البطريرك ساكو في حفل تخرج طلاب كلية بابل للاهوت: لا تقدم من دون التجديد، والانغلاق موت بطيء
اعلام البطريركية
تراس غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو احتفالية تخرج الدورة الثامنة والعشرين من كلية بابل اللاهوتية الحبرية والمعهد التثقيف المسيحي تحت شعار” ليتدفق العدل والسلام: وذلك مساء 15 حزيران 2024 في نادي كلاكسي بعنكاوا/ اربيل. حضره سيادة المطران ميخائيل نجيب، رئيس اساقفة الموصل وعقرة، والمونسنيور شارلز، القائم باعمال السفارة البابوية، والاب ايشاي ممثل قداسة البطريرك مار آوا الثالث، وعدد من المسؤولين والكهنة والراهبات وطلاب كلية اللاهوت والمعهد التثقيف المسيحي وعائلاتهم.
واليكم نص كلمة غبطة البطريرك
أود أن اعرب عن الشكر والامتنان لكلَّ العاملين في كلية بابل للاهوت الحبرية، والمعهد التثقيف المسيحي التابع لها، من الاداريين والتدريسيين والعاملين على جهودهم التربوية والثقافية المميزة.
وأهنيء قلبيا الخريجين الجدد، متمنياً لهم عطاءً سخيّا في خدمة الكنيسة والمجتمع، في هذه المرحلة الحبلى بالتحديات والمفاجاءات. كما اهنيء عائلاتهم واشكرها على متابعتها وتشجيعها.
تساهم الكلية في إعداد قيادات كنسية مثقفة وواعية، وفق منهجية علمية. التلقين شيء والثقافة شيء آخر. التلقين تخزين للمعلومات في الذاكرة من دون تفعيل، والثقافة جهد شخصي يقوم على القراءة، والتفكير، والتحليل، والاستنتاج والقناعة. المعرفة تنبعُ من الوعي، وتمنح الرجاء والفرح..
اما في المعهد الكهنوتي فتتم تنشئة طلاب الكهنوت وصقلهم وتدريبهم على الروحانية والعمل الراعوي بالانفتاح، وعلى ” البر والحق والاستقامة” (امثال 1/3).
اشكر الاب افرام كليانا مدير المعهد السابق على ادارته واستقامته وصدقه، متمنيا له النجاح في مشواره الجديد.
ان دور المؤسسات التعليمية لا يقتصر على التدريس اي اعطاء المعلومات فحسب، انما على المتابعة والتنشئة. ومن هذا المنطلق بادرنا بالتنشئة المستدامة سنويا لكهنتنا حول أحد المحاور أسوة بمعظم ابرشيات الكنيسة الجامعة، وتنظيم رياضة روحية لهم.
ايها الاحبة،
لارض ما بين النهرين إرثً حضاري عظيم، وكان البيئة الأولى للكتاب المقدس. استخدم اليهود المسبيون في بابل تراثها الديني والثقافي الثري، من ذلك توجههم الى الله والصلوات التي ألفَّوها، والطقوس الدينية الشعبية، للتعبير عن ايمانهم بشكل يتلاءم مع معتقداتهم. اذكر على سبيل المثال ملحمة كلكامش بمضامينها الانسانية العميقة، وقانون حمورابي لتحقيق العدالة، وابراهيم من اور الكلدانيين وايمانه بالله الواحد.
بميلاد المسيح كان مجيء المجوس من المشرق عبر بلادنا يقودهم ” النجم” لزيارة الطفل يسوع، كما جاء في انجيل متى(2/1-12)، خصوصا وان المسيح يلقب بكوكب الصبح المنير” (رؤيا 22/ 16).
هذه البيئة الحضارية الملائمة افاد منها اللاهوتيون المشارقة الاوائل كافراهاط وافرام ونرساي وباباي الكبير وغيرهم، لصياغة لاهوتهم وليتورجياتهم الخ، ومن هنا العدد المذهل للمكتبات والمخطوطات.
الكنيسة كانت دائمًا مهتمة بالتعليم والتشجيع على الكتابة من خلال المدارس والاديرة التي انشأتها كمدرسة الرها في زمن مار افرام، ونصيبين في زمن نرساي والدير الاعلى في زمن ايشوعياب الثلث ( كنيسة الطاهرة في الموصل حاليا) ومدرسة دير قني ببغداد في زمن العباسيين.
تساعد الكلية على اعداد قيادات كنسية مثقفة وواعية، بالطرق العلمية والمنهجية والانفتاح، لان تقدم الكنيسة والمجتمع مرتبط بالحداثة. لا تقدم من دون تجديد الفكر والخطاب الديني والروحانية. الانغلاق موت بطيء، يتعارض مع الواقع المعاش ويُلغي الحاضر، فخبرة الاجداد عبر وليست قيود.
الكنيسة الكاثوليكية تواكب التجدد.
اذكر هنا المجمع الفاتيكاني الثاني(1963-1965) الذي شكل تحولا مفصليّاً في حياتها، وكذلك دعوة البابا فرنسيس الحالية الى السينودالية من اجل نشر البشرى بما نسميه بأنجلة جديدة بالشراكة مع شعب الله.
ونشير بهذا الصدد انه في يوم الخميس 13 حزيران 2024 قدّمت دائرة تعزيز وحدة المسيحيين وثيقة عن الحوار المسكوني حول دور البابا وممارسة الأولوية البطرسية” مؤكدة على الحاجة الى رؤية واضحة، وتعابير مفهومة، ومفردات جديدة أمينة واصيلة، بغية الاندماج في الثقافة الحالية ليعيش المؤمنون حالة من الانتعاش جديدة.
ومن اجل تطويرالمهارات نرسل الخريجين المتميزين لاستكمال دراستهم في الجامعات الكاثوليكة في روما وغيرها، من المحزن ان بعضهم يعود بعده يلبس القُبع ويتبع السلف، ويقيّد نفسه بحبال عديدة كالطقس واللبس الخ.. وينتقد التجديد من دون معرفة ولا منطق.. انها حالة مؤسفة.
النقد الموضوعي والمنهجي ايجابي ومقبول، عكس الانتقاد العشوائي والدعائي التجريحي المرفوض.
وهنا ايضا أؤكد مرة أخرى على التجدد، لان من دونه سنفقد نقاط الارتكاز في ايماننا وروحانيتنا والتواصل مع مجتمعنا وسط التحولات الحالية المتسارعة.
الكنيسة بحاجة الى قيادة مستنيرة، ذلك ان هناك بوناً شاسعاً بين القبطان الذي يستحق الثناء والذي يخاطر بنفسه من اجل ان يقود الناس الموكلين اليه الى بر الامان، والقرصان الذي يستحق الذم والادانة، لانه ينتحل صفة القبطان ويغير البوصلة بهدف الابتزاز من اجل المكاسب الذاتية والمالية.
نحن ككنيسة وكأكليروس بكل مراتبنا مدعوّون لتحمّل مسؤوليّاتنا الدّينيّة والإنسانيّة والوطنيّة والمحافظة على شعلة الايمان والمحبة والخدمة بسخاء.
وفقكم الرب الكريم في خدمتكم الانسانية والروحية النبيلة والمؤثرة وليتدفق العدل والسلام” في بلدنا ومنطقتنا والعالم، كما ورد في شعار تخرجكم.