البطريرك ساكو في قداس عيد القيامة: شهادة التلاميذ الملموسة تهمنا جميعا
اعلام البطريركية
ترأس غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو قداس ليلة عيد القيامة مساء يوم السبت 19 نيسان 2025 في كاتدرائية مار يوسف ببغداد، وعاونه سيادة المطران باسيليوس يلدو، المعاون البطريركي والمونسنيور جارلس سونا القائم بأعمال السفارة الفاتيكانية والخوراسقف نضير دكو والأب مالك ملوس وحضره الاخوات الراهبات وبعض الشخصيات وجمع كبير من المؤمنين.
وفيما يلي موعظة غبطة البطريرك ساكو:
” لماذا تبحثن عنِ الحيّ بين الأموات؟” (لوقا 24/5)
اللحظة الأكثر أهميّة في حياة المسيحيين والكنيسة، هي قيامة المسيح. ولكي نفهم بشكل كامل حادثة القبر الفارغ، علينا ان نتأمل في نص إنجيل لوقا (24: 1-12) الذي هو صدى شهادة النسوة، ونص إنجيل يوحنا (20: 3-9) حيث يستند الى شهادة الرسول بطرس الأكثر دِقّة.
ينقل الإنجيلي لوقا بطريقة مباشرة، شهادة النسوة الثلاث:مريم المجدلية، وحِنَّة، ومريم أم يعقوب، باعتبارهن التلميذات اللواتي تبعن يسوع منذ البداية والى النهاية. هذا تأكيد على ان المرأة مبشرة برسالة المسيح كرفيقها الرجل. يقول لوقا، بينما كن يزرن القبر بعد صدمة الصلب، رأين شخصين يرتديان ملابس بيضاء، يُوجهان اليهن استفسارا غريبا: لماذا تطلبن الحي بين الأموات؟ ليس هو ههنا، لقد قام. اذكرن ما قاله لكنّ، وهو في الجليل. وعلى اثر شهادة النسوة، يهرع بطرس ويوحنا الى القبر. يوحنا يسبق بطرس وينظر من خلال باب القبر، ويرى أن الأمور هي بالفعل كما قالت النسوة، ولكن احترامًا لبطرس لم يدخل الى القبر، بل تركه يدخل هو أولاً ويتأكد من الحقيقة. فدخل بطرس وشاهد الكفن بينما الجسد غير موجود.
ثم كانت شهادة تلميذي عماوس بحسب انجيل لوقا، وهو نص طويل. اسم التلميذ الأول صريح “قليوفا” والثاني غير مذكور عمداً، لأن لوقا يريد ان يكون كل واحد منا هو الشاهد الثاني على قيامته. نص تلميذي عماوس، نص للتعليم المسيحي عن القيامة: شرح الكتب عما حدث له، الاحتفال بعشاء الرب ( الافخارستيا).
لا يوجد احد يفهم حقيقة ما حدث الا يسوع نفسه. وعندما لم يفهما ما حدث، شرع يسوع كمعلم يشرح لهما من خلال الكتاب المقدس، ثم يظهر لهما نفسه من خلال الافخارستيا، وعادا حالا الى اورشليم، الى بقية التلاميذ ليقولا لهم: انه حي. نحن أيضا مثل تلميذي عماس، عندما نقرأ الكتاب المقدس قراءة مصغية ومعمقة، ونحتفل بالافخارستيا، نعيش ليتورجيا القيامة.
أخيرا ظهوره لتلاميذه مجتمعين، وليس لبيلاطس ورؤساء الكهنة ليخزيهم. ظهوره لهم يمنحهم السلام “السلام معكم” وليس كتحية، انما كحالة السلام الدائم، والفرح بالحياة الجديدة التي هو يعيشها منذ الآن وصاعداً.
هذه الشهادة الملموسة – البشارة تهمنا جميعا.
الإيمان بقيامة المسيح هو ميزة المسيحية. يقول مار بولس: “إنْ كان المسيح لم يقم، فتبشيرنا باطل، وايمانكم باطل..” ( ا قورنثية 15/14). قيامته تفوق إدراكنا. القيامة تعني ان يسوع حيّ بمستوى آخر من الوجود. وهذا غير ممكن أن ندركه إلا بالأيمان. القيامة هي المحطة الأهم في حياة المسيح، وتلاميذه والمسيحيين. القيامة دعوة مستدامة لتنشئة جديدة، ومسيرة جديدة، تقلب جميع قواعد السلوك التي اعتدنا عليها. القيامة هي النور (الحب) الذي يوجِّه حياتنا. القيامة تجعلنا نكبر وتُرسِّخ علاقتنا به، وببعضنا البعض بمحبة وصدق وحماسة.
القيامة هي أساسُ رجائنا، لذا علينا أن ننظر إلى الحياة بمجملها ولا نقف عند محطة واحدة، بل أن ندرك أن القيامة في الحياة والحياة في القيامة. لندعو الروح القدس ليدخلنا في فرح القيامة، فنعيش بسعادة ونقبل المنا وشدائدنا كما قبلها يسوع. لنجدد رجاءنا في يوبيل الرجاء لهذا العام، وليكن طريقنا الى القيامة.
في هذه المرحلة الصعبة حيث النظام العالمي تغير، بسبب الحروب والنزاعات وتمدد الأيديولوجيات الكارثية، وحرب الرسوم الكمركية من اجل الربح، وكأن القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية أصبحت من الماضي، ادعو العراقيين الى قيامة وطنية من المخاوف والتبعثر إلى التآزر والوحدة، وتغليب المصلحة العامة على الخاصة، والقيام بمبادرات الانفراج بشجاعة. ما يحمينا هي الدولة القوية، الدولة الديمقراطية المدنيّة التي تحترم التنوع والتعددية، وتقيم صداقات متكافئة مع دول الجوار والمجتمع الدولي. ونحن المسيحيين جزء اصيل من النسيج التاريخي الاجتماعي والثقافي للعراق، لنمد يدنا الى كل مواطنينا ذوي الإرادة الطيبة من أجل بلدنا. لا يليق بنا إلاان نكون مبادرين وفعالين وليس اتكاليين.
عيد قيامة مبارك لكم ولعائلاتكم ولبلدنا، ولنسأل الله ان يمنح لنا وللعالم السلام والاستقرار والحياة الكريمة.