بول نوِيّا في مئويّته… يسوعيّ متبحِّر في التصوّف الإسلاميّ
دهوك، الأحد 16 مارس 2025
لم تكُن سنته الأولى في معهد مار يوحنّا الحبيب الكهنوتيّ في الموصل مبشِّرة، فقد دَخَل بولس بن عيسى نْوِيّا المعهد، قادماً من قريته الوادعة «إينشكي» قرب العماديّة في محافظة دهوك-إقليم كردستان العراق، وكان قد تجاوز العاشرة من عمره، ولا يجيد غير لغته الأمّ، السريانيّة الشرقيّة المحكيّة (السوْرَث).
نوى مدير المعهد الأب يوسف أومي إعادته إلى أهله بسبب ضعفه في اللغة العربيّة، لتُفاجأ الإدارة في السنة اللاحقة بتفوّقه، لا في العربيّة وحسب، بل في اللاتينيّة والفرنسيّة والآراميّة وسائر دروسه في المعهد.
عقب إتمامه دراسة اللاهوت والفلسفة عام 1947، رفض الرسامة ككاهن كلدانيّ لانجذابه إلى الدعوة الرهبانيّة، فاختار اليسوعيّة في بغداد، ثم قصد لبنان لينضمّ إلى جمعيّة الآباء اليسوعيّين، وفق ما شرح المطران حبيب هرمز راعي أبرشيّة البصرة الكلدانيّة في حديثه لـ«آسي مينا»، قائلًا: “لكنّه عاد لاحقاً إلى العراق وقَبِلَ الرسامة الكهنوتيّة حسب الليتورجيا الكلدانيّة”.
وأشار هرمز إلى التحاق نْوِيّا بكليّة الدراسات العليا في باريس، بعد إنهائه مدّة الابتداء القانونيّة، في الفترة من 1952-1954. ثمّ أكمل دراسته في جامعة السوربون باختصاص الإسلاميّات، بإشراف أستاذه المستشرِق الشهير لويس ماسينيون، ليصبح في ما بعد أستاذ المادّة في الجامعة عينها.
تنشيط الرهبنة الكلدانيّة
أوفدت روما نْوِيّا عام 1958 بصفة زائرٍ رسوليّ للرهبنة الأنطونيّة الهرمزديّة الكلدانيّة، بقصد تنشيطها وتجديدها، فعاد إلى العراق وأسّس في دير مار كوركيس بالموصل “المدرسة الرسوليّة” وضمّت 24 تلميذاً، من بينهم البطريرك الكلدانيّ الكاردينال لويس ساكو.
“اجتهد نْوِيّا في إصلاحاته مدّة أربعة أعوام، لكنّه اصطدم بعددٍ من الرهبان الذين لم يجد لديهم دعوة رهبانيّة حقيقيّة، فصرفهم. وعدم مقبوليّتها لدى مسؤولين عدّة في الكنيسة الكلدانيّة، أنهى مهمّته. فترك الرهبنة الكلدانيّة عائداً إلى رهبنته اليسوعيّة عام 1962″ بحسب هرمز.
باحثٌ في «التأويل القرآنيّ واللغة الصوفيّة»
انجذب هرمز إلى كتابات نوِيّا مذ كان طالباً جامعيّاً في الموصل، حين اقتنى كتابه “صوت المسيح” المترجم إلى العربيّة، أحد كتبه الستّة التي أنجزها إلى جانب أبحاثٍ ومقالاتٍ عدّة بالفرنسيّة، تُرجِم بعضها إلى العربيّة، صابّاً جلّ اهتمامه على تحقيق مخطوطات المتصوِّفين المسلمين، فأصدر: «الرسائل الصغرى لابن عبّاد الرنديّ”، “التأويل القرآنيّ واللغة الصوفيّة”، “مقتطفات من كتاب الحلّاج” وسواها.