العهد مع الربّ هو الحَدَث الوجودي الدائم في حياة الراهبة وهو قوّتها ومصدر فرحها
10 آب 2024
بمناسبة عيد تأسيس دير بنات مريم الكلدانيات 7 آب
وإعلان الاُخت كريستين للقلب الاقدس نذورها الأول 10 آب
الكاردينال لويس روفائيل ساكو
أمام ما نعيشه اليوم من تحولات متسارعة، وحالة من الارباك الروحي في الكنيسة والاديرة بسبب ما يسميه يسوع “روح العالم” الذي نفذ الينا، أوَد ان أتامل معكنَّ في معنى “العهد” لأنكنَّ بنات العهد “ܒܢܬ ܩܝܡܐ” والتي تعني بنات القيامة.
الراهبة تنسحب من ثقافة العالم وتدخل في عهد مع المسيح لكي تتعلم أكثر عنه، تندمج فيه و تكرّس له حياتها وتحاكيه بطريقة جذرية.
العهد (التكريس) يعني الميثاق الدائم مع الله، والمتجدد يومياً بحب واندهاش وأمانة. هذا العهد شبيه بعهد الزواج الذي ليس عقداً قانونياً، انما ميثاق بين الاثنين مدى الحياة، كما عاش آباؤنا وامهاتنا… لذلك لا يوجد طلاق، انما إعلان بطلان زواج في حالات معينة ودقيقة.
“النذور” التي تعلنها الراهبة، هي العهد مع الربّ وهو قوتها ومصدر فرحها، وهو الحَدَث الوجودي الدائم في حياتها، مع الشعور القوي بان هذه الشركة معه سوف تكتمل في ملء الزمن (الأبدية).
قبل ثلاثة أيام كان عيد التجلي. وطلب بطرس نصب ثلاث مضال ليحيا هو ومن معه الشركة في مجد المسيح. حياة الراهبة بما فيها من مغامرة تصبح علامة سرّية (أسرارية) لهذا العهد الذي قطعته مع الله. “إني لك بجملتي، ولك أسلم ذاتي فافعل بي ما تشاء لأنك ابي“، كما يقول الأخ شارل دو فوكو.
هذا العهد – الميثاق يختلف عن المواثيق الأخرى. انه عهد حب وجداني وعشق إلهي بحسب التعابير الصوفية. لذلك فالمكرسون مدعوون الى أن ينشدوا يومياً بابتهاج وإعجاب العبارة الفصحية من مزمور 117/ 24 “هذا هو اليَومُ الَّذي صَنَعَه الرَّبُّ فلَنَفرَح ولنتهَلَّل به“.
الزمن الذي تعيش فيه المكرَّسة هذه العلاقة – العهد هو زمن فصحي، زمن مسيرة الخلاص الابدي بالنِعَم التي يسكبها عليها الروح القدس. يوميا تأخذ شيئاً من يسوع وتضعه عليها حتى تتحول اليه وتندمج فيه لأنها تحبُّه حتى الموت. هذه مسألة إيمان وقناعة.
لا يكفي ان تقول إنى راهبة، بل ان تعيش هذا العهد بالأقوال والافعال. انها مرتبطة بيسوع مثلما الطفل مرتبط بوالديه وفق “روحانية الطفولة” التي عاشتها القديسة ترازيا الطفل يسوع.
الدير هو الرحم الذي يحتضنها والزيّ الذي ترتديه يذكّرها بانها للمسيح ومعه. من أجله تقبل كل شيء وتتحمل كل شيء ليطبع صورته في قلبها، وليس على المنديل كما فعل مع وارينة (فيرونيكا).
في مشوارها تستند المكرسة الى عاملين أساسيين: الكتاب المقدس، ينبغي ان يكون “توراتها” ان صح التعبير، بالتزام يومي بقراءته قراءة تأملية، لكي تتعرف أكثر على المسيح وتتتلمذ عليه” كَلِمَتُكَ مِصْباح لِقَدَمي ونورٌ لِسَبيلي” (مزمور 119/ 105). انه كتاب الصلاة أيضاً. ثم العامل الثاني هو الصلاة: الوقود الذي يغذي علاقتها بالله. الصلاة تدعم خدمة المحبة والحضور الأخوي في الجماعة الرهبانية وخارجها، عِبرَ علاقات وأحداث ومواقف فيها فرح وصداقة وتواصل ستبقى حيّة في ذاكرتها.
أخيراً، راهبة بهذه المواصفات “الوعي والروحانية” تغدو علامة خلاص للأخرين. انها تكشف لهم وجه المسيح. هذا شيء مميز.
أوّد أن أختم بأن الحياة رحلة ينبغي ان نبذل جهدنا بالصبر والمثابرة ومقاومة ما يبعدنا عن تكريسنا لتصبح ناجحة.
هذا هو الضمان والرهان
فإلى الامام بالنعمة والقامة