تأملات البطريرك ساكو في آحاد البشارة – سوبارا
الأحد الأول (لوقا1/ 1-15) ثاوفيلس الذي أحبّه الله، وزكريا الذي ذكره الله، وماذا عنّا؟
المسيحيون في آحاد البشارة الأربعة مدعوون، الى ان يكتشفوا اسبوعاً بعد أخر، صلابة إيمانهم ورجائهم. هذه النصوص المؤثرة التي تُقرأ في هذه الآحاد هي نور ورحمة وفرح. إنها تعدُّنا لاستقبال بشرى المسيح، وقد تزامنت مع افتتاح سنة اليوبيل 24 كانون الأول 2024 التي أعلنها قداسة البابا فرنسيس للتوبة والأمل في تحقيق السلام للعالم. هذه النصوص بالرغم من أنه قد مضى عليها نحو الفي سنة، إلا أنها لا تزال تحتفظ الى اليوم بقوة معانيها الكاملة لكلٍّ منا وللكنيسة.
1. الشريف ثاوفيلس
تساعدنا الكلمات الأولى التي يَفتتح بها لوقا انجيلَه على فهم الهدف من كتابته: “لَمَّا أَن أَخذَ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ يُدَوِّنونَ رِوايةِ الأُمورِ الَّتي تَمَّت عِندنَا، كما نَقَلَها إلَينا الَّذينَ كانوا مُنذُ البَدءِ شُهودَ عِيانٍ لِلكَلِمَة، ثُمَّ صاروا عامِلينَ لها [مبشرين]، رَأَيتُ أَنا أَيضاً، وقَد تقَصَّيتُها جَميعاً مِن أُصولِها، أَن أَكتُبَها لَكَ مُرَتَّبَةً يا ثاوفيلُسُ المُكرَّم، لِتَتَيَقَّنَ صِحَّةَ ما تَلَقَّيتَ مِن تَعليم” (لوقا 1/ 1-4).
هذه الاحداث ليست خرافة انما حقيقة وعقلانيّ’ من مستوى آخر، نقلها خدام الكلمة الاولون مثل الانجيلي لوقا في هذه المقدمة وكذلك في مقدمة سِفر أعمال الرسل (1/ 1-5) والرسالة الأولى ليوحنا (1/ 1-4).
من الواضح ان لوقا يُشير الى كلِّ إنسانة وانسان منّا أحبّهم الله عبر ثاوفيلس الذي يعني أحبّه الله. فما علينا سوى ان نتعرف على كلمات يسوع وحركاته وافعاله، ونختبر في تفاصيل الحياة، صلابة التعليم المسيحي الذي تلقيناه.
يُظهر لوقا ان مشروع الله “المخلِّص” بدأ بدخول يسوع في تاريخ البشرية. وبمقدور ثاوفيلس وأي قارئ ان يطّلع على ملء سرّ يسوع الذي يرسم لوقا ملامحه من خلال استعراض خدمته وتعليمه في الجليل، وفي أورشليم ومدن أخرى، وموته وقيامته.
لا يدّعي لوقا ترتيباً زمنياً دقيقاً لحركات وكلمات يسوع ورُسله، كما يفعل المراسل الصحفي اليوم، إنما كل ما يهدف إلىه هو تغذية الإيمان عند المؤمنين، وترسيخ الرجاء والوحدة والفرح. هذه هي الرسالة التي يرغب لوقا، ان تنقلها اليوم الكنيسة في تبشيرها وليتورجيتها.
من البداية يدعو لوقا ثاوفيلس (ومعه نحن) الى أن يختبر فرح البشارة من خلال قراءة إنجيله، مؤكداً انه بالرغم من الاضطهادات والصعوبات، ستكون الغلَبة له (ولنا) كما كانت ليسوع الذي أقامه الله من بين الأموات.
2. البشارة الى زكريا (رجل)
باستعراض الأشخاص مثل زكريا (الله قد ذكر) واليصابات (الله قسم) والملاك جبرائيل (قوة الله) يدعو لوقا القاري الى العودة للكتاب المقدس (العهد القديم) والتأمل بوعد الخلاص الذي يُعطي معنى للحوادث التي يرويها.
حالة الزوجين من دون أطفال تذكّرنا بحالة ابراهيم وسارة. والكلام عن يوحنا قبل الكلام عن يسوع تمهيداً لدوره المستقبلي. كذلك دور الهيكل مهم لانه مكان الصلاة. والظهور يحدث في الهيكل وقت الصلاة!
يرسم لوقا دور يوحنا: “يَرُدُّ كَثيراً مِن بَني إِسرائيلَ إِلى الرَّبِّ إلهِهِم، ويَسيرُ أَمامَه، وفيهِ رُوحُ إيليَّا وَقُوَّتُه، لِيَعطِفَ بِقُلوبِ الآباءِ على الأَبناء، ويَهْديَ العُصاةَ إلى حِكمَةِ الأَبرار، فَيُعِدَّ لِلرَّبِّ شَعباً مُتأَهِّباً” (1/ 16-17).
يُشير لوقا الى ان الانسان البار قد يشكّ مثل زكريا كما شكّت سارة التي ضحكت لبشرى الضيوف (تكوين 15 /8 وما يتبع). زكريا يريد علامة حتى يتأكد من ان ما سمعه سيتحقق! في حين مريم آمنت بكلام الملاك، لكنها تساءلت عن كيف سيتم؟
إليصابات تلعب هنا دوراً ثانوياً، لكنها لم تتوقف أبداً عن التعرف على عمل الله “وَكانت تَقولُ في نَفسِها: “هذا ما صنَعَ الرَّبُّ إلَيَّ يَومَ نَظَرَ إِلَيَّ لِيُزيلَ عَنِّي العارَ بَينَ النَّاس” (لوقا 1/ 25).
الاصغاء. لنتعلم من هذه القراءات فن الاصغاء الداخلي الى كلمة الله، وتمييزها وتطبيقها بامتنان وبساطة وطاعة عندها يحصل التغيير (المعجزة).
لندع صوت الله يكلّم قلوبنا
فنفهم بوضوح كل ما يريد ان يقوله لنا