الكنيسة المبنية على الصخرة لن تتزعزع أبدا (2)
النتيجة المتوقعة!
بقلم الشماس الانجيلي د. صبحي زورا
في مقالٍ سابق نشر قبل حوالي عام حول نزع الاعتراف البطريركي عن كنيستنا وقيادتها، أشرت فيه إلى إن الكنيسة المبنية على الصخر لن تتزعزع أبدًا مهما كانت الظروف والمسببات، مبينًا أن مثل هذه الكنيسة محمية من الرب نفسه و قوة الروح القدس. قال يسوع لسمعان بطرس “وأنا أقول لك أنت بطرس وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها.” (متى 16)
لقد مرّت علينا خلال الاسبوع الماضي في وطننا العراق أحداث إستثنائية تكللت ذروتها بالعودة السلمية الظافرة لنيافة البطريرك الكاردينال لويس ساكو إلى كرسيّه الأصلي وأبرشيته البطريركية في بغداد. وتمثّـل هذه العودة الميمونة نقطة تحوّل تاريخية مفصلية في تاريخنا الكلداني الحديث. جاء ذلك نتيجة مرسوم جديد مهم أصدرته الحكومة العراقية برئاسة السيد محمد شايع السوداني، يعيد بموجبه إلى البطريرك حقوقه وسلطته القانونية على كنيسته وأصولها وممتلكاتها، بما في ذلك مباني الكنيسة ومحتوياتها، وهو الحق الذي مارسه البطاركة الكلدان منذ العصر العباسي في العصور الوسطى. وبفضل المواقف البطريركية الكلدانية الحالية وتضحياتها، أعاد المرسوم الجديد لمجمل الرئاسات الكنسية المسيحية في العراق بشكل عام وللكلدان بشكل خاص حقوقهم المشروعة في الاعتراف بهم باعتبارهم ثاني أكبر مجموعة دينية في العراق بعد المذاهب الإسلامية.
وبالنسبة للبطريرك ومؤمنيه الكلدان داخل الوطن العراقي وخارجه، فإن المرسوم جاء ليس فقط انتصاراً لنيافة البطريرك، بل أيضاً كنتيجة طبيعية للمظالم التي تعرض لها شخصيا والكنيسة الكلدانية عموماً على أيدي من سعوا إلى تدميرها كمؤسسة تاريخية ورسولية. لقد جاء المرسوم بمثابة الرد الحاسم للعناصر والشرائح المظلمة في مجتمعنا التي لا تريد للمجتمعات المسيحية أن تعيش بسلام ووئام في العراق والشرق الأوسط على العموم.
لقد تعرضت الكنيسة الكلدانية في العراق، كما تعرضت العديد من الكنائس المسيحية الأخرى في المشرق، عبر تاريخها المضطرب، إلى العديد من المظالم والاضطهادات. ومع ذلك، استمرت هذه الكنائس برؤسائها ومؤمنيها في البقاء بشجاعة، وذلك بفضل إيمانهم القوي بيسوع المسيح وتصميمهم ومثابرتهم. إن مثال الأحداث المأساوية التي أحاطت بسحب الاعتراف بالبطريرك ساكو في يوليو 2023 على كنيسته وممتلكاتها والعودة لهذا الاعتراف بالكامل هو مجرد واحد من العديد من الأحداث المماثلة في تاريخ المسيحية في العالم المشرقي. إن الختام السعيد لهذه الحلقة من تاريخ كنيستنا الكلدانية هو سبب للاحتفال والابتهاج ، سواء داخل العراق أو في الشتات في جميع أنحاء العالم.
لقد خرج المئات من الكلدان العراقيين في بغداد وفي جميع أنحاء الأجزاء الشمالية من العراق، حيث لجأت غالبية المسيحيين منذ غزو داعش للموصل في عام 2017 ، للاحتفال بعودة البطريرك المنتصر إلى أبرشيته في بغداد. وقد أظهروا جميعاً سعادتهم ودعمهم لنيافته ولكنيستهم بتراتيلهم وصلواتهم. وأظهرت هذه الاحتفالات التفاف المؤمنين حول قائدهم الروحي وشجاعته وموقفه الثابت الذي انتصر به ضد من أراد سقوطه وسقوط الكنيسة الكلدانية جمعاء.
لقد أظهر بطريركنا الموقر للأمة والعالم أجمع أن الصمود في وجه المواقف والقرارات السلبية والظالمة هو السبيل الوحيد الذي يؤدي إلى النجاح والغلبة بعون الرب. إن شجاعته وإصراره هو مثال لنا جميعا، المؤمنين في الشرق والغرب، للعمل بقوة والوقوف بحزم ضد الظلم من أي نوع.
فهنيئاً لنيافتكم سيدنا الكاردينال الجليل بهذا الانتصار. نحن الشعب الكلداني في كل مكان في العالم، جميعنا نفتخر بقيادتكم الحكيمة. نحن معجبون بشجاعتك وتصميمك على الفوز لنفسك وللكنيسة، حيث تقود كنيستنا بشجاعة بين كنائس الشرق الأخرى. نصلي أن يبقى شعبنا قوياً في ظل قيادتكم الحكيمة ورعايتكم. سنبقى كنيسة واحدة، متحدة في إيمان المسيح الكاثوليكي مع أبينا الأقدس في روما، بينما نعمل بإخلاص من أجل شعبنا داخل العراق وخارجه.
“ليباركك الرب ويحفظك. ينير الرب بوجهه عليك ويرحمك. يرفع الرب وجهه عليك ويمنحك السلام، آمين.” (عدد 6: 23).