إشكالية أسلمة المسيحيين بالاكراه، وأسلمة القاصرين! أليس ثمة خطأ في التفسير؟
الكاردينال لويس روفائيل ساكو
“متخصص في الفقه الاسلامي”
يتطلع كل مواطن الى ان يعيش حقوقه المدنية والدينية كاملة، كما تطالب به شرعةُ حقوق الانسان، اي حرية الضمير والتفكير والمعتقد. لذلك يتعين على الدولة ان تضمن حقوق وواجبات جميع المواطنين على اختلاف انتماءاتهم، وان تتعامل معهم على قدم المساواة. هذا الأمر معمول به في معظم دول العالم والتي تحاسب المواطن على واجباته الوطنية، وليس على دينه عملاً بالقاعدة الذهبية: “الدين لله والوطن للجميع”.
في العراق وبعض الدول الاسلامية يعاني أشخاص مسيحيون إشكالية إكراههم على إعتناق الاسلام من قِبل المتطرفين كعناصر القاعدة أو داعش، ويتم تسجيلهم في دوائر الاحوال الشخصية مسلمين، ولا يحق لهم العودة الى دينهم المسيحي بسبب ما يسمى بقانون “الرِدّة”. كما يشكو المسيحيون من أسلمة القاصرين في حالة اعتناق أحدِ الوالدين الاسلام.
نتيجة هذا التمييز والظلم وغياب العدل وعدم توفر النوايا للحل، توجّه المسيحيين، أصحاب الأرض الأصليين الى الهجرة، لان من دون منظومة العدالة والقضاء وأمن الدولة، لا يطمئنون على حياتهم وحريتهم ومعتقدهم.
أتساءل هل تكفي الشهادة اللفظية ليصير المرء مسلماً؟ أليس هذا تفسيرأً خاطئاً؟ الدين في جوهره هو علاقة بين الله وعباده، وغايته الهِداية، وليس الفرض. كما ان الإيمان قناعة شخصية ومعرفة واختيار واع وليس إكراها تحت التهديد. أليس هذا نوع من استعباد الحرية الشخصية؟ يقول القرآن الكريم: “فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ” (سورة الغاشية 22) هذه هي قاعدة ذهبية للعلاقة بين الاديان. فالمسلم الحقيقي يكون ناصحاً وليس محاسبا للناس، وعليه ترك الحكم “الدينونة” لله.
الاحظ ان المسلم الذي يتحول الى ملحد لا يُحاسب، بينما اذا انتقل الى دين سماوي أخر يحاسَب بأشد العقوبات. كما يحق للمسلم الزواج بمسيحية (والتي غالباً ما يُفرَض عليها الاسلام)، في حين لا يحق للمسيحي الزواج من مسلمة، والمسيحي يحترم بقاءها على دينها. اين العدالة؟
في هذا الإطار، اتوجَّه الى القضاء العراقي، وهو عنوان العدالة، بطلب النظر في كذا حالات وايجاد حل ملائم ومناسب لعودة هؤلاء الاشخاص الذين اجبروا على الاسلام تحت التهديد، الى دينهم المسيحي، وكذلك ترك القاصرين على دينهم الى حين بلوغهم سن النضج، حينها يتاح لهم اختار الدين الذي يشاؤون. ينبغي إصلاح القوانين القديمة الموروثة التي تتعارض مع الواقع المعاش المتغير عن القرون الوسطى!
أن يكون الاسلام دين الدولة الرسمي، لا يعني انه يُلغي التعددية. هناك بعض الدول لا يزال دينها الرسمي المسيحية، لكنها تحترم حرية الأشخاص في اختيار الدين وممارسة شعائره بحرية. اسلامية الدولة او مسيحيتها لا يعني ان يكون جميع مواطنيها مسلمين او مسيحيين بالقوة، بل ان تحافظ على حق المواطنين وحريتهم في إعلان دينهم. هذه الحرية لا بد ان تأتي عاجلاً ام آجلاً كما حصل في البلدان الاوروبية بعد الثورة الفرنسية حيث كانت المسيحية دين الدولة وتفرض بالقوة. لنتذكر صرامة محاكم التفتيش؟
الدولة كيان معنوي لا دين لها، إنما الدين للأفراد يختارونه عن معرفة ووعي وحرية. على الدولة ان تُعلِّم الناس احترام الآخر، والقانون، والمال العام، ومحبة الوطن.
يؤكد القرآن: “لا اكراه في الدين” (البقرة: 256)، أي لا تكرهوا على الدين الإسلامي من لم يشاء الدخول فيه. ويقر بالتوراة والأنجيل “نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ” (سورة أل عمران 3و4). “وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ” (سورة المائدة 82). واقرّ بميلاد المسيح المعجزة وببتولية مريم “وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ” (آل عمران 42).
وهناك آيات أخرى تعترف بالمسيحية وتشيد بها. لذا ينبغي التمييز بين هذه الآيات الجميلة والايات الظرفية، والتعامل معها بعقلانية وواقعية.
والرسول ذاته تزوج بمسيحية “خديجة بنت خويلد، ولم يتزوج بأخرى في حياتها، لان لا يوجد في المسيحية تعدد الزوجات! وكانت له علاقة وطيدة مع قس مكة ورقة بن نوفل القريشي، ابن عم خديجة.
الغلو الديني الايديولوجي مشكلة كبيرة لانه يُقصي الآخر، لذا ثمة حاجة لبناء رأي ديني منفتح ومستنير كما تفعل الكنيسة لان العالم تغير وكذلك الثقافة وعقلية الناس. وأسأل ماذا قدم الاسلام السياسي للاسلام وللمسلمين؟
اتمنى ان ترفع خانة الدين من كافة وثائق الاحوال الشخصية كما هو معمول به في بعض الدول الاسلامية العربية.