الصمت طريق الى الصلاة الحقّة
الكاردينال لويس روفائيل ساكو / روما
ليس من حقيقي وعميق سوى الصمت
وكم نحن اليوم بأمسّ الحاجة اليه!
الصمت هو صلاة. الصّمت يُدخلنا في خَلوة مع الله، ويَعدّنا للاستماع إلى الرب: “تكلَّم يا ربّ فان خادمكَ يسمع” (1 صموئيل 3/ 10). الصمت والاصغاء يمنحان نور الله، للسير في درب القداسة. الصمت علامة العمق والحكمة.
في الطقوس الشرقية لا توجد فترات صمت قصيرة للتأمل ولإدخال ما صليناه الى داخلنا، انما توجد صلوات متتالية وتراتيل، قد تؤدَّى احياناً بطريقة لا تساعد على الصلاة.
في التجديد الطقسي الأخير أدخل السينودس الكلداني فترة صمت خصوصاً في الاحتفال بالقداس: بعد قراءة الانجيل، وقبل رتبة التوبة وبعد المناولة. كم مرة ينادي الشماس كونوا صامتين وهادئين، لكن من يعير انتباهاً الى ذلك؟
يقول يسوع في الانجيل: “أَمَّا أَنْتَ، فإِذا صَلَّيْتَ فادخُلْ حُجْرَتَكَ وأَغْلِقْ علَيكَ بابَها وصَلِّ إِلى أَبيكَ الَّذي في الخُفْيَة، وأَبوكَ الَّذي يَرى في الخُفْيَةِ يُجازيك. وإِذا صلَّيْتُم فلا تُكَرِّروا الكلامَ عَبَثاً مِثْلَ الوَثَنِيِّين، فهُم يَظُنُّونَ أَنَّهُم إِذا أَكثَروا الكلامَ يُستَجابُ لهُم. فلا تتَشَبَّهوا بِهِم” (متى 6/ 6-8). من يُصلّي هو ابن يحبّ الله وليس خادماً يبحث عن مكافآت؟ من يصلّي يفكر بالله!
الصلاة ليست مجرد فرض، بل هي علاقة وجود. الصلاة توجّه التركيز على الله المحبّ. والصمت يُهيء المؤمن للاستماع إلى الربّ: “أُصمُتْ أمامَ الرَّبِّ واْنتَظِرْه” (مزمور 37/ 7).
من دون الصمت والإنصات لا نفهم كلمات الله في الكتاب المقدس التي يتعيَّن الا تكون مطالعة، بل قراءة تأملية. من دون الصمت لن ننمو إنسانياً وإيمانياً. من يصمت يربح لانه يفكّر ويحلّل، ومن يحكي كثيراً قد يخطيء! في الصمت يتدرب السمع، وتنفتح العيون.
اننا نقضي اوقاتاً طويلة أمام شاشات التلفزيون، نصغي الى أخبار القتل والدمار.. ونلتصق أكثر بهاتفنا النقّال لنعرف ما حصل ويحصل. أمام هذا الضجيج، علينا ان نعرف كيف نبقى صامتين لسماع إلهامات الروح القدس، واتخاذ الخيارات الصائبة. المؤمن الذي يكرّس اوقاتاً للصمت يمكنه ان يعِظ بمثاله.
يركّز معظم الآباء الروحانيين المشرقيين على أهمية الصمت والإصغاء. اذكر ما يقوله:
- أسحق القطري (اُسقف نينوى القرن السابع): “أحبب الصمت أكثر من أي شيء آخر، فالصمت يقرّبك من الثمر الذي يعجز اللسان عن وصفه … ولا تدري أيّ مقدار من النور سوف يشرق فيك (الطريقة الرهبانية مقالة 65 ص 443).
- وإبراهيم النثفري (القرن السادس) “هناك صمت اللسان، وصمت الجسد، وصمت الحواس، وصمت العقل، وصمت الروح.
صمت اللسان هو في عدم التلفظ بكلام شرير أو قاسٍ ولا يجعلك تلفظ كلمة غضب، وكلاماً مثيراً للجدل، ولا تَمِل الى النميمة والافتراء.
صمت الجسد هو في عدم الرغبة في القيام بأعمال شريرة، وصمت الحواس هو عندما لا تُثير افكاراً ضيقة تهدم كل خير.
صمت العقل هو عندما يكون خالياً من الدهاء المُضِر، أي من الحِيَل والشيطنة، التي تهيمن على اولئك الذين يهدفون الى الفعالية ويخدعون رفاقهم.
صمت الروح هو عندما لا تستقبل إغراءات الارواح المخلوقة، بل تبقى مطبوعة بالكائن الأزلي نفسه، وتستجيب لنداءاته (L`Orient Syrien p . 347).
.