السينودس الكلداني الهدف والوسيلة
الكاردينال لويس روفائيل ساكو
بعد وصولي إلى روما، وخلال أيام الخلوة الروحية، قادني التأمل في السينودس إلى هذا المقال بشأن السينودس الكلداني، ما الهدف منه والوسيلة
معنى السينودس
السينودس طريقة فريدة من نوعها في الكنيسة. المعنى الأصلي للكلمة السينودس (ܣܘܢܗܕܘܣ – سونهادوس) والتي هي من أصل يوناني تعني “الاجتماع للسير معاً من أجل ازدهار رسالة الكنيسة. ويكون ذلك من خلال التفكير في القضايا المهمة المطروحة لحياة الكنيسة وإتخاذ القرارات بشكل جماعي وبطريقة إنجيلية لتعزيز رسالتها السامية. جميع المشاركين فيه يتمتعون بكامل العضوية”. ويكشف سلوكهم ومشاركتهم نوع وقيمة معدنهم، ومحبتهم للكنيسة ووفائهم. الإجماع والوحدة قوة حياة تمضي قدماً نحو الشركة والرسالة: “ما أجمل ان يجتمعَ الإخوة معاً” (مزمور 133/ 1).
السينودس سرّ وحدة الكنيسة
السينودس (مجمع الأساقفة) ممارسة عريقة تعود الى فجر الكنيسة. اذكر أن المبادرة الأولى “للسينودس” كانت “مجمع الرسل” برئاسة بطرس، وحضور بولس (أعمال الرسل 15/ 5-12). والمناسبة كانت، موضوع الوثنيين الذين أصبحوا مسيحيين: هل كان الإيمان بالمسيح والمعمودية أم كان عليهم الختان؟ ولحل هذه المشكلة أصغوا إلى الخبرات وتكلم بطرس، ثم تكلم بولس وبرنابا. وفي النهاية توصلوا إلى هذا القرار: “الروح القدس ونحن قد قررنا كذا وكذا…“
بالنسبة لكنيسة المشرق أول سينودس نظامي وقانوني عُقد، كان سينودس البطريرك مار اسحق سنة 410، الذي أصدر 21 قانوناً موقعاً من 37 اُسقفاً فضلا عن اسحق. وفيه اعتمد سياق عقد السينودس مرة كل سنتين (ساكو سير البطاركة ص23).
الكنيسة التي تسير معاً تكشف عن حيويتها وتمسّكها برسالتها بمثابة “القضية”. انها خبرة إيجابية جداً في تعميق الشركة وتشجيع المبادرات الرعوية. للسينودس قواعد دقيقة حدّدها القانون الكنسي. وفي السينودس نستحضر أحياناً سينودسات الذين سبقونا. السينودس يقوم على الصلاة في القلب والإنصات بالصمت الى صوت الروح القدس. وفي السينودس الأخير أدخلنا وقتا قصيراً للصمت الداخلي والصلاة الشخصية لإنضاج الافكار، بعد عدة مداخلات للإصغاء المتبادل لما يطرحه كل اُسقف.
هدف السينودس
هو تقوية الشركة والتضامن لإظهار ان لكلمة الله معنى اليوم، ومن أجل تأوين رسالة الكنيسة، وتفعيل خدمتها وقيامها بدورها الإنساني والروحي بشكل أفضل، في عالم تجاوز الأخلاق والقيم والثوابت. السينودس وقت الكنيسة للشهادة الحية لتعزيز الروحانية المسيحية والاخوّة البشرية “كلُّكم إخوة” (متى 23 /8).
الوسيلة
المشاركة الفعّالة من قِبل كل مشارك برغبة passion وحماسة. وعرض وجهة نظره ومناقشتها في حقيقتها بصدق وانشراح وتحمُّل المسؤولية بكل أبعادها. الاستعداد الشخصي للصلاة والاصغاء مهم جداً لكي لا يتقاطع الموقف مع صوت الله وخير الكنيسة. الانصات لا يتم من دون إخلاء الذات – الطموحات. والإنصات يسبق الكلام، كما يتعيَّن التحلي بالصبر وعدم اللجوء الى فرض الإرادات.
لكي يكون السينودس خبرة كنسية قوية يجب ان يوجّه كل شيء نحو الإجماع كما كانت الكنيسة الأولى: “وكانوا كلهم قلباً واحداً ونفساً واحدة” (اعمال الرسل 4/ 32). هذا الانسجام هو علامة الروح القدس.
الفترة التحضيريّة
كمرحلة تحضيرية ترسل البطريركية جدول الاعمال قبل شهرين أو اكثر الى كافة الأساقفة ليُعدّ وُيدرس لتعميق المواضيع وتحسينها أو تعديلها وتغييرها او اقتراح مواضيع جديدة.
إلتزمنا بعقد سينودسنا السنوي الدوري بانتظام ماعدا سنة 2020 بسبب جائحة كورونا وسنة 2023 بسبب سحب المرسوم. كنت قبله قد ارسلت جدول الاعمال الى الأساقفة، لكن بانتقالي الى أربيل اجّلته الى إشعار آخر. وفي المجموع، عقدنا عشرة سينودسات 9 منها دورية وواحداً استثنائياً.
كنا مثالاً للوحدة الى السينودس الأخير ومقاطعة بعض الأساقفة له بحجة غير صحيحة، خصوصاً ان اثنين منهم “جديدين” لم يشتركا الا في سينودس واحد، وقرارهم بارسال تلاميذتهم الى لبنان في هذه الظروف الصعبة غير حكيم، ويؤذي مؤسسة المعهد الكهنوتي البطريركي!
المطلوب من الجميع المشاركة ومناقشة ما يريدونه بفن حضاري وروحانية مسيحية تحت خيمة السينودس والمحافظة على وحدة الكنيسة وسلامتها بعيداً عن الطموحات الشخصية.
السينودس حقق نقلة نوعية للكنيسة الكلدانية
مع كل نقاط التحوّلات والأزمات التي عشناها اتبعنا طريق الحكمة وفن الإدارة مما جعل السينودس يحقق نقلة نوعية للكنيسة الكلدانية في الداخل والخارج: تجديد الطقوس، التعليم المسيحي والمرافقة الروحية للكهنة والشبيبة، النشاطات الراعوية العديدة والخدمية المتنوعة كمدارس ومستشفيات وعيادات خيرية ومساعدات للعائلات المتعففة. فضلاً عن تأثير كنيستنا في الجانب الاجتماعي والوطني، حيث أدّت الكنيسة دوراً ثابتاً في المطالبة بحقوق العراقيين والمسيحيين والدعوة الى إقامة دولة المواطنة، دولة القانون، دولة مدنية، مما جعل البطريركية مرجعية.
أود شخصياً أن أشكر كل الأساقفة الأجلاء على مشاركتهم المسؤولة في السينودسات العشرة، والجادة والمنفتحة على الواقع والجرأة. تقاسمنا معاً مهامنا وهواجسنا برجاء وفرح، واحياناً بتشنج. انه أمر طبيعي. واذكر بافتخار زيارة البابا للعراق 5-8 اذار 2021 والقداس بالطقس الكلداني. انها غَدَت منعطفاً جديداً لنا، وقد تابعها العالم باعجاب.
مهما حصل ويحصل
يبقى اندفاعنا نحو الرسالة والخدمة بهوى،
مشتعلاً في قلوبنا!
ونبقى أسرة كنسية وروحية واحدة
ختاماً، أوكل كنيستنا الحبيبة
الى صلوات المؤمنين من أجل التمييز
لكي لا يصح إلّا الصحيح!