الوحدة ليست العودة الى ما كُنَّا، بل الى ما يجب أن نكون!
بمناسبة اختتام زمن تقديس الكنيسة
الكاردينال لويس روفائيل ساكو
هذه بعض طروحات شخصيّة، أعرضها بصدق ودالّة أخوية، وقد سبق لي أن طرحتُ موضوع الوحدة عدة مرات.
كنيسة المشرق كانت واحدة، مقدسة، جامعة ورسولية (مار توما)، خلال ألف وخمسمائة عام، والى أيامنا، وبالرغم من الانقسامات ما تزال تردد في قانون إيمانها هذه العبارة، لأنها واحدة في الجوهر.
كنيسة المشرق الاشورية اليوم تُسمّي نفسها كنيسة المشرق المقدسة، الرسولية والكاثوليكية الاشورية: ܥܕܬܐ ܩܕܝܫܬܐ ܫܠܝܚܝܬܐ ܘܩܬܠܝܩܝ ܕܡܕܢܚܐ ܕܐܬܘܪ̈ܝܐ!
افتتاح بطريركية كنيسة المشرق الاشورية في أربيل 13 أيلول 2022
الانقسام لا يتوافق مع إرادة المسيح
الكلمات عاجزة عن وصف مدى الخسارة التي حدثت بانقسام كنيسة المشرق ܥܕܬܐ ܕܡܕܢܚܐ الى أربع كنائس: الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، وكنيسة المشرق الاشورية، والكنيسة الشرقية القديمة، والكنيسة الإنجيلية البروتستانتية الآشورية. وقد تولد في المستقبل كنائس أخرى.
في أعقاب انضمام قسم من ابناء هذه الكنيسة الى الشركة التامَّة مع الكرسي الرسولي، قبل خمسة قرون، تشظّى القسم المتبقي إلى ثلاث كنائس: كنيسة المشرق الاشورية، الكنيسة الشرقية القديمة، والكنيسة البروتستانتية الانجيلية الآشورية. وبرغم هذا الانقسام، تشترك الكنائس الثلاث الأولى (الكلدانية، الاشورية والشرقية القديمة) بنفس التاريخ والتقليد وغنى التراث وجمال الفن واللغة والليتورجيا. وتعيش اليوم على رمية حجر من بعضها البعض.
كنيسة المشرق المجيدة التي كانت واحدة قبل 1553، عندما خرج يوحنا سولاقا عن سلطة بطريرك القوش “أبونا” لاسباب غير عقائدية. وبدأت شيئاً فشيئاً عملية الانفصال بإنشاء تسلسل هرمي، وكنيسة جديدة باسم الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية المتحدة بروما، والتي اخذت بالازدهار بتحوّل قسم كبير من كنيسة المشرق اليها بدعم من المبشّرين الغربيين اللاتين. واخذت كنيسة المشرق التي يذكر لها عبديشوع الصوباوي (†1318) في مجموعته القانونية 220 أبرشية في أيامه، تفقد شيئاً فشيئاً مجدها، ومع ذلك حافظت على طابعها العقائدي والرسولي برغم الصعاب ومحدودية الامكانات.
يعزو الكثيرون هذا الأفول الى:
|
الوحدة ليست العودة الى ما كنّا، بل الى ما يجب أن نكون
لا ينبغي التعوّد على التراكم وتحاشي معالجته من أجل هدف الوحدة السامي والمصيري.
للشفاء من الانقسام والجروحات وتمهيد الطريق نحو الشركة الكاملة اقله بين الكنائس الثلاث ثمة حاجة الى رؤية جديدة وهوية جديدة ” كنيسة المشرق– ܥܕܬܐ ܕܡܕܢܚܐ“. هذه بعض محاور للدراسة:
- ثمة حاجة مُلِحّة إلى ادراك شامل وعملي للوحدة المنشودة، وتوجيه لكل الطاقات بصدق لتحقيق إرادة المسيح في ان نكون كنيسة واحدة. وهنا يطرح التساؤل نفسه: أما كان الإعلان المشترك قبل ثلاثين عام (في 11 تشرين الثاني 1994)، بين الكنيسة الكاثوليكية الرومانية وكنيسة المشرق الاشورية يهدف في المقام الأول إلى خلق “جو هادئ” من أجل تعزيز الحوار نحو شركة أكبر واتفاق كامل حول محتوى الإيمان؟
- ينبغي التمييز بين الإيمان الثابت والأخلاق، وبين المتحرّك النسبي وما يترشح عن ذلك من النظم والادارة، والتعامل مع الثقافة الحالية والتزام الكنيسة بتوضيح تعليمها.
- ضرورة معرفة صحيحة وشاملة لاسباب الانقسامات التاريخية، بكل حدَّتها، واستيعاب الدرس، ومعالجتها بانفتاح. فهل يا تُرى نَعي الافعال ونستوعب الدرس؟ لكي نتجنَّب الأحكام المُسبقة والأسلوب الجدلي العقيم.
- إمكانية وضع أماكن العبادة تحت تصرف الكنيسة الشقيقة تجاه الاخرى والمشاركة الفعلية في الاسرار التي اعترفت بها الكنيسة الكاثوليكية. لا توجد عقبة عقائدية أمام الوحدة، إنما العقبة هي التراكم التاريخي والرئاسة والعصبية القومية!
- الى زمن غير بعيد لم تكن كنيسة المشرق محصورة بشعب واحد وقومية واحدة. كان فيها الكلداني والاشوري والعربي والفارسي والهندي والصيني والافغاني (أبرشية هرات). لذا فالتسمية القومية ظاهرةٌ حديثةُ العهد نسبيّاً، ويتوجب على الكنيسة ترك قضية القومية والامة للناشطين القوميين العلمانيين.
- تراجع عددنا في الوطن الأم يُحتّم علينا المواجهة المشتركة بغِيرة انجيلية للامبالاة الدينية والإلحاد وعدم الممارسة الإيمانية، وشكوك الانقسامات الكنسية!
وبعدُ، إن تاريخنا المشترك كان مجيداً في وحدة الايمان الحقيقي (رغم اختلاف التعبير)، وحَمَلَ رسالة المسيح الى اقصى العالم اكليروساَ وعلمانيين. كنا آنذاك كنيسة سينودالية في “السير معاً من أجل الرسالة” وليس كما نحن عليه اليوم.
لا خلاص لنا
أمام كل التحدّيات التي نواجهها
إلّا بالوحدة
والتآزر والتضامن والعمل معاً
فنحن جميعاً، في سفينة واحدة
تواجه مختلف الأمواج