا الكاردينال.
الكاردينال الايطالي بيترو بارولين (70 عاما):
مستشار البابا فرنسيس لسنوات والرجل الثاني في الفاتيكان. ولا بد وانه آخذ الكثير منه لما يعزز عنده صوت الاعتدال والخبرة الدبلوماسية، والدعوة للسلام من خلال التفاهم لا الاكراه. وكانت له زيارة متواضعة إلى اوكرانيا في ظل الحرب الشرسة التي شنتها عليها روسيا فلاديمير بوتين. وقد زار العراق للمدة 24 -28 كانون الاول 2018، يذكر انها كانت ايضا لتهيئة زيارة البابا التاريخية إلى العراق بلاد أور وما بين النهرين. وله قداس مشترك مع الكاردينال لويس ساكو عشية عيد الميلاد، كانت لي بركة المشاركة في ذلك القداس خلال سنتي السبتية من (2018 – 2019) حين خدمت في اعلام البطريركية. كما توفر ان احيي نيافته خلال الزيارة إلى ادمنتون التي قام بها بابا السلام والمصالحة مع السكان الاصليين الراحل الكبير مار فرنسيس (تموز 2022) كان ذلك قبيل قداس البابا في ساحة ستاد الكومنولث، وقد سألني الكاردينال بارولين عن الكنيسة الكلدانية وعن الكاردينال ساكو.
الكاردينال الهنغاري بيتر اوردو (72 عاما):
برعايته، تم مؤتمر للصحافيين بعنوان: “الاسبوع الدراسي الاوربي” شاركت فيه بالعاصمة الهنغارية بودابيست، ممثلا لمجلة الفكر المسيحي وعضوا في الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة (UCIP) وذلك في مطلع الالفية الثالثة. وقد حدثني بفرنسية انسيابية، وتبين انه يجيد 8 لغات، ومتخصص بالحق القانوني ويجمع بين المحافظة وبين ما نسب إليه من اعتدال يتماهي مع انفتاح البابا الراحل. لفت الكاردينال اوردو (79 سنة) الانتباه بصمت يكاد يلامس الانطواء. على أنه يخرج منه عند الحاجة، إذ تحدّث بقوة وثبات في موقف مناوئ للبابا بشأن تشجيع الهجرة، محذّرا ألا يؤول الامر الى المتاجرة البشرية. ويجدر بالذكر ان اسمه عُرض ايضا في تصويتات كونكلاف 2013 التي تمخضت عن انتخاب البابا فرنسيس. وفي المرفق صورة كنت التقطتها باعتزاز لنهر الدانوب يقسم العاصمة بودابست إلى ما يقارن بالكرخ (بودا) والرصافة (بيست) مع انعكاسة نصفية لمبنى المجلس الوطني على النهر. ولمناسبة منح رتبة الكاردينالية لمار لويس ساكو في 28 حزيران 2018، كنت التقيت ايضا المطران اوردو، في قاعة استقبال بالفاتيكان، وهو يتسربل عنفوان الحلة الاسقفية.
الكاردينال الفيلبيني لويس انطونيو تاغلي (67):
تعرفت عليه إذ حضر مؤتمر سيدة الجبل في لبنان عن منظمة الكاريتاس العالمية، بصفته رئيسها. وحضره الكاردينال لويس ساكو، وكنت قد رافقت نيافته كسكرتير إعلامي. الكاردينال تاغلي وصف بما يتوسمون فيه من ملامح البابا فرنسيس على الطريقة الاسيوية… وهو مرح بشوش. ومما أذكر أنه تأخر في الصعود الى الباص، منشغلا بحديث جانبي خارج الباص. وإذ اظهر زميله في الكاردينالية مار لويس ساكو الامتعاض بشأن تأخرّه، وركاب الباص بانتظاره، تميز بثقافة الاعتذار. وقد سجلت له مقطعا فيدويا، تحدث فيه بالانكليزية والفرنسية إلى جانب لغة التغالوغ الفيلبينية، متوجها إلى جماعة ايل شدّاي (وصف بالعبري عن الله القادر على كل شيء) التي تقوم بطقوسها في رعيتي الفرنسية سانت فاميي- العائلة المقدسة في كالكري. في انطباع شخصي متواضع، أرى بان الرجل، نظرا لسنه المبكر نسبيا، سوف يتسع له الوقت ان يكون ضمن كونلاف لاحق. فلعله، يكتسب لذلك الزمن المزيد مما في بالي.
