البطريرك ساكو في قداس يوبيل دار بيبليا: ينبغي اعلان كلمة الله بطريقة جديدة، ونبرة نبوية
إعلام البطريركية
برعاية غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو إحتفلت دار بيبليا للترجمة والنشر بيوبيلها الفضي في الساعة السادسة من مساء الخميس 20 حزيران 2024 بقداس إحتفالي في كنيسة المعهد الكهنوتي بعينكاوا، تحت شعار “أُرسل الجوع الى إستماع كلمة الله“ (عاموس 8/ 11). نورد فيما يأتي ما جاء في موعظة غبطته ونص كلمته مهنئاً باليوبيل:
لنصلَّ من اجل دار بيبليا للترجمة والنشر، والعاملين فيها لكي يستمر في رسالته في اعلان كلمة الله.
ثمة تطابق دقيق بين القراءات الثلاث التي اختارها الاب بيوس عفاص بعناية لهذه المناسبة، والتي تتمحور حول اهمية اعلان” كلمة الله” بطرق واشكال مختلفة. واليوم يتحتم على الكنيسة وعلى المسيحيين اعلان كلمة الله التي لاتزال تنطق وتؤثر في داخلنا، بطريقة جديدة وبنبرة نبوية في عالم يختلف عن عالم الكتاب المقدس، عالم تراجعت فيه القيم والاخلاق. وهذا ما سعت اليه دار بيبليا للترجمة والنشر خلال 25 سنة.
القراءة الاولى من سِفر عاموس (8/ 11-12) تعبّر عن العطش الى اعلان كلمة الله امام التهافت على المال ثم المال ثم المال، اليوم نسميه الفساد، وعاموس يسميه “العدالة الفاسدة”.
القراءة الثانية من الرسالة الثانية الى طيمثاوس(3/ 15-16، 4/ 1-6) تشدّد على اهمية اعلان كلمة الله بشكل دائم: “بوقتها وبغير قوتها”.
القراءة الثالثة من انجيل متى 28/ 16-20 تروي صعود يسوع، اي دخوله إلى حالة جديدة من الوجود “ممجّد”. صعوده ياتي في إطار فصحي وبتعبير لاهوتي عميق المغزى.
للمكان الجبل، ديناميكية خاصة تشير الى الارتقاء بفعل نِعَم الله وإرشادات الروح القدس.
حضور التلاميذ مهم جداً، فهم شهودٌ على تعليمه ومجده. هذا الصعود يجعلهم يدركون تماماً مسؤولياتهم لمواصلة رسالة يسوع.
هذا الحضور الاحتفالي هو للإرسال إلى الكرازة “عَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِه (متى 28/ 20). يقول لهم احملوا مهام التعليم والتقديس لشعب الله، شاركوا الاخرين بايمانكم، واصغوا إلى حاجات الأخوة وتلبيتها بمحبة.
في نفس الوقت بركة يسوع تعزية لهم ولنا خصوصاً في الاوقات الصعبة “رفع يده وباركهم” هذه البركة تعبير عن حبه لهم، ومرافقته إياهم ليسيروا الى الأمام بلا خوف: “وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ آمِينَ”(متى 28/ 20).
إنفرد عنهم، اما هم “فسجدوا له”، ورجعوا فرحين يسبحون الله ويباركونه. علاقة التلاميذ بسيدهم هي الأساس وينبغي ان تستمر الى الاخير .
أما وظيفة 40 يوماً، فإنما ليوصل زمن يسوع بزمن الكنيسة. الزمنان متشابكان. والفكرة الاساسية هي الاستمرارية بين يسوع والكنيسة.
كل مسيحي مدعو الى ان يبشّر بكلمة الله. ولكي يقوم بها ينبغي ان تسكنه الكلمة لان قوته فيها، لذا يقول مار بولس “ويل لي ان لم ابشر”
التبشير بعدة اشكال: التعليم، التربية، الوعظ، الكتابة، الصلاة والاحتفال بالاسرار اوقات قوية وشهادة حياة. يكتب اقليمس الاسكندري (150-215) أحد آباء الكنيسة الاوائل الى التشبّه بالكلمة قائلاً: “لنتشبهّنَّ بالكلمة في جميعِ أعمالنا وتصرفاتِنا، فهو لنا القدوةُ والمثال، ومشوراتُه طرقٌ وأنظمةٌ موجِزة لإنماء بذور الأبدية في نفوسنا، والمسيح يهدف من خلالها إلى تربيتنا وتربية البشر جميعاً” (كتاب المربِّي)܀
بارككم الرب القدير
كلمة البطريرك ساكو في مناسبة يوبيل دار بيبليا
في البداية أود ان اتقدم بآيات الشكر والامتنان لكل القائمين على دار بيبليا للترجمة والنشر، بمناسبة الاحتفال بمرور 25 سنة على انطلاقها بعناية في كنيسة مار توما بالموصل. فشكراً على هذا الجهد الفكري والكتابي والتعليمي، لا سيما لمديرها أخينا الكبير الأب بيوس عفاص اطال الله بعمره… والى اليوبيل الذهبي.
