ما سر ان الاطفال يرجعوننا كالاطفال؟
بقلم: ج. نوئيل فرمان السناطي
وُلِـد في أسرتنا طفل. وسرعان ما أنارنا بابتسامته كالضوء، وصار هو ايضا يقول امام كل مصباح وثريا: ضوء ضوء… متسائلين ان كان الضوء من الفانوس السحري ام من طلته النيّرة..
فأشرق علينا لويي (لويس) بصمته بإشاراته، وهو يسمع بالعينين والاذنين مصخيا إلى اصوات ضاحكة في جوانب الصالة، الى أغنية من قبيل الأغنية الفرنسية للأطفال (يا أخ جاك، هل انت نائم؟) : فرير جاك، دورمي فو؟ أو غيرها..
ومع الوقت مشى على قدميه، فإذا بالقدمين تلتحقان بسعي العينين والاذنين، لاكتشاف العالم أكثر فأكثر بنفسه إلى كل ما تطاله يديه، من تحف وملاعيب ومكائن أدوات مطبخ.
وفي الصالات الكبرى، يمشي وينظر إلى فوق متعجبا بكاتدرائية الفضاء من حوله. ينظر يمنة ويسرى وهو يتبختر في مشيته واثق الخطى.
نَنشدّ إلى حركاته، إلى ابتساماته، إلى بضع كلماته التي ينطقها بثقة ووقار، مموسقة بصوته الطفولي. وهو يعرف وقعها بدهاء مبطن.
ننتظر مجيئه لزيارتنا، وكأننا بانتظار الامير وهو أيضا على شاكلة “الأمير الصغير” في رائعة الأديب الفرنسي الطيار أنطوان دي سانت اكزوبيري، مواليد ليون سنة 1900 والمفقود في البحر الأبيض المتوسط في 31 تموز 1944.
ونحسب الدقائق في طريق توجه لويي نحونا، ولا يعوزه إلا موكب دراجات ملوكية مهلهلة لمقدم ولي الأمير.
وعندما يأتي يعرف انه المرحب به، وهو ايضا يتطلع إلى رؤيتنا، بابتسامة معبرة؛ يعرف في أحضان من يلقي بنفسه، ويعرف أمام من ينظر خجولا بخفر محبب..
تنطلق اساريرنا لكل ما يعمله، وكأنه يعود بنا إلى تاريخ اجدادنا في بين النهرين، ليخترع هو أيضا العجلة.
وهكذا يجعلنا اطفالا صغارَ مثله، في انتظاره، في مناغاته، في مشاكسته، في عناقه أو في الجري معه، وهو يلعب معنا لعبة الاختفاء في دولاب الملابس، او تحت تضاريس طاولة الطعام. نستمتع بالطفولة برفقته. وهو يعرف بذاته، انه عريف الحفل في معظم حالاته، رباه.. أشياؤه الصغرى.. كم تحيّرنا… (كما نجاة الصغيرة لنزار: ماذا أقول له..)
معه نستذكر سعادة الام مريم الطوباوية، أمام الطفل المخلص يسوع.. ذلك الطفل القدسي، الذي ككل الأطفال كان يترعرع أمامها وامام القديس يوسف؛ إذ “كان الصبي ينمو ويتقوّى مملوءًا من الحكمة والنعمة” (لوقا 2: 52).
ولنا أن نتصور ابتساماتهما وضحكاتهما أمام قفشاته الطفولية البريئة، المختلفة عن الوجوم الذي نراه في بعض صور التقويات..
طوبى له، فمعه نعيش الملكوت، ومعه نتذوق طعم كلمات الرب يسوع المسيح (مت 18: 3): الحق أقول لكم: إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السماوات .