الكاردينال كريستوبل لوبيز روميرو، مطران الرباط (73 سنة)
وفي مؤتمر الكاريتاس عينه بلبنان، كان التعرف على المطران الاسباني كريستوبل لوبيز روميرو رئيس أساقفة الرباط، مع قداس مشترك في دير سيدة الجبل، وقد علمت انه ذكرني فيما بعد مع سيادة المطران باسيليوس المعاون البطريركي للكلدان، بشأن ترتيلي للانجيل، بوصف ايطالي ذي صلة (dolce voce). وفي ختام السنة السبتية، في طريق العودة إلى كندا، مرورا بالمغرب (حزيران 2019) لزيارة عدد من الاصدقاء القدامى، زميل الدراسة، د. عبد الكريم أحمد العزي، مدير مركز دراسات، وأمل محمد مدّون، مدير وصاحب شركة أسفار أفريقيا. وكان الصديق أمل أخبرني أنه أمه البلجيكية بقيت في القلب تحفتظ بجذورها الروحية. وفي هذا الشأن، ارسل إليها المطران كريستوبل من خلالي، ايقونة زيارة البابا الى الرباط، مع سبحة وردية، بقيت معها حتى رحيلها في زمن الكوفيد. وعلى طلب ابنها أمل، كنت قد أقمت، عن روحها القداس بنقل مباشر عبر الواتساب، ليبثه بدوره إلى بيت خواله في بلجيكا. وفي نهاية القداس، صلى أمل أمامي صلاة السلام الملائكي، بالفرنسية، والتي على ما يبدو كان قد تعلمها من والدته الراحلة. وخلال اللقاء ذكر لي المطران كريستوبل ان ثمة تقدما ملحوظا في الانفتاح المغربي، على عهد الملك محمد السادس، حيث، في سابقة أولى يتم زواج مختلط بين مسلمة وغير مسلم، بدون فرض الاسلام على غير المسلم، بعد معاناة طويلة في هذا الشأن بين المغربيات المتزوجات من اوربيين. وكنت قد علمت من اطراف مغربية أخرى، عن انفصال زواجات، من هذا النوع، وبطلب الطرف غير المسلم، لمجرد مبدأ الشفافية مع الذات، مع بقاء تواصل التعاون والتفاهم العائلي. إزاء هذا، وصف الاعلام الحالي، المطران كريسوتوبل الذي تلقى رتبة الكاردينالية في تشرين أول اوكتوبر 2019 ، كشخصية يُعوّل عليها لبناء جسور التفاهم بين الحضارات والديانات.
الكاردينال الكلداني العراقي، لويس ساكو (76 عاما)
من الناحية العمرية، ينضم إلى الكرادلة الناخبين الـ 135، ومثل أي منهم يمكن انتخابه. وهو يؤكد على ضرورة الخطاب الإيجابي تجاه الاسلام، والحوار مع ممثليه باللغة المناسبة. وقد أصدت لمشاركة الكاردينال ساكو، اوساط اعلامية في الخليج والشرق الاوسط، مع اصوات خافتة من لدن الاعلام اللبناني، بحسب ما تمكنت من ملاحظة. وعسى أن الاعلام اللبناني لا يقتصر تسويقه الإعلامي، بنحو خاص على من في الساحة اللبنانية، لا سيما وأن الكاردينال بشارة الراعي في عمر تعدّى سن المشاركة الفعلية. وإذ نحن في الموسم الطقسي للقيامة بما تشيعه من رجاء إيماني، اود الاشارة إلى الصورة مع نيافته خلال لقاء مع العاهل البلجيكي الملك فيليب، حيث رتلت بدعوة من مار لويس: ترتيلة المسيح قام من بين الأموات.
وبعد،
سادتي القراء، إن الاحتمالات المتنوعة قائمة، بشأن البابا العتيد، سواء من المذكورين أعلاه، أو غيرهم متأرجحة بين ردّ فعل قيام خط محافظ بنسب متفاوتة، كالذي حصل لدى خلافة البابا يوحنا بولس الثاني. او ان ثمة تشكيلة كاردينالية أعدّها البابا الراحل على نار هادئة لتكون امتدادا لانفتاحه، مع الإفادة والاعتبار من المد والجزر في تلك الحقبة الانفتاحية.