الكنيسة
للمطران الإيطالي اللاهوتي برونو فورتي
لمناسبة قدوم زمن (سابوع) تقديس الكنيسة
مدخل الى المقالة للبطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو
الكنيسة هي كنيسة المسيح. أوكلَ إليها مسؤولية نقل رسالته الخلاصية التي هي أساس تأسيسها وقضيتها الاولى. الكنيسة تعمل على مرّ الزمن على بلورة رؤيتِها لرسالتها بشكل يناسب ثقافة الناس وظروفهم بأمانة. وتبحث باستمرار عن أسلوب فعّال ومؤثر لتجسيدها في واقع الناس.
اليوم تركّز الكنيسة على السينودالية أي السير معاً بحيوية، والعمل معاً والتضامن كلُحمة الجسد الواحد. جميع المؤمنين نساءً ورجالاً هم شركاء في الكنيسة وشهودٌ للمسيح بحكم ديناميكية dynamics معموديتهم، ومشاركتهم في الافخارستيا (القربان المقدس).
الكنيسة تبقى واحدة موحّدة في الصميم أي في الرسالة والهدف. من يفكر انها دكانه يخطأ، ومن يعمل على تقسيمها يرتكب خطيئة جسيمة. الاُسقف فيها خادم الوحدة (الإرشاد الرسولي للبابا القديس يوحنا بولس الثاني “ليكونوا واحدا” رقم 89).
الكنيسة معبأة بالطاقة لتتقدم إلى الأمام لأنها الخميرة، وأن تتجدد وتنمو لتكون للناس: “الحياة وبوفرة” (يوحنا 10/ 10). الكنيسة هي افخارستيا Eucharist.
التحديث هو في طبيعة الكنيسة لتسير الى الامام بثقة ورجاء. حيويتها هي في الإنصات الى الروح القدس، الذي “يهبُّ حيثُ يشاء” (يوحنا 3/ 8). شعوري ان لصوت الكنيسة معنى وصدى مؤثر في مثل هذه الظروف والمآسي التي يعيشها عالمنا. لذا ادعوكم الى قراءة مركزة لهذه المقالة للمطران برونو فورتي وترجمة الأفكار إلى واقع ملموس.
إنني أحبّ الكنيسة! أحبّها كما يُحبّ الابن أمَه التي وهبته الحياة. أجدها جميلة وتستحق الحبّ، حتى عندما يُغطي وجهَها بعض التجاعيد أو عندما أشعر بأنني لا أفهم اختياراتها وأوقاتها بشكل كامل. إذا فكرت في العطيّة التي منحتني إياها الكنيسة عندما ولدتني في الحياة الإلهية بالمعمودية، أو في المساعدة التي قدمتها لي عندما جعلتني أنمو في الإيمان في مدرسة كلمة الله، إذا فكرت في كيف غذتني وتغذيني بخبز الحياة، الذي هو جسد يسوع نفسه، أو أتذكر كلَّ الأوقات التي غفرت فيها خطاياي بسر المصالحة، إذا تأملت في نعمة دعوتي ورسالتي، التي اعترفتْ بها ودعمَتها، أشعر بالامتنان يملأ قلبي والدافع لحبّها وجعلها أكثر مصداقيّة وجمالاً وليس العكس. |
إن قناعتي العميقة، التي نضجت على مرّ السنين وأذكتها شعلة الإيمان، هي أن الكنيسة لا تولد من التقاء المصالح البشرية أو من دافع قلب سخي، بل هي عطية من فوق، ثمرة إلهية.
القول بأن الكنيسة هي شعب الله ليس بالنسبة لي تعريفاً مجرداً، بل هو الاعتراف المتواضع بأن الله الحيّ يعمل فيها، وبأنني فيها وبفضلها التقيت به!
لذلك، اني أؤمن بالكنيسة: أؤمن أنها تأتي من الله، وتبقى بعيدة المنال في قلبها النابض أمام النظرة البشرية البحتة. أعتقد أن الكنيسة هي “سرّ”، خيمة الله بين البشر.
لذلك أعلم أن الكنيسة لم يتم اختراعها أو إنتاجها، بل تم قبولها: إنها عطية يجب قبولها باستمرار من خلال الدعاء والشكر، في أسلوب حياة تأملي وإفخارستي.
