لعازَر “من يُعينه الله”
بيت عنيا
الكاردينال لويس روفائيل ساكو
هذه الخاطرة ليست تفسيراً علمياً لنص الانجيل عن لعازر واختيه مريم ومرتا (يوحنا فصل 11)، انما هي تأمل شخصي بهذا المشهد العائلي، وهي في الوقت ذاته صلاة الى المسيح ليأتي، ويفك عنا كفَن شرّنا وكبريائنا، ويحررنا من فوضى الاخلاق والثوابت التي جلبت لنا الحروب والقتل والدمار والفساد واليأس والخيبة والرعب والمرارة.
ان الله يُعين هذا معنى اسم لعازر. أليس هذا ما يعبّر عنه المزمور 23: “إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّال الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرّاً، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي” (مزمور 23/ 4). أليس كل واحد منا لعازر في هذه الظروف الصعبة والمقلقة؟ ألا يحتاج كل واحد منا الى صمت داخلي عميق، والى الوقت ليكتشف المسيح ويبني الثقة معه ليُعينه؟ لنتعلم من قصة لعازر كيف نعمق ايماننا ونبني الثقة ونرسّخ الرجاء بدل اليأس، والسلام بدل الصراع، والحياة الحقّة بدل البقاء في دائرة الرعب والموت!
مريم ومرتا ولعازر بيت صغير في قرية بسيطة تدعى “بيت عنيا” وهي كلمة ارامية معناها “بيت البؤس- العناء”، والتي تحولت الى بيت القيامة.
أخ مدلّل اسمه لعازر، واختان مريم التي دهنت قدمي يسوع بالطيب في بيتها بحضور لعازر اخيها ومرتا اختها(يوحنا 12/ 1 – 3). وعنها قال يسوع: “فَقدِ اختارَت مَريمُ النَّصيبَ الأّفضَل، ولَن يُنزَعَ مِنها” (لوقا 10/ 42). مرتا كانت مهتمة بشؤون البيت والضيافة من أجل صديق العائلة “يسوع” الذي كان يتردد عندهم وكان السلام والفرح ينعكس في العيون وفي نبرات الصوت ويمنح العائلة الاستقرار والثقة، والرحابة.
يسوع هذا الرجل الذي اشتهر ليس بكلماته: “ما تَكلَّمَ إِنسانٌ قَطّ مِثلَ هذا الكَلام” (يوحنا 7/ 46) فحسب، بل بحركاته وأفعاله. كان يحبُّ ويشفي ويعزّي ويصغي ويغفر ويرافق.
كلماته كانت حلوة، تلمس القلب مباشرة، فيها “رُوحٌ وحَياة” (يوحنا 6/ 64). “كان النُّورُ الحَقّ الَّذي يُنيرُ كُلَّ إِنْسان آتِياً إِلى العالَم” (يوحنا 1/ 9). لقد جاء ليساعد الانسان على أن يكون أكثر إنسانية، والحياة اكثر نمواً وروعةٍ و سلاماً وفرحاً. يسوع يعطي نفسه للجميع دون تحفظ، يريد إن يأتي إلينا حقًا. مزيلا أي حاجز، أي حدود أي احراج… إنه يأتي إلينا حتى عندما لا نعرف ما تعنيه هذه العلاقة ، هذه الشركة.
لعازر المصيبة التي حصلت للعائلة عمَّقت هذه العلاقة. لقد حدث للأخ لعازر الذي أحبتاه كثيراً، ما لا يمكن تصوره. انه مات. لقد استولى عليهما القلق لانه كان سندهما، ومما زاد في حزنهما غياب الصديق الصدوق يسوع.
لم تتزحزح ثقة الاختين مريم ومارتا بعظمة يسوع وقدرته ولانهما رأتا العلامات وسمعتا كلماته. راحتا تؤكدان ليسوع: لا نريد ان يموت اخونا، نريده ان يعيش معنا!
مريم في البيت لان لعازر غائب منذ اربعة أيام. مرتا تخرج لاستقبال يسوع. قالت له معاتبة: “يا ربّ، لَو كُنتَ ههنا لَما ماتَ أَخي. ولكِنِّي ما زِلتُ أَعلَمُ أَنَّ كُلَّ ما تَسأَلُ الله، فاللهُ يُعطيكَ إِيَّاه. فقالَ لَها يسوع: “سَيَقومُ أَخوكِ” (يوحنا 11/ 21-23). وقعت نظرة يسوع عليها بنفس اللطف والوداعة، وأحدثت تاثيراً في نفسها. في هذه الاثناء وَصَلَت مَريَمُ إِلى حَيثُ كانَ يسوع ورَأَته، حتَّى ارتَمَت على قَدَمَيه وقالَت له: “يا ربّ، لو كُنتَ ههُنا لَما مات أَخي. . فلَمَّا رآها يسوعُ تَبكي، جاشَ صَدرُه وَاضطَرَبَت نَفْسُه” (يوحنا 11/ 32- 34).
يأتي يسوع ويتوجَّه مباشرة الى القبر: لعازر هيّا. تقدم. لعازر مقيّد بالكفن، مشلول، لكن صوت يسوع المدوّي فتح القبر. لعازر يقف دون أن يفهم شيئاً، يبهره النور. يخرج، لكن لا يقدر ان يسير. ثبتت عيناه على الشخص الذي ناداه للمرة الأولى وها هو يكلمه مرة أخر: لعازر تعال، “حُلُّوهُ ودَعوهُ يَذهَب” (يوحنا 11/ 44). لعازر يتقدم خطوة أولى ثم ثانية ولم يشاهد اختيه.. وسأل: رابي من انت؟
نظر اليه يسوع قائلاً: ماذا تريد ان افعل لك. لعازر: اريد ان أعيش حياة لن تموت مرة أخرى. نعم ان أعيش تماماً واتنفس وابني واخلق واحب.
اليست هذه هي الصلاة؟. أليست هذه هي الولادة الجديدة” من فوق “التي تكلّم عنها يسوع مع نيقوديمس (يوحنا 3)؟ نظر اليه يسوع وقال له تعال.
منذ أن عاد لعازر ظلت الاختان تؤكدان ان يسوع هو المسيح الذي تكلّم عنه الانبياء. لقد رأتا العلامات وسمعتا الكلمات. والان ان كل ما ينقص هو القيامة الجديدة وسنكون هناك معه.
لعازر يقول لاختيه: لي رغبة قوية للقائه مرة أخرى، اُريد ان أراه.
يسوع يقول للعازر ولنا: لنبدأ من جديد، ليبدأ كل شيء وكأن شيئاً لم يكن؟ لدينا حياة واحدة فقط، لنسِر معاً نحو القيامة الجديدة! لنشكر الله على جمال هذه الحياة بامتنان ولنعمل من أجل الحياة الابدية.