“كُلُّ مَملَكةٍ تَنقَسِمُ على نَفْسِها تَخْرَب،” (متى 12/ 25)
المطران حبيب هرمز
رئيس أساقفة البصرة والجنوب
زارنا مسؤول ديني مسلم وأبدَى المه لما يحصل في بلدنا الممزق. فقلت له ما قاله يسوع المسيح من ان “كُلُّ مَملَكةٍ تَنقَسِمُ على نَفْسِها تَخْرَب”، فابدى إعجابه الكبير بالقول. ثم حكيتُ له قصة الرجل الذي سكنته الأرواح الشريرة في انجيل مرقس (الفصل 5) والتي تعمق في شرحها اللاهوتي فالتون شين في كتابه سلام النفس.
نزل يسوع من السفينة بعد رحلة بحرية الى ناحية الجراسيين. فتلقاه رجل فيه روح شريرة كان يقيم في القبور. كان الناس كلما يربطونه بسلاسل لعنفه، لكنه كان يقطعها، ثم كان يضرب نفسه بالحجارة، فحصلت لديه رضوض عديدة. وكان في الليل والنهار يتجول بين القبور في منطقة جبلية.
ولكن عندما رأى الرجل يسوع هرع اليه قائلا “ما لي ولَكَ، يا يَسوعَ ابنَ اللهِ العَلِيّ أَستَحْلِفُكَ بِالله لا تُعَذِّبْني”. فقال له يسوع “ما اسمك” فقال “لجيون” وتعني الكلمة كتيبة” فأمر يسوع الروح النجس بالخروج من الرجل، ولكن الروح الشرير توسل ان لا يرسلهم الى خارج الناحية. وطلبت الدخول في قطيع خنازير (قدر عددهم بـ 2000) فسمح يسوع لهم وارتبكت الخنازير ثم سقطت في البحيرة بجانب المكان.
قام رعاة الخنازير بالهرب الى المدينة والمزارع لخوفهم. فجاء الناس وشاهدوا الرجل قد رجع طبيعياً فخافوا أيضاً وطلبوا من يسوع أن يتركهم.
وعندما أراد يسوع الصعود الى السفينة طلب الرجل أن يرافقه فرفض الرب وطلب منه ان يعود الى بيته ويخبر أهله بما حصل له.
هذا الحدث يشير الى عمل الشرير وعمل الله. فالرجل كان يعاني من صراع داخلي نتيجة عمل الروح الشريرة فيه حيث جعلته في حالة ثلاثية النبذ:
منبوذاً من قبل ذاته أي يعاني الإغتراب الداخلي،
ومنبوذاً من الناس بحيث كان تائهاً بين القبور الجبلية،
ومنبوذاً من الله حسب عقلية اليهود ذلك الوقت لأنه كان يعتبر نجساً ولا أمل له في الخلاص وقبول رحمة الله.
والخنازير كانت ولا زالت نجسة عند اليهود والمسلمين كما كانت قبل عند السومريين والبابليين، لذلك لا يمكن للروح الشريرة أن تعيش وسط الجماعة فاختارت الدخول في الخنازير. والنتيجة كانت هلاكها في البحر وهو رمز للعالم الفاسد. البحر هنا رمز كتابي للموت ويذكر عدة مرات منها الطوفان وغرق جيش فرعون وغيرها.
ما فعله يسوع هو:
خلَّصه من إغترابه الداخلي فشفي، أي تصالح مع نفسه ونال السلام الداخلي.
خلَّصه من اغترابه مع الجماعة فاعاده الى أهله ليعيش معهم وبينهم بفرح وإطمئنان.
خلَّصه من إغترابه مع الله فتبعه حتى السفينة. لكن يسوع ذكَّره برسالته في إعلان بشرى يسوع للعالم بحيث يقول إنجيل مرقس انه بشر المدن الوثنية العشر.
واليوم الناس يتصارعون بسبب ثلاثة دوافع:
الأنا التي تتحول الى أنانية قتالة.
الأنا العليا التي يعبدها الكثيرون.
اللاوعي أي أعماق الشخص غير الظاهرة على سطح العلاقات العامة فتبقى مكبوتة وأحياناً تظهر الى العلَن. تكون مخزونة وتطلق في وقت الأزمات فمئلاً اذا تكلم شخص ثم يعود ويعتذر عمّا تفوَّه به بحجة انها “زلة لسان” ولم يكن يقصد، لكن الحقيقة أنه أخرجَ ما في داخله من مشاعر مخفية.
اذا كان الشخص بعلاقته مع المسيح يستطيع الشفاء فعليه لا ان يكتفي بالعمل لأجل (الأنا) ولا لأجل رموز المجتمع العليا (الأنا العليا) الذين قد يدمرون جيلاً باكمله، بل ان يعيش يومه مجدداً لا مقلداً، فاللاوعي يجعله كالأعمى سرعان ما يسقط في الحفرة ولا يجد من ينقذه. لذلك هذا الرجل نال شفاء (الأنا) وساهم في شفاء (الأنا العليا) والتخلص من (اللاوعي الذي كان يدمره بضرب جسده الحجارة