بهذه الطريقة بالتحديد أعرف أن تنوّع المواهب والخدمات الذي يُثيره عمل الروح القدس في المعمَّدين لا يساوم، بل يعبّر عن الوحدة العميقة التي تأتي من فوق لجميع تلاميذ الرب. وأنا أعترف بالعلامات وخدام هذه الوحدة، الرعاة الذين أرادهم البابا، أسقف كنيسة روما، الذي يرأس بالمحبة شركة الكنيسة جمعاء، والأساقفة في الشركة معه، والكهنة الذين يرسلهم الأسقف إلى كل جماعة كمرشدين وخدام مصالحة. وفي الحوار مع بعضهم البعض ينمون في الشركة. إنها شركة شعب من المؤمنين البالغين والمسؤولين في الإيمان والمحبة،
القادرين على قول ثلاث مرات “لا” كبيرة وثلاث مرات “نعم” كبيرة في حياتهم “اللا” الأولى هي فك الارتباط، الذي لا يحق لأحد أن يفعله في الكنيسة، لأن المواهب التي ينالها كل فرد يجب أن تعيش في خدمة الآخرين: هذه أل “لا” يجب أن تتوافق مع “نعم” للمسؤولية المشتركة”. “اللا” الثانية هي الانقسام، الذي لا يمكن لأحد أن يشعر بأنه مفوض لذلك، لأن المواهب تأتي من الرب الواحد وموجهة نحو بناء الجسد الكنسي الواحد: والـ “نعم” التي تتبع هي الحوار الأخوي، الذي يحترم التنوع ويهدف إلى البحث المستمر عن إرادة الرب للجميع. “اللا” الثالثة هي الثبات باستحضار الماضي، لأن الروح حي وعامل في التاريخ على الدوام: هذه الـ “لا” يجب أن تتوافق مع “نعم” للإصلاح المستمر، الذي من خلال الجميع يمكنه أن يحقق دعوة الله بأمانة أكبر، وتستطيع الكنيسة جمعاء أن تحتفل بمجدها. من خلال “لا” الثلاثية و”نعم” الثلاثية، تظهر الكنيسة نفسها كأيقونة حية للثالوث، شركة رجال ونساء، بالغين ومسؤولين في الإيمان، مختلفين، ولكنهم متحدين مع بعضهم البعض في المحبة. |
والحصول على الثمار من خلال كل علاقات الاحترام والمحبة المتبادلة، التي هي صورة للشركة الثالوثية، يمكن أن يشعل الرغبة في البعيدين عن محبة الله وتجربته، المقدمة في كنيسة الحب.
تتمثل الرسالة الموكلة إلى الكنيسة في ما يلي: أن تولد من جديد دائماً بكلمة الحياة والإفخارستيا، لتكون نوراً للشعب بقوة الإيمان والمحبة، وتجذب الناس إلى الله برباط المحبة، وتظهر للجميع بمصداقية. جمال اللقاء مع يسوع القادر على تغيير القلب والحياة.
ولهذا السبب تحديداً، أحلم بكنيسة إرسالية متزايدة، في ثورة خدمة وهبة يمكنها أن تخبر الجميع كم هو جميل أن تكون تلميذاً ليسوع وكم أن محبته تملأ القلب والحياة! وبالطبع فإن الكنيسة هي وستبقى شعباً سائراً، حاجاً نحو السماء. الكنيسة ملتزمة بتطهيرها وتجديدها المستمر، متضامنة مع الفقراء والمضطهدين، وستسعى جاهدة بالتزام لا ينقطع، أن نكون شعب المحبة، شهوداً للرجاء الذي لا يخيب، حراً وسخياً في التزامه بخدمة العدالة للجميع. والحوار بين الجميع، والسلام الذي يمكن أن يولد بشكل دائم بين البشر.
الكنيسة مدعوة مع الاخرين إلى خدمة الإنسان من أجل العدالة والسلام والمساواة. كنيسة الحوار والرسالة هذه هي كنيسة المحبة التي صلى من أجلها يسوع: “كما أنتَ أيها الآب فيَّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا” (يوحنا 17/ 21). هذه الكنيسة يمكننا أن نبنيها معاً بمعونة الرب، الذي من الضروري أن نتوجه إليه بانتظار متواضع وواثق.
عن كتاب نور وجهك ص 123-129
ترجمة الخوري غزوان شهارا