كنيسة المشرق وتطورها عبر التاريخ
الخورأسقف بولس ساتي للفادي الأقدس
في البداية احب أن أوضح باني لست مؤرخاً موسوماً ولا فطحلاً في لغتنا الكلدانية ولست خبيراً في لاهوت وليتورجية كنيسة المشرق، لكن أقدر أن أقول بأني باحث نشيط وسأبقى ماحييت أبحث وأستكشف وأكشف تاريخ كنيستنا الكلدانية بصورة خاصة والكنيسة الجامعة – الكاثوليكية بصورة عامة.
من المؤسف أن يقوم الكثيرون (المعروفون أو المستترون) ممن يكتب على المنابر الإلكترونية التي أعطت مساحةً لكل من هب ودب لمهاجمةالكنيسة ورعاتها وشعبها.
والمحزن المبكي بأن الغالبية العظمى منهم، ليس لديهم معرفة بتاريخ كنيستنا العقائدي والليتورجي والرعوي والقانوني! فنرى من يهاجم المجمع الفاتيكاني الثاني وهو لايفقه ماهية المجمع ولايذكر على ماذا يستند في وثائقه – التي تشمل الكنيسة الكاثوليكية برمتها –ناهيك أن يعرف عددها وأسمائها ومدى تأثيرها على نهج الكنيسة الكاثوليكية داخلياً ووجودها في عالم اليوم وعلاقتها مع باقي الكنائس والأديان.
ولو تناولنا تنازلياً تاريخنا مع روما والبابوات فأتسائل:
ماذا يعرف المنتقدون والمنادون بالعودة للأصالة، عن الإرادة الرسولية للبابا بندكتس الرابع عشر 1755 Allatae sunt والتي تناولت علاقة روما بالكنائس الشرقية منذ القرن 11؟
أو الإرادة الرسولية للبابا ليون الثالث عشر 1894 Orientaliumdignitas ecclesiarum – كرامة الكنائس الشرقية، والتي تعد من أهم ماصدر عن الكرسي الرسولي فيما يخص الكنائس المتحدة بروما؟
أو كيف تطورت دائرة الكنائس الشرقية – التي تحرص على الحفاظ على طقوسنا – ومتى تأسست؟
ومما وقعت عليه عيناي، لم أقرأ ذكراً لمجامع كنيسة المشرق والتي تربوا على الـ 15 مجمعاً!
ماذا يعلمون عن ماكتب مار أفرام؟ ومار نرساي عن طريقة المناولة باليد؟ أو عن عدد الأنافورات قبل عهد البطريرك إيشوعياب الثالث الحديابي (القرن السابع) والتي أتلف معظمها وترك ثلاثاً فقط؟ أو مانظمه القديس جوستنيان (أوائل القرن الثاني) في دفاعه الموجه للإمبراطور أنتونيوس بيوس حول الإحتفال بالإفخارستيا؟ ما مدى إطلاعهم على أنواع الفلسفة والأساطير والعادات والطقوس واللغات التي أثرت بالمسيحية؟
ماذا عن كتاب الديداخي (القرن الأول) والذي يحدد بسلاسة وبحسب ماهو متوفر، طريقة الإحتفال بالإفخارستيا ومنح المعمودية بالتغطيس أو سكب الماء على الرأس، بماءٍ حيٍ جارٍ أو بارد أو دافئ؟
ترى هل يقتصر تاريخ كنيستنا، بكل ما يحويه من كنوزٍ نفيسة، على مايُطرح من سجالات حول رفع أو إضافة أو تعديل الصلوات والنصوص والتقاليد المصاغة بشرياً؟
أم أن تاريخ الكنيسة ومفهومها اللاهوتي تطور مع الزمن، بتعديل كل ماهو دخيل والعودة لما هو أصيل وذلك بحسب الضرورة الرعوية؟
هنا أشدد على ماتعنيه هذه الجملة!
بما أن كنيستنا تحتفل اليوم بتذكار مار ماروثا أسقف ميافرقين،أرغب هنا ان ألقي نظرة سريعة على المجمع الأول لكنيستنا سنة 410 والذي عرف فيما بعد بإسم من ترأسه: الجاثليق البطريرك مار إسحاق.
مار ماروثا (توفى سنة 422 تقريباً) بالإضافة لكونه أسقفاً، كان طبيباً وسفيراً وسياسياً ومؤرخاً. لعب دوراً كبيراً في الوساطة بين الإمبراطور الروماني أركاديوس وملك الملوك الفارسي يزدجرد الأولوالذي قام بإصدار مرسوم بوقف إضطهاد المسيحين في بلاد مابين النهرين، وأمر بإحضار الأساقفة للعاصمة ( سلوقيا – قطيسفون ) وأرسل مندوبين لحضور المجمع الذي أصدر 21 قانوناً مذيلاً بتوقيع 40 أسقفاً!
ساهم مار ماروثا في تحديث كنيسة المشرق عقائدياً وإدارياً، فقد جلب معه مقررات مجمع نيقية المسكوني 325 ومقررات بعض المجامع المحلية، كمجمع أنقيرة 314 ومجمع قيصرية الجديدة 315 وعادات الكنائس بحسب التسليم الرسولي، مما ساهم في التنظيم الإداري الجديد لكنيسة المشرق والذي خرج به مجمع مار إسحاق.
لم ترفض كنيسة المشرق هذه المقررات، بل قبلتها وأضافتها لقوانينها السائدة والقيام ببعض التعديلات لتناسب واقعها المحلي. ومما يعد تطوراً مذهلاً في ذلك الزمان فقد صاحب أعمال المجمع ترجمة ماجلبه مار ماروثا من اليونانية للكلدانية، وبعدها تم ترجمة أعمال الجلسات والمقررات للغة البهلوية لترفع للبلاط الفارسي.
أنصح من يرغب في الإطلاع وزيادة المعرفة، أن يقرأ أعمال هذا المجمع المهم.
ختاماً:
أين نحن اليوم من عقلانية وروحانية آبائنا الأقدمين؟ أين نحن من إنفتاحهم وتطويرهم للكنيسة؟
أرجوا ممن يكتب وينتقد أن يقرأ ويسأل ويتأنى قبل إطلاق العنان لقلمه! فالمنشورات على مواقع التواصل الإجتماعي، هي مثل الكلام، الذي متى ماخرج من الفم لايردُ مطلقاً!
تأنوا وصلوا من اجل الكنيسة وآبائها والسينودس المقبل، فلكل فرد في الكنيسة: كبيراً أو صغيراً قدرُ كبيرٌ من المسؤولية، سيحاسب عليها أمام عرش الديان.