هذه الدراسات الكتابية، الملفات والكتب هي بمثابة مكتبة متخصصة بالعربية، كنا بأمسّ الحاجة اليها امام التحولات الثقافية والاجتماعية والدينية المتسارعة التي نواجهها. احداث كثيرة مؤثرة على حياتنا اليومية تستدعي قراءة جديدة للكتاب المقدس لكي نعزز ايماننا وروحانيتنا..
اذكر باعتزاز ان بلادنا العريقة، كان لها الدور في ان تلهم الدراسات الكتابية، عندما قدم أحد الآثاريين في القرن التاسع عشر مقاربات مع الكتاب المقدس اكتشفها في مكتبة اشور بانيبال، فتأسست في مطلع القرن العشرين مدرسة القدس للآباء الدومنيكان للدراسات الكتابية حين وضعت المعطيات البيبلية على المحك الاثاري والتاريخي. وانطلقت في المنطقة مراكز للدراسات الكتابية.
هكذا فإن هذه الدراسات اصدرها بالفرنسية اشخاص متخصصون رصينون، يتحلّون بالعلمية ويستخدمون أدوات حديثة بشكل أكثر فعالية. وما اعجبني هو إيمان هؤلاء المؤلفين الواعي والعميق وحرصهم لاكتشافات المضمون (البلاغات) التي تحملها هذه الأسفار المقدسة التي لا تزال تحمل معنى لنا اليوم. هذه هي ديناميكية الكتاب المقدس الذي هو كما يحلو لمار افرام ان يسمّيه “رسالة حب” لكل انسان. المنبع هو”كلمة الله” وقوتها وزخمها التي تتدفق كالنور وتُحيي وتُحرِّك في داخلنا وتنعكس حولنا. لذا أشجع المؤمنين وبخاصة الشباب على اقتنائها الى جانب الكتاب المقدس وقراءتها قراءة تأملية ثاقبة، على ضوء الروح “انارة لعيون قلبهم” (أفسس 1/ 18).
اني أقرأ بعناية وشغف معظم ما تصدره دار بيبليا للنشر. وأقرّ أني تعلمت منها الكثير، وشدتني الاختيارات وسلاسة الترجمة العربية والاخراج الانيق. انها تمثل قراءة مؤوّنة للكتاب المقدس، بتعابير وكلمات جديدة أمينة للاصل (الاصيل) ومندمجة في الواقع الثقافي والاجتماعي الحالي.
ولابد ان نعي ان قوة المؤمن المسيحي هي في سعيه لتسكنه هذه الكلمة، ويعكسها نوراً ورجاء وتعزية حوله.
الاب بيوس عرفته بالبداية كمولع بموضوع القيامة حتى كنا نسميه “مجنون القيامة” ثم تحوّل بعده الى مجنون البيبلية.
الفضل يعود الى كهنة يسوع الملك الذين شكّلوا اول محاولة للكهنة في العيش معاً. اتذكرهم الاب (المطران) جرجيس القس موسى والاب بيوس عفاص والاب المرحوم نعمان اوريدة والأب (المطران) المرحوم جاك إسحق.. كل منهم له كاريزماه الخاص ولكن ينفرد بطريقته لتجسيد ذلك. كنت اتردد الى كنيسة مار توما حيث كانوا يقطنون، وكنت المس جواً من العمل، رحباً مفعماً بالدفء الانساني والروحي، وبالحسّ الكنسي والوطني والثقافي. كل هذا بقي منبعاً للتعايش الإيجابي مع الآخر، مزيد من الارتقاء وبناء الذات والابداع.
وضعوا حياتهم على المحك من أجل تثقيف المسيحيين ثقافة منهجية مؤونة ورصينة وخلق وعي لديهم باهمية الكتاب المقدس وتحريك العمل المسكوني.
هذه التجربة قد لا تتكرر بسهولة، ولكن لنا الرجاء، ان تلقى مبادرة الحياة الجماعية للكهنة حافزاً لتحقيقها، بتشجيع من الرعاة، بعيدا عن تجربة الفردانية في حياة الكاهن، واعتبار الخورنة قلعته الخاصة.
في وسط العلمنة والسطحية ووسائل التواصل الاجتماعي، لنا الامل بان يبادر الكهنة الشباب بمواصلة هذا العمل الريادي والقيام بمبادرات اخرى.
لسنين عديدة يا سيد..