الحياة والموت
(تأمل بمناسبة الصوم الكبير)
الكاردينال لويس روفائيل ساكو
لم يُخلَق الانسان حتى يبقى شاباً مدى الحياة، فهو يعيش ظاهرة الموت في كلّ لحظة. انه يولد ليعيش حياة صالحة مثمرة، وليموت ميتة صالحة!
الانسان مهما كانت قوته وذكاؤه فهو مُعرَّض لخطر الموت في أيةِ لحظة، ولا يملك سيطرة مطلقة على حياته. مهما طال به العمر أو اتّخذ من التّحصينات، فالخطر يحيط به منذ الولادة عن طريق المرض أو حادث طارئ، لذا عليه أن يدرك ويعترف ويواجه بصدق وشجاعة حقيقية انه سائر نحو هذا الواقع. صحيح أن إتباع الارشاد الصحي واختراع أدوية، اطال عمر الإنسان من معدل 30 عاما قبل القرن الثامن عشر الى معدل 80 عاما اليوم، لكن هذا لن ينقذه من الموت المحتوم.
ثقافة الحياة وثقافة الموت: سنفهم الموت عندما ندرك معنى الحياة، اي عندما نعرف كيف نعيش، وكيف نموت. طبيعيّ ان نحبّ الحياة التي لا أجمل منها، لكن علينا الّا ننسى أن الموت محتوم، وينبغي أن نستعدّ له.
لا تسأل كم سنة عشت، لكن إسأل كيف عشت؟ وماذا حقَّقت. تذكّر مقولة الفيلسوف اليوناني الكبير سقراط “اعرف نفسك”! افعل الخير للصالح العام وابحث عن رضى الله وخدمة الناس اخوتك.
هناك من كان عمرهم قصيراً، لكنّا نذكرهم كعمالقة فيما حققوه للبشرية. اذكر طبعا السيد المسيح الذي مات وعمره 33 سنة، كيف استطاع أن يغيّر العالم. وثمة اخرون عديدون كان عمرهم قصيراً نسبياً لكنهم أبدعوا في حياتهم كالمخترعين والفنانين والاُدباء.. الموسيقار العالمي موزارت (مات وعمره 35 سنة)، والرسام الايطالي البارع رافائيل (37) وكذلك الهولندي فان كوخ (37) وتطول القائمة…
نعمة عظيمة، مَنَّ الله بها علينا، أن نولد ونعيش، لذا يتحتَّم علينا أن نعيش حياتنا بالتوازن والجهد المتواصل للنمو والارتقاء، دون خوف أو تردد. الحياة ذوق وفن ومباديء وأخلاق!! ما جدوى الحياة اذا كانت عبءً علينا وعلى الاخرين؟ لا ينبغي أن نضع المصالح فوق الاخلاق كما هو شائع للأسف في “مجتمعاتنا”، بل علينا ان نفعل الحَسَنات لتكون لنا ذاكرة حية في فكر وقلب من عاشرناهم واحببناهم وساعدناهم!
بالنسبة لنا نحن المسيحيين، نؤمن بأن قيامة المسيح من الظلمة الى النور، ومن الهشاشة الى القوّة ومن المعاناة الى الحرية، تشحن رجاءنا بكونها عربون قيامتنا: “فإِنَّنا لا نَهدِفُ إلى ما يُرى، بل إلى ما لا يُرى. فالَّذي يُرى إِنَّما هو إلى حِين، وأَمَّا ما لا يُرى فهو لِلأَبَد” (2 قورنثية 4/ 18)، لذلك اننا “نفتخر بالرجاء الذي فينا من الله وليس هذا فقط، بل في الضعف” (رومية 5/ 2).
صوم مبارك
واستعداد رائع للاحتفال بالفصح والقيامة