“ما احلى الرجوع اليه”
نزار قباني في 1974
يفكر السيد المسيح بالعودة الى مسقط رأسه في بيت لحم .. ولكنه يتذكر فجأة أن مدة جواز سفره قد انتهت .. وان السلطات اليهودية وضعت إسمه على قائمة الممنوعين من دخول فلسطين .. وفرضت على أمه الإقامة الجبرية .. فيبحث عن شقة خالية في بيروت تتناسب مع مكانته التاريخية .. يأخذه السماسرة الى عمارات الرملة البيضاء وشارع فردان .. يطلبون منه إكراما لعينيه، وتقديراً لسمعته العالمية، 25 الف بدل إيجار سنوي .. يجيبهم أنه قد عرف الصلب مرة واحدة ولا يريد أن يصلب مرة اخرى …
يشعر السيد المسيح.. بالجوع.. والتعب.. والخيبة.. فيتسلل إلى حديقة الصنائع.. وينام… يرى في أحلامه جبال الجليل، وبحيرة طبريا، ونهر الأردن.. ويتذكر المغارة التي ولد فيها في بيت لحم، وفراش القش الذي نام عليه، يتذكر الأرض الطيبة، والخراف البيضاء، وأشجار البرتقال والزيتون .. رائحة أمه.. يجئ حارس الحديقة مع الفجر ويطلب منه مغادرة المكان، لأن أنظمة البلدية تمنع النوم في الحدائق العامة.. يحمل السيد المسيح جوعه، وتعبه، وخيبة آماله.. ويمشي باتجاه البحر..
البواخر تفرغ حمولتها… ألوف الصناديق تتكوم على رصيف المرفأ حاملة بضائع عيد الميلاد من أشجار، وألعاب، وثياب، ومشروبات، و ديوك حبش…
كل الصناديق مستوردة بإسمه.. ولكنه لا يملك واحدا منها…
كل أشجار السرو والصنوبر تضاء بإسمه.. ولكنه لا يستريح تحت واحدة منها…
كل ديوك الحبش … تذبح على إسمه .. وتحشى باللوز والزبيب على إسمه .. ولا يستطيع أن يأكل قطعة منها…
أيها المسيح العظيم
إني اعتذر لك، باسم بيروت، وبإسم كل العواصم التي تأكل على حسابك، وتشرب على حسابك، وتسهر وترقص على حسابك…
أيها المسيح العظيم
إنني أدعوك الى منزلي، فهل تقبل دعوتي إلى العشاء.
الإمضاء: نزار قباني
مجلة الأسبوع العربي 7\1\1974