بدون رغبات للاحتلال: خبرة جميلة ونادرة
للكاردينال فيلوني
مهمة الكاردينال فرناندو فيلوني في سانت دومينغو، وهي أرض، مثل غيرها في قارة أمريكا الجنوبية، فريسة للاستعمار والدمار الثقافي على أيدي الغزاة. “هنا قمت بتأسيس جماعة من فرسان القبر المقدس في اروشليم، تاريخياً كان الأول في جزر الأنتيل الكبرى.
3 حزيران 2024
هناك أماكن بحيث ان التاريخ سواء يذكرها ايجابيا او سلبيا من حيث الاحداث التي جرت فيها، لا تبقى فقط محفورة في الذاكرة، بل أنها تترك أثراً يجعلها مميزة اكثر من غيرها. هكذا وان كانت الكتب المدرسية تُخصص لها بضعة أسطر، وروايات المغامرات تجعلها تفيض بالخيال، والأفلام تجعل كل شيء مثيراً، حتى ان كانت دراماتيكية، وكذلك غالباً ما تجعل الديانة في حد ذاتها تلك المشاعر الإنسانية والروحية ملموسة للشعوب، ويمنحها تعبيرات فنية كبيرة. ولكن لا شيء يمكنه ان يبرر ما فعله أولئك الذين تسببوا وجلبوا معهم عواقب الدمار الثقافي، ولن يكون من الممكن على الإطلاق الدفاع عن أفعال كان ينبغي لها أن تكون مختلفة.
كل من يصل إلى سانت دومينغو، الجزيرة الكاريبية الكبيرة التي وصل إليها كولومبوس في رحلته الأولى إلى جزر الهندو، ينجذب على الفور إلى ما يسمى “سيوداد كولونيال”، أول مستوطنة إسبانية لا تزال تحتفظ بشوارعها الأصلية بأسماء عالية الشهرة (إيزابيلا الكاثوليكية، بويرتا غراندي، وكالي ديل كوندي، وغيرهم)، اليوم اصبحت مزدحمة الى حد ما من خلال الأرصفة الواسعة لجذب السياح الذين يبحثون عن المحلات التجارية والساحات الصغيرة التي تنشطها الفرق الموسيقية الصغيرة التي تعزف الميرينجو والباشاتا والسالسا. لا يمكن للمرء إلا أن ينبهر بطبيعتها، وفي كثرة النباتات المورقة والملونة والفواكه الاستوائية والمناخ الدافئ الرطب بشكل دائم.
كولومبوس، بعد تقلبات طويلة وصلت به الى حد الموت، مدفون هنا، في متحف الضريح.
الكاتدرائية الاولى في أمريكا
اليوم، مع وجود مزيج كبير من السكان من الأوروبيين الأفارقة، تعد سانت دومينغو الوجهة المرغوبة للأوروبيين والأمريكيين الذين يصلون بأعداد كبيرة بالطائرات والسفن السياحية. أولئك الذين يحبون التاريخ والثقافة يتوقفون في سيوداد، وأولئك الذين يحبون البحر وشواطئه يتوجهون الى اماكن اخرى.
تفتخر كاتدرائيتها الإسبانية الرائعة، سيدة التجسد، بنصف ألف عام من الحياة وقد اعلنها بولس الثالث (1546) الكاتدرائية الاولى في أمريكا بناءً على طلب تشارلز الأول ملك إسبانيا، عندما كانت كنيسة روما تحاول إعطاء الصبغة القانونية للتبشير الأول الذي قام به الفرنسيسكان.
يظهر في سيوداد كولونيال، اثار مزخرفة تركها أفراد العائلة المالكة الاسبانية وأيضًا القادة والأساقفة؛ يتم الآن الاهتمام بهذه المباني من قبل الإدارات الديمقراطية (بعد عدة عقود من الأنظمة الاستبدادية) التي تعرف جيدًا مدى كون السياحة التاريخية والثقافية مصدرًا اقتصاديًا مهمًا للبلد. إنها آثار مهمة، سواء بالنسبة للثقافة أو الفن، وتضفي هيبة على المدينة.
