مخلوق” جديد خوارزمي؟
بقلم الكاردينال فيرناندو فيلوني
ترجمة الخوراسقف غزوان بحو شهارة
كثيرة هي التساؤات حول الذكاء الاصطناعي. ” اتمنى ان لا يسلبنا الذكاء الاصطناعي متعلة تلك الرحلات الروحية الكثيرة التي تعبر حياة رجال ونساء اليوم والغد، وان تجعلنا نترك الصلاة، وان لا تقلل من الحياة الجماعية، وان لا يقودنا الى الفكر الواحد”.
حينما سالت احد علماء الآثار عما إذا كان من الممكن التعرف على قطعة أثرية قديمة من الطين من قطعة أثرية حديثة مزورة، فاجابني بأن اللمس هو معيار التقييم الأولي والفوري. ومن الواضح ان هناك معايير اخرى تتبعه. وأوضح أن مسامية الخزف تكتسب بمرور الوقت، ومن المستحيل ان يتم خلقها في قطعة خزفية حديثة الصنع حيث يظهر سطحها مباشرة على أنه أملس. هذا معيار تجريبي، لكنه يبدو صالحًا عند التقييم الأول بين العديد من الأشياء المزيفة التي نواجهها في كل مكان والتي يريدون بيعها لك.
في زمن غمرتنا فيه الأخبار بمختلف أنواعها، ما هو المعيار الصحيح مبدئيا للدفاع عن النفس وتمييز الأخبار الحقيقية من الأخبار المزيفة؟ وهذ السؤال الذي يطرح نفسه هو بسبب نقل الأخبار بشكل سهل جدا. لم يعد مناشدة العقل كافية، بينما نتحدث في كل مكان عن ما يسمى بالذكاء الاصطناعي الذي يمكنه التفكيك والبناء وجعل الأخبار متحيزة وحتى ان تكون خداعة.
في هذه الأوقات المعقدة التي ينغمس فيها الكثيرون في تعلم كل إمكانية جديدة للتواصل والتأثير في حياتنا، ندرك أن الثروة التي يحملها الإنسان في داخله توضع في مزهريات خزفية رديئة، وفقًا لتعبير مناسب جدا لماربولس الطرسوسي، الذي كتب إلى مسيحيي كورنثوس ” على أَنَّ هذا الكَنْزَ نَحمِلُه في آنِيَةٍ مِن خَزَف لِتَكونَ تِلكَ القُدرَةُ الفائِقَةُ لِلهِ لا مِن عِندِنا (راجع 2 كو 4: 7)؛ انه قطعة أثرية قديمة، إذن، كياننا ووجودنا، يعود تاريخه إلى الزمن الذي شكله فيه الخالق بالتراب ونفخ فيه الحياة والذكاء والحرية. باختصار، بهذه المواهب، اتكلم من الناحية الكتابية، خلقه على صورته ومثاله. لقد امتدت مسامية الوجود البشري إلى آلاف السنين وهي غير قابلة للتكرار من الناحية التكنولوجية؛ حتى لو أردنا اختزال كل شيء في أرقام ومجموعات خوارزمية، فسيظل هذا وجودًا “سلسًا”.
