الصلاة الصامتة أو صلاة القلب
الكاردينال لويس روفائيل ساكو (روما)
المسيحيون نساءً ورجالاً وأطفالاً هم أشخاص صلاة، وبالرغم من أن الصلاة لا تقدم حلولاً لصعوبة الحياة وصعوبة التعامل مع الناس، إنما تُلقي نوراً عليها، وتوطّد الرجاء في تطلّعاتهم. هذه نقطة حاسمة وديناميكية مدهشة.
من هذا المنطلق أنشر هذه الخاطرة عن الصلاة الصامتة أو صلاة القلب لمساعدة المؤمنين على فهم معنى الصلاة والحوار مع الله.
لا توجد في ليتورجيتنا الشرقية (الاحتفال بالقداس والأسرار وصلوات الصباح والمساء) أوقات صمت كما في الليتورجيا اللاتينية.. ليتورجيتنا فيها كلام كثير، بالرغم من نداءات الشماس المتكررة: كونوا صامتين وهادئين. لذلك أدخلنا في تجديد طقوسنا لحظات صمت، بعد الموعظة، ورتبة التوبة، وبعد المناولة.
الصلاة تعني الصِلة – العلاقة، الربط. الصلاة تربطنا بالله. والصلاة الصامتة أو صلاة القلب (مركز المشاعر) زمن ملائم لاستقبال الله في داخلنا. فيها نركّز على حضور الله الذي يكلّمنا بدل التركيز على حاجاتنا وطلباتنا. يقول الانجيل: “أَمَّا أَنْتَ، فإِذا صَلَّيْتَ فادخُلْ حُجْرَتَكَ وأَغْلِقْ علَيكَ بابَها وصَلِّ إِلى أَبيكَ الَّذي في الخُفْيَة، وأَبوكَ الَّذي يَرى في الخُفْيَةِ يُجازيك. وإِذا صلَّيْتُم فلا تُكَرِّروا الكلامَ عَبَثاً مِثْلَ الوَثَنِيِّين…، لأَنَّ أَباكُم يَعلَمُ ما تَحتاجونَ إِلَيه قبلَ أَن تَسأَلوه” (متى 6/ 6-8).
الصلاة الصامتة هي أن تغمض عينيك وتدخل الى عمق كيانك الداخلي، لينفتح قلبك على نداءات الله التي يسميها الكتاب المقدس “الدعوات”. ممارسة الصلاة الصامتة – التأملية تدخلنا في حيّز أكبر من التفكير والتأمل والعلاقة الروحية – الصوفية: “يا رب، اجمع عقلي نحوك، وحوّل قلبي إليك” فيلوكسينُس المنبجي (440-523).
لصلاة القلب بُعد أنثروبولوجي خاص نختبر فيه الحس الداخلي. إنها إصغاء داخلي مكثَّف على وقع تنفسنا. انها بمثابة الاوكسجين لكي نعيش “أُصمُتْ أمامَ الرَّبِّ واْنتَظِرْه” (مزمور 37/ 7).
الصلاة الصامتة الى حدٍّ أشبه بصلاة المزامير: “أمَّا نَفْسي فبِالرَّبِّ تَبتَهِج وبِخَلاصِه تفرَح”(35/ 9). في الصلاة الصامتة والليتورجيا التي “نهضمها” يقودنا الروح القدس ويُسانِدنا على الارتقاء الى عالم الله.
ممارسة الصلاة العميقة، أي روحانية “الحبّ الالهي – وصوفية القلب”، كما نجدها عند العديد من الروحانيين المشرقيين: يوحنا الدلياثي، وشمعون ده طيبوثيه، واسحق النينوي وسهدونا، تُتيح للمؤمن الاتحاد بالله عبر السجود والاندهاش والشكر. وتجلب له البركة والقوّة والنور والسلام والبهجة وسط كفاحه اليومي. صلاتُه تَضُمُّه إلى صلاة يسوع وتتأسَّس عليها.
الله يتكلم من خلال الصمت الناعم أي الصمت الجسدي والنفسي والروحي. إنه يعمل في المصلّي عندما يضع نفسه في حالة من الانقياد التام والهادئ لعمل الله: “لقَد خَرِستُ ولا أَفتَحُ فَمي لأَنَّكَ أَنتَ الفَعَّال” (مزمور 39/ 10).
الصمت الخارجي يعني التوقف للحظات قليلة لإدراكه، وتحييد الضوضاء والتشتت المزعجين. الصمت الخارجي نتيجة صمت الشخص الداخلي.
بالنسبة لليتورجيا يجب عدم الحركة لان الهدوء والخشوع ضروريان للصلاة.
يوصي اسحق النينوي من القرن السابع، بالصمت: “أحبب الصمت أكثر من اي شيء آخر، فالصمت يقرّبك من الثمر الذي يعجز اللسان عن وصفه… لا تدري اي مقدار من النور سوف يشرق فيك” (كتابه: الطريقة ص 352).
يمكن ان نصوّب نظرنا بإيمان وحب نحو أيقونة معينة نختارها، أو صفة من صفات الله: المحبة والرحمة والحق، الله الآب والخالق.