هنا أخضعت القوة الاستعمارية الهنود الحمر الذين اختفوا الآن تمامًا، على الرغم من وعظ أنطونيو مونتيسينوس الدومنيكي (+1540) الذي دافع عنهم ضد سوء معاملة المستعمرين لهم؛ بحيث تم تخصيص تمثال كبير له. هنا كانت البحار موبوءة بالقراصنة (من لا يتذكر فرانسيس دريك، 1586) الذين نهبوا الثروات، وانتهكوا قدسية الأماكن، وفرضوا ضرائب هائلة على السكان، وغادروا لمغامرات أخرى.
الكاتدرائية الامريكية الاولى
في هذه الكاتدرائية الأمريكية الأولى، المتزينة من الداخل بالفن الغوطي ذات التقاطعات الكثيرة والتي تخلق إعجاباً بزواياه ذات الأشرعة التي تشكل الهيكل الكبير للبازيليك، قمت بتأسيس جماعة فرسان القبر المقدس في اورشليم، تاريخيا تعتبر الأولى في جميع جزر الأنتيل؛ الفرسان والسيدات الجدد يشكلون المجموعة الأولى، بما في ذلك الغواتيمالايين الهندو، وأريد أن أقول انها أجمل رمز تشير الى “الفروسية” الجديدة بدون خيول، وبدون سيوف أو مطرد، وبدون رغبات للغزو، ولكن بروحية لخدمة الأرض المقدسة، والاهتمام بمشاريع تربوية واجتماعية تهدف الرهبانية من خلالها إلى تربية السلام والاحترام للجميع، وإبقاء حلم المسيح حياً، الذي يتمناه من ان تصبح اورشليم مكاناً مقدساً لتجلّي الله العلي الذي يحب الوئام بين الشعوب كإخوة جميعاً.
نحن اليوم مدعوين الى احترام جامعية العالم التي تختلف تماماً عن ذلك الاستعمار المدمر الذي لا يمكن للتاريخ أن ينساه، ولا ينبغي له أن ينساه. إنه خطأ لا يغتفر بحيث أن الشعوب الأصلية لم تعد موجودة في هسبانيولا القديمة. وفي مكانها نجد اليوم حقائق أخرى مع ثقافات جديدة ولغات أوروبية؛ والآن أصبح لديهم أيضًا تاريخ طويل وتقاليد جميلة يجب احترامها حتى لو كان غياب أولئك الذين لم يعودوا هنا ملحوظًا.
إن السيدات الجدد والفرسان الجدد في سانت دومينغو، جنبًا إلى جنب مع الفارس الغواتيمالي الجديد، الذي جاء مع عائلته الشابة للدخول الى جماعة القبر المقدس، يظهرون إحساسًا بالكاثوليكية المنفتحة، ويجسدون مشروع المساواة بين الشعوب المختلفة والعالمية التي تعتبر من مباديء الجماعة الجديدة؛ اننا نريد أن نفكر في مدى إمكانية أن تعيش الشعوب المختلفة مثل هذه التجارب الفريدة، مما يفتح السيناريوهات على أماكن أخرى أيضًا؛ والنظرة تتجه نحو أفريقيا وآسيا؛ نحن نتحدث عن قصص شعوب، على الرغم من اختلافاتها، متحدة ليس فقط بسر المسيح، ولكن أيضًا بخطة تهتم بالسلام والتعايش في أرض يسوع وتتحمل مسؤولية أيضًا في البلدان الذي ينشأ منه كل فارس وسيدة.
الكاردينال فرناندو فيلوني
حينما نعيد قراءة الاحداث، تظهر حقيقة أن التاريخ لا تظهر أبدًا كخط مستقيم، كما أننا لا نملك السيطرة الكاملة عليه. لكن المعرفة نعم، في التقييم والفهم ليس فقط على المستوى العاطفي، ولكن أيضًا في معالجة ذلك الغنى من الأحداث التي، بالرغم من قدراتنا على رؤية الجمال فيها، فانها في نفس الوقت، لا يمكن ان نتجاهل ما يمكن ان تتركه من اثار سلبية في نقسية الانسان والصدمات التي يتعرض لها: انه تحذير للجميع.
فرناندو كارد فيلوني – المعلم الكبير لجماعة فرسان القبر المقدس. والرئيس الفخري لمجمع تبشير الشعوب.