والسؤال الأساسي هو هل الباحث من “وادي السيليكون” أو سواء من اي جهة اخرى قد كرّس نفسه لهذه الدراسة التي أعطت الحياة للمخلوق الجديد الذي خرج من يديه، والذي نسميه الذكاء الاصطناعي، فيه بعض “التشابه” مع تلك التي لله تعالى؟ الله الذي، بحسب سفر التكوين، خلق السماوات والأرض، حينما كانت خربة وخالية، بينما الظلام كان يغطي الهاوية (راجع. تك 1: 2)؟ ان “المخلوق الجديد”، على الرغم من أنه جميل جدًا، إلا أنه يبدو أكثر تواضعًا بالنسبة لي. إنه يستخدم الخليقة ولكن بالرغم من اننا ننبهر بمهارته؛ الا اننا ربما قد فقدنا الإحساس بجودة ونسب الخلق الإلهي واكتفينا بسرب من الأرقام والخوارزميات. على أية حال، السؤال التالي هو: ما الذي سينفخه في “صنعته”، متذكرًا أنه في الكتاب المقدس، خلق الله الإنسان ذكرًا وأنثى (راجع تك 1: 27)، مقدمًا لهما علاقات حية وشركة أرواح وأجساد وتلك السلطة على الخليقة التي لا ينبغي لها أن تدمر نفسها؟
هل سنحتاج الى اعادة كتابة الكتاب المقدس؟ سألني صديق. وفي الحقيقة، حتى الدين لن يفلت من منظور هذا المخلوق الجديد، الذكاء الاصطناعي، الذي يفتقر إلى الضمير، بينما تنحصر قدسيته في منطق صانعيه. هل سيحصل على الحرية؟ هل سيكون له محاذير؟ هل سيكون قادرا على ارتكاب الخطايا؟ هل سيتمكن من أكل الثمرة المحرمة؟ هل سيكون قادرا على الحب؟ هل سيكون له الحق في الفداء؟ وهل سيستطيع الصلاة؟
بالفعل! الصلاة هي أبسط وأشد شوق فطري في قلب الإنسان. لم ينقطع ابدا خلال التاريخ احدا لم يصلي حتى ولو في بعض الأحيان. ربما دون أن تعرف لمن، كما هو الحال عندما تتضرع إلى والدتك، حتى لو لم تقابلها من قبل.
تحدث أوغسطين ايبونا عن الصلاة؛ الجزء الأكثر إثارة للاهتمام هو الجزء المتعلق بالسيرة الذاتية. لقد فعل ذلك بالإشارة إلى نفسه، وكانت النتيجة التي تصف، أود أن أقول بطريقة نموذجية، ان مراحل صلاتنا والتي لا يمكن للخوارزمية أن تخلقها من قلبه الغير الموجود بالاساس.
وقال إنه عندما كان صبيًا (قبل ايضا اقتبال المعمودية وفقط من تعليم والدته) لم يكن يصلي كثيرًا من أجل الحصول على بعض المودة تجاه الله، ولكن حتى ينجو، في اليوم التالي، من ضرب معلمه السييء (اعترافات، 1.9، 14)؛ ثم عندما كان شابًا، في غضم نشوة ما بعد البلوغ، صلى لئلا تطغي عليه الهوى، فلا تُنزع منه فورًا (أعترافات 8، 7، 17)! وفي مزيج من الأزمة والانفصال عن التربية الأسرية، تغير محتوى الصلاة، مطالباً بتحقيق تطلعاته الجدلية والفلسفية والمهنية؛ لكنه سرعان ما أدرك انحطاط وغرور هذه الصلاة (أعترافات 3، 4، 7)؛ بسبب خيبة الأمل، وقع في المانوية السائدة آنذاك، كنوع من التحرر تقريبًا، حيث وجد نفسه مع صلوات رسمية وبدون رفعة؛ لقد كان سببا لخيبة أمل جديدة وأعمق. لذلك يعترف اوغسطين أنه بدأ يبحث، وسط مخاوف كبيرة، عن سبب وعكته وطبيعة اكتئابه. وفي شكل من أشكال الروحية السنفونية العليا، اعترف للرب: “لقد حولتني إليك، وبشكل كامل، لدرجة أنني لم أعد أبحث عن زوجة أو تقدم في هذا العالم” ( اعترافات 8، 12، 30). ثم نال المعموذية في الكنيسة الكاثوليكية.
آتمنى ان لا يسلبنا الذكاء الاصطناعي متعلة تلك الرحلات الروحية الكثيرة التي تعبر حياة رجال ونساء اليوم والغد، وان تجعلنا نترك الصلاة، وان لا تقلل من الحياة الجماعية، وان لا يقودنا الى الفكر الواحد”. وإذا ظل ضمن الحدود المقبولة، فإنه سيكون “مخلوقًا” مفيدًا للغاية للبشرية.
الكاردينال فيرناندو فيلوني
المعلم الكبير في جماعة فرسان القبر المقدس. الرئيس الفخري لمجمع انتشار الايمان للشعوب