الناس أجناس لا تُحْزَر!
الكاردينال لويس روفائيل ساكو
من خلال خبرتي الطويلة في المجتمع، وفي الكنيسة، اكتشفت ان الناس لا تُحْزَر، وأن الخير والشر يكمنان في طبيعة (داخل) كلِّ انسان. يسوع نفسه يُلمح الى هذا التصارع في مثل “الحنطة والزوان (متى13/ 24-30). واراد ترميمها وخلاصها لكن ثمة من يقبل ومن يرفض.
نحن نكبر او نصغر، بحسب القدرة على ترويض غرائزنا ورغباتنا. من هنا أهمية التنشئة المستدامة، والشغل على “الذات” كما تعتمده بعض الأديرة في تنشئة أعضائها.
للأسف هناك حالات ومواقف لا تنبع من الحرص على الخير العام، بل من قلب الشخص الذي يبحث عن مصالح ذاتية، والاستعراضات، ولا يتنازل عنها عند تشخيصها وابداء النصائح، بعيداً عن أي إقرار بالجميل، أو الركون إلى التفكير وحكمة العقل.
هذه الحالات كانت موجودة على مرّ التاريخ وستبقى بسبب طبيعة الناس وتوجههم.هذه الحالات تضاعفت بسبب ازدياد تراجع المبادئ والثوابت والقيم والأخلاق، ولا يمكن حصرها بسبب اللجوء الى سوشيال ميديا social media بكل اشكاله، والافصاح عنها علانية، وأحيانا بأسماء مستعارة وهذا غير مقبول أخلاقيا.
اني دوماً أقول، للمتزوجين الجدد ورجال الدين الجدد: انتبهوا، أن كلَّ شيءٍ يتوقف على البداية الممتازة fresh start.
امثلة مخطئة من الواقع
اجتماعيًّا
܀ كللتُ عروسَين بعد اعدادهما في دورة المخطوبين، والإعلان عن حبهما الواحد تجاه الاخر، والرغبة “الصادقة” في بناء حياة مشتركة، وتقاسم تفاصيل الحياة الزوجية اليومية الحميمية، ومواجهة التحديات الصعبة، بالأمانة في الفقر والغنى، والصحة والمرض! بعد شهر اتيا يطلبان “البطلان- الطلاق”. اين كانت أعيونهما؟ وما معنى العقد -العهد الذي قطعاه الواحد للأخر، وهو امانة ومسؤولية، وليس لعباً!
܀ قصة يوليوس قيصر، حينما كان متخبطاً بدمائه بسبب انقلاب قادته عليه، نظر نحو بروتس الذي كان قد تبناه واحتضنه، نظرة أمل ان يأتي لينقذه، لكن بروتس عوض العرفان بجميله، راح يطعنه من الخلف. ومن هنا جاء قول يوليوس الشهير: “حتى أنت يا بروتس”! رواية إنسانية صادمة.
2.كنسيًّا
܀ يرسم الاسقف أحد الأشخاص كاهناً، بعد انهاء دراسة اللاهوت والفلسفة، والاعداد في المعهد الكهنوتي، لان يتوسم فيه الكفاءة الروحية والثقافية والراعوية. يرسمه كاهنا ليكون له معاونا، لكن بعده يتحول الكاهن شيئا فشيئا الى “سيّد“، متمرد ومتنمر ويتكتل ضد أسقفه ويبحث عن المال والصداقات والمناصب والشهرة، فيغدو جزءًا من البلبلة في الأبرشية. وحين لا يقدر تحقيق رغباته يترك كنيسته، وينتقل الى كنيسة أخرى، أو يفتح ” كنيسة” دكانا له. وثمة عدة حالات!
܀ هكذا نختار اسقفا عندما نلمس ان عنده مؤهلات تستفيد منها الكنيسة، لكن يحصل أحيانا خلاف ما كنا ننتظره. بعد فترة يتغير، وينسى ما عبر عنه يوم رسامته عن الأمانة والطاعة والتعاطي بالمسؤولية! ويخرج عن المألوف. ويتحدث من دون منطق، ويشذ عن المجمعية، ورأي الغالبية، لان اختياراتهم لا تروق له، ويبحث عن الاختلاف ليكون تحت الأضواء! لذا يقاطع السينودس، أو يأتي ويزعل حتى يقول انا موجود! هذه مغالطة وهروب من المسؤولية، وحالة مؤسفة، لان الأمور لا تستقيم بكذا عقلية! المألوف والقانوني هو النقاش في السينودس بهدوء وإقناع وقبول النتيجة مهما كانت، وليس بأسلوب السجال وفرض ارادات!
القيادة في الكنيسة مسؤولية وجدانية ثقيلة تستند الى روح الله، والضمير الحيّ، وخدمة الكنيسة والناس بمحبة وتجرد. القيادة في الكنيسة ليست مقاولة أو مشيخة!
امثلة من الانجيل
- ܀ اختار يسوع تلاميذه بدقة، وعلمهم، ونشأهم خلال ثلاث سنوات. ماذا كانت النتيجة؟ ها يعقوب ويوحنا يطلبان بمناصب، ويزعل الباقون ويبدأ الطوفان! يهوذا يسلمه، بطرس ينكره خلال ازمة الالام، والتلاميذ يهربون! ويبقي يسوع وحده، لكن الله لم يتركه، بل رفعه وأقامه، وتغير كل شيء!
܀ مثال الابن الشاطر في انجيل لوقا (فصل 15). الأب خلف وربى وكبر وعلم وطبب ودلل ليرتاح قلبه فيما بعد، ويفتخر بأولاده، لكن ما حصل مختلف. عندما كبر الولدان ، طلب الابن الصغير حصته من الورث والأب حي، واعطاه حصته، فذهب بعيداً لُيشبع بها غرائزه. وعندما عاد وغفر له الاب، رفض الابن الأكبر المشاركة بفرح عودة أخيه، ومرمر حياة الاب الحنون!
إني لا أعمم ابدا. هناك أزواج بديعون، وأولاد رائعون، وكهنة واساقفة نموذجيون في العلاقة الوجدانية، وليس لأي وازع آخر، يحافظون على إنسانيّتهم وقيمهم واخلاقهم بصدق وإخلاص كمبدأ أساسي في حياتهم.
الحياة تتجدد، والعجلة لن ترجع الى الوراء، لذا ليس امامنا سوى ان نجدد عقلياتنا، وعلاقتنا، وثقتنا، لنتقدم وتتقدم عائلتنا ومجتمعنا وكنيستنا ونعيش بسلام واستقرار وسكينة وانشراح وفرح!