الدستور العراقي وقانون الأحوال الشخصية
المطران حبيب هرمز
رئيس أساقفة البصرة والجنوب
مقدمة
من المشاكل التي يعانيها المسيحيون في العراق هو التحيّز في فهم الأحوال الشخصية بحيث ضاعت الكثير من حقوقنا في هذا البلد ونحن سكانه الأصليون. فمصطلح الأحوال الشخصية ليس من عادة الدول الإسلامية لأنه من وضع اللاهوتيين الغربيين حيث نظم أولاً في القرن الثاني عشر للميلاد.
ظهر المصطلح أولاً في مصر، في القرن التاسع عشر ثم في العراق سنة 1917 كمواد شخصية تحولت الى أحوال شخصية سنة 1921 بعد تأسيس الحكومة العراقية. وبعد سنتين، أي في 1923 تأسست المحاكم الشرعية. ولكن من أهم السنوات هي سنة 1959 حيث تم تشريع قانون الأحوال الشخصية لينظّم العلاقة في الأسرة.
ما هي الصعوبات التي يواجهها المسيحيون؟ أدناه بعض الفقرات التي توضح ذلك:
أولاً، هناك مشكلة، ان العلاقة في الأسرة عند الإسلام تختلف عن ما هو الحال في المسيحية؛ هناك نقاط مشتركة مثل شروط الزواج والنفقة والحضانة والولاية والوصي وغيرها. ولكن هناك نقاط اختلاف مثل الطلاق في الإسلام والمهر والقسام الشرعي وموضوع ديانة القاصر وغيرها.
ثانياً، من نقاط الإختلاف هو ما ورد في الدستور العراقي في المادة الثانية التي تؤكد ان الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدرٌ اساس للتشريع. ولا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع ثوابت أحكام الاسلام. وهذه الفقرة تتعارض مع حرية المعتقد، وقوانين الإرث، والأحوال الشخصية في ما يخص المرأة، ويذهب مفهوم المواطنة في مهب الريح.
ثالثاً، يقول الدستور انه لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع مبادئ الديمقراطية. ولا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور. بينما في محل آخر يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الافراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية، كالمسيحيين، والايزديين، والصابئة المندائيين. اذا كان الدستور وقانون الأحوال الشخصية تحمل هذه التناقضات فلا عجب ما يجري على ارض الواقع.
في سنة 1947 صدر عن الحكومة العراقية القانون رقم 32 لتنظيم المحاكم الدينية للمسيحيين. علماً انه كانت قد أصدرت القانون رقم 70 سنة 1931 للأرمن الأرثوذكس. لقد منح القانونان صلاحيات كبيرة لحل العديد من المسائل؛ وحتى اليهود في العراق كان لهم قانون. فوِفق القانون اذا تزوجت مسلمة من غير مسلم فالزواج باطل بسبب اختلاف الدين. ولكن هناك فرق جوهري في مفهوم الزواج ما بين قانون الأحوال الشخصية والتعريف الكاثوليكي. فحسب الأول الزواج هو عقد فقط بهدف الحياة المشتركة وانجاب الأطفال وفيه مقدم ومؤخر، بينما لدينا هو عهد يتبع طيلة الحياة على مثل اتباع الكنيسة للمسيح وفيه موضوع الفرح والإنجاب. كما ان الأول هو عقد عقلي بينما الثاني هو عهد من القلب الى القلب، ومن جهة اخرى، الإثنين يشترطان رضا الطرفين، وشرعا ليكون الزواج دائم.
وهناك مفارقة اُخرى وهي انه في حالة زواج مسيحية من مسلم فأولاً ان كانت بعمر أقل من 18 سنة (أي قاصر) فتُجبَر على إشهار الإسلام وترك المسيحية، أما اذا كانت اكبر فيترك لها الخيار في البقاء ولكن تُحرَج أمام إغراءات القاضي بان الإسلام أفضل لها من المسيحية، فاذا رضخت تعلن إسلامها، واذا اصرَّت تبقى مسيحية. وثانياً لن ترثه اذا مات، واولادها منه ليس لهم حق اختيار العقيدة الدينية، واذا كان لها اولاد من زوجها المسيحي (ان كانت متزوجة وتركت زوجها) وهؤلاء الأولاد اقل من 18 سنة فيُجبرون على جعلهم مسلمين بتغيير هوية الأحوال المدنية، وقد بذل مثلث الرحمة البطريرك مار روفائيل بيداويد مساعي في التسعينات فوافق حاكم محكمة التمييز في بغداد على أن يأتي الأولاد المسيحيين الذين اسلموا بالقوة الى المحكمة يوم يكملون 18 سنة (في يوم عيد ميلادهم) ويختاروا إما المسيحية أو الإسلام. إما اذا كان أولادها أكبر من 18 سنة فيتركونهم وشأنهم.
إن مشكلة غالبية بنات الكنيسة وأهاليهم لا يفقهن هذه الحقائق. ومعظم الحالات، وهي نادرة، تحصل لأسباب عاطفية (إما هروب من واقع البيت أو حالة حب يخبو بعد اشهر أو لإغراء مادي أو بسبب الغريزة) وفي هذه الحالات وبعد الفشل لا يجدن مخرج إلا بطلب اللجوء والهروب من البلد.
الختام
يتوضح مما ورد أعلاه مقدار الغبن الذي يتعرض له المسيحيون بحيث هم في الواقع مواطنون من الدرجة الثانية. ومن المفيد أعلاء صوت أصحاب الشأن المنادين بالعدالة كي يزيلوا هذا الغبن. ومن الضروري إنماء الوعي بذلك. كما نتمنى من الأخويات المسيحية الخيرية والكنائس ذات القدرة تشجيع شبابنا على الزواج ومساعدتهم ماديا رغم ظروفنا القاسية.
2017