الراحل الشاب المطران ربان القس
قراءة في لقاء وثائقي معه لمجلة الفكر المسيحي
الخورأسقف نوئيل فرمان
مرت أيام على رحيل مثلث الرحمات مار ربان القس، مطران دهوك الفخري. خلال هذه أيام العزاء لرحيله، شهدنا في وسائل التواصل الاصداءات عنه، من قبل من عرفوه مسيحيين وغير مسيحيين، من مختلف المذاهب والقوميات. بحثت عن اشارة وفاء لمحبته وصداقته عبر سنوات الخدمة العلمانية والكهنوتية والزمالة بمعيته في المدرسة الدولية التي أسسها في دهوك. فلم أجد افضل من تقديم صفحات مؤونة عن لقائي الصحافي به موفدا إلى كوماني عن مجلة الفكر المسيحي بإدارة الاباء الدومنيكان التي مع مؤسسيها كهنة يسوع الملك، انتظم رعيلنا ومن سبقه بإكليريكية معهد مار يوحنا الحبيب،
رحلة البحث عن المقال والرسامة الكهنوتية للاب (المطران) فيلكس
للبحث عن المقال، ولعدد توفر الاعداد المنشورة خلال سنواتي في “الفكر المسيحي”، فقد امضيت وقتا في تصفح قرص الارشيف الليزري لأعداد المجلة عبر تاريخها عن طريق البحث عن السنة والعدد وفتح الصور المستنسخة عن كل مقال. ثم استذكرت الأم فيليب قرما رئيسة راهبات الكلدان آنذاك، التي زارتنا في المجلة مبشرة باختياره مطرانا (سنة 2002) مشيرة إلى المقال إياه. ثم تذكرت انني خلال معايشتي (للقس) ربان في كوماني، كان قد زارنا الكاهنان الجديدان الاب فيلكس والاب وسام. فوجدت المقال في سنة الرسامة الكهنوتية للاب (المطران) فيلكس 1998 والذي تشاء العناية الربانية أن يكون خلف المطران الراحل في ابرشية زاخو.
وقبل أن أدخل في صلب المقابلة، هذه بعض التلميحات.
تسليط الضوء على الحياة المشرقة للكهنة في القرى النائية
استجد لدى المجلة التي كنت نائبا لرئيس تحريرها الاب الدومنيكي (المطران) يوسف توما، ان ثمة حاجة لتسليط الضوء على حياة كاهن مثل أبونا ربان، كان قد امضى سنوات عديدة في خدمة قرى نائية. فأوفدتني المجلة إليه في قرية كوماني مكان ولادته، ومقر خدمته لها وقرى الجوار. وكان قد احتفل بيوبيله الكهنوتي الفضي، فعندما سألت في الكراج عن السيارات الى كوماني، دلني عليها أحد الاخوة الأكراد، وقال هي القرية التي فيها ذلك الكاهن الشاب…
كاهنان: في قرية كوماني وفي العاصمة عمان
وجاءت فكرة وضع ملف للقائين، الواحد مع فقيدنا (الاب) ربان والاخر مع الاب الأردني الراحل موسى عديلي الذي كنت التقيته، لأول مرة في قاعة الاحتفالات للمشاركين في المؤتمر المسيحي في بغداد، فأجريت اللقاء معه خلال مروري بعاصمة بلاد البتراء. وفي تقديم المقال الذي بفضل تطبيق الكرتوني حديث تم تحويل نسخته المصورة إلى نص… جاء ما يأتي :
الأبوان ربان القـس في قـرية عراقية نائية (كوماني) وموسى عديلي في عاصمـة متحضرة (عمـان)، كاهنـان علـى جانب من الثقافـة والحيوية، أمضى كـل منهما في خدمته أكـثـر مـن ربع قرن.. أحدهما يخدم في خورنة القريـة وقـرى الجـوار، والآخـر يـولي عنايـة خاصة للإرشـاد الروحـي والاهتمـام بالآخر.. ويلمـس القــاري الانتعـاش في حياتهما المكرسة، وبمـا يكشـف تعـدد نماذج الدعـوة الكهنوتيـة المعـاصرة المتجـددة.. وكلاهمـا يظـهرعنفوانـا يرجعه إلى المسـيح. واقتصر في هذا المقام، بين المقابلتين، على ما يخص الحبر الذي رحل عنا في هذا الايام.
الاب ربان القس: القرية أسرتي الدافئة
من قريـة كومـاني، إحـدى الخورنات الكلدانية ضمن محافظة دهـوك، تطالعنـا شهادة الاب ربـان حزقيـال القـس، الـتي تتمحـور حـول السؤال : هذا القـس الشـاب الـذي عـرف في معـهـد مـار يوحنـا الحبيب بحيويتـه وتفوّقـه.. مـا هي، يا ترى، حصيلـة حيـاتـه المكرسة للـرب روحـا وجـسـدا.. لتأتي الإجابـة بأسلوب الخطـاب المباشـر الـذي يحـدّث القـارئ ويتساءل معه، وأحيانا يختصـر لـه الطريـق إلى المتوقـع مـن المداخلات والاستيضاحات، نترك لـه الحديـث في استرسـال تلقـائي :
ما زلت أذكر عبـارة قلتها في خطـاب الرسامة الكهنوتيـة ( 7 أيار 1973): “ولـّى الزمـان الـذي كـان فيـه الكـاهن يكتفـي بقرع الناقوس، فيـهرع النـاس إلى القـداس”. فـإذا كـان الإنسـان بطبيعته ينشـد السـعادة، فـان الذي اختـار الحيـاة المكرسـة في الكهنوت، إنمـا يؤكـد أن هـذا ينسجم مع تطلعات حياته. ذلك أن مستقبل الإنسـان وسعادته همـا مـن صلـب رسالة الكنيـسة. ولها أن توليـه كـل الاهتمـام الـذي يستحقه، بحضورهـا المتفـاعل والحـي في الحيـاة والمجتمـع. والكاهن هـو الأنمـوذج الذي ينبغي بحياتـه وفرحـه أن يشـيع هـذه الرسالة. ليست مجلة الفكر المسيحي وحدها التي واجهتني بالسؤال عـن عـبرة حيـاتي الكهنوتيـة، بـل سـبق وأن طرحه علـي منـذ مطلـع خـدمـتي في كوماني، قبـل ربع قرن، اصدقاء غير مسيحيين.. وبقيـت الإجابـة في كف الأيام، قبل الكلام، كـي توضـع فيـها النقـاط علـى الحروف.
مكتبة وكرة ونظام
هنا أود أن أقول، وفي معرض الروح الرياضية لأخي الراحل، كان الصعود معه الشارع المؤدي إلى المدرسة الدولية بدهوك، مهمة شاقة، لخطواته العملاقة، ولسرعته. ومن ناحية أخرى، حدثني جانبيا، انه واجه احد الزوار الفرنسيين في كوماني، بقول الزائر بنوع من التندر ان الكثير منكم ليس له لياقة رياضية، كما نحن في فرنسا، فتواعد الأب ربان معه للصعود إلى الجبل، صبيحة اليوم التالي، وبعد ان شرب قدح حليب طازج، تسابق معه، وسرعان ما تركه منهارا من عدم اللحاق به، ودفع ثمن ذلك احساس خيبة كبيرة.
أما عما سوف يسميه نظام الطعام المقنن، فإن المرء، ما كان يجد في ثلاجته، لا بيرة ولا شيء من ذلك، بل ما قلّ ودلّ لزاهد مسؤول، واذا كان يزوره كهنة من خورنات او ابرشيات اخرى، حيث كانت كوماني محط استجمامهم، كانوا يتصرفون بشأن ما يشربون وما يأكلون بعيدا عن أنظاره. وتحدث العزيز الأب ربان في معرض اللقاء بالقول:
لقد لمست أن ثمة قناعات تساعد الإنسان على عـدم الذبـول، مع مرور السنين. تكمـن في أسـلوب استثمار الوقت في خدمـة فكـره وروحـه وصـحتـه الشـبابية : إنـها روحانيـة ملتصقة بمثال سام، مع الموازنـة مـع عـنـاصـر الرياضـة الملائمـة والطعـام المقنـن المناسـب والمكتبة المختـارة..
فلـن كنـت منـذ طفولتي محبـا للرياضـة، واديـر الآن ناديـا رياضيا، وهذا مـن بـاب الهواية المفضلة، بقيت اعتقـد أن علـى الإنسان أن يهتم بهوايـة أو يتخصص في انشغال قريـب إلى قلبـه. إنـه بحاجة، مهما كان سنه، إلى أن بروض جسمه علـى نـوع مـلائـم مـن الرياضـة ممـا يتطلب نظامـا غذائيا سليما، وهذا من أسس الحفاظ على الحيويـة. امـا الكـاهن، فهو قبـل غـيره بحاجة إلى نشـاط فكـري منتظـم ومـن ثـم الحاجـة إلى كتب منسجمة مع رسالته وشخصيته ، ليواكب أحـدث الدراسات والبحوث، وما ينتج عن ذلك من شغف بالدراسـة والبحـث والترجمـة، ممـا تعلمنـاه مـن منهجية ولغات في المعهد الكهنوتي.
وعرّج في حديثه إلى تجربة انجراف بعض الكهنة الى العزائم والولائم قال:
… كمـا أحسـب انـه ولّى الزمـان ايضـا، وفي الأقـل في رعيـتي، الذي فيـه يحـار المختار في جمـع قوت الكاهن ومؤونتـه وتنظيـم جدول وجبات طعامـه لـدى ابنـاء القريـة. فقـد أرسـيت هنا سـياقا لا يعتمد التواصل مع أبنـاء الرعيـة والناس، على مجرد الدعوات والولائم المتبادلـة. هذا السياق يحