تضليـــــل النــــاس
المطران حبيب هرمز
مقــــدمـــة
تضليل الناس ظاهرة سلبية تدخل ضمن ثقافة الموت عندما يقوم شخص بذلك كي يحقق أهدافه غير الأخلاقية. والظاهرة متفشّية في وسائل الإعلام الى حد أصبحت خطراً على البشر. لقد تدخلت الأمم المتحدة ومسؤولين في أغلب حكومات العالم وأعربت عن قلقها، والبعض إتخذ إجراءات تتراوح بين التوبيخ والصرامة. هذه محاولة لتسليط الضوء على الظاهرة وبحث سبل العلاج.
أسباب الظاهرة
لعل من أسباب تفشّي الظاهرة في المجتمع العراقي هو القساوة الحاصلة بعد عقود من الحروب. ويتحمل المسؤولين الجزء الأكبر لأنهم لا يبالون بمعالجته بجدية.
ماذا تتضمن؟
تتضمن الظاهرة قيام شخص أو مجموعة أشخاص أو مؤسسة ما بخداع الناس، أي الكذب عليهم واستغلال ضعف حاسة النقد والتمييز والتقييم لِما حصَل ويحصل فيصابون بالخدر ويسلمون أمرهم الى المخادع واشاعاته وتشويهه للحقائق وتلاعبه بمجريات الأمور والأحداث.
هذا التضليل يشمل جميع مناحي الحياة منها العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية: مثلاً تضليل شعب لتبرير الحرب، ونجد التضليل بين زوجين أحياناً فيهدم العائلة، وحتى في البيع والشراء من خلال تضليل المشتري.
إدانة الظاهرة في الكتاب المقدس
التضليل خيانة لأنه مخالفة للحقيقة ويؤدي الى الفوضى. الكتاب المقدس أدان ويحذرنا من المضلّل الدجّال. لقد ذكر المضلّل كمخادع في سِفر التكوين ومجرِّب في الإنجيل وكذاب أبو الكذب لدى يسوع المسيح، انه يذكرنا بتضليل الحية لحواء وآدم وتضليل قايين لهابيل وسلسلة التضليلات في أحداث الكتاب المقدس حتى سِفر الرؤيا. هذا التحذير وصل الى حد أن يسوع قال سيأتي من بعدي أنبياء كَذَبَة كثيرون وكان يقصد المسيحيين بالإسم حيث محتواهم فارغ. ويؤدي التضليل الى التيَهان كما حصل لقايين وحتى لإسرائيل، وعادة مَن يضلل هو شرير خارج عن المجتمع.
المضلل كتابياً يتمتع بالعمى الروحي لأنه لم يعرف حكمة الله. نجده يستقبل من هم على شاكلته من الفاسدين. وهناك رمز للمضلّل في الكتاب المقدس يطلق عليه مصطلح (لوياثان) أي الملتوي حيث ذكرته العديد من الأسفار منها الأنبياء والحكمة وحتى مار بولس وسِفر الرؤيا. هذا الشخص يكثر تواجده بين السياسيين حيث يلتوي حسب مصلحته فمع المصلّين يصلي والعكس بالعكس من أجل مصلحته.
اليــــــــوم
تطوّر التضليل حالياً ليستثمر في الحرام حيث التقدّم في وسائل الإعلام من خلال توفير إمكانيات تزوير الشهادات والصور المشوّهة ومقاطع الأفلام التي ساهمت في الوصول الى نتائج مضلِّلة كاذبة مثل تقديم معلومات غير صحيحة لنشر أفكار أو صور تمجد الكراهية أو العنصرية أو تحريف أحداث التاريخ وغيرها. أحياناً يتم التقاط صور لوجه شخص في ظرف ما وتعميمها كأنه كان متجهماً أو حزيناً لربط الكلمات بالصورة فيصدّق المشاهد، أو بكاء المضلّل كذِباً أو تهويل الحدث أو بثّ إشاعة أو إخافة الناس كي يقبلون بدعايتهم وغيرها. وهناك تضليل أثناء التحضير للإنتخابات بخداع الناخب وتسييره حسب رغبة المضلّل. يهتم المضلّل بالدعاية ويصدقه السُذَّج للأسف أو يغريهم بشيء ما يخدعهم به. هذا التصديق يتم بعد تكرار الدعاية الى أن تقتحم لاوعي الناس. أحياناً يرافق الدعاية حوارات مشوهة عِبر وسائل الإعلام أو إقحام شخصيات لها ثقل في المجتمع دون أن تدري بالفخ.
ما هو الحل؟
من الضروري علينا جميعاً مكافحة هذه الظاهرة لنتائجها السلبية على أفراد المجتمع من خلال السعي الى الحقيقة وكما قال يسوع المسيح (اثبتوا في الحق والحق يحرّركم). يجب الرد عليها بحرية رغم الخطورة ذلك لأن المضلّلون قد يستخدمون العنف تجاه من يفضحهم. تنص المادة 19 من إعلان حقوق الإنسان “ان لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية إعتناق الآراء دون أي تدخل وإستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية”. نجد أن المادة تخصّ استثمار هذه الحرية في الجانب الإيجابي. هذا يعني حق الشخص في البحث عن الحقيقة دون تدخل ما، وبضمن ذلك الأنباء المضللة.
هنا للشفافية دور في بناء الثقة في المؤسسات الإعلامية والّا ستفقد الثقة وتنمو بذور الشكوك وعدم التصديق ويتفشى الخداع والكذب. فالمفروض بمؤسسات الدولة ان تحاسب المضللين من خلال تثقيفهم باتجاه أعمال تهدف الى إنماء القيم المجتمعية وأولها الصدق وتحترم حقوق الإنسان وتحميه من المضللين وتثقيفه باستمرار. كما يجب فرض عقوبات على المضلّل ان لم يكن تجريمه بعد التاكد من كذب معلوماته. وبالمقابل نتمنى ان يتم دعم المصادر الشفافة كي تنمو نحو الأفضل.
أخيراً نشدّد على دور التربية والتعليم بدءا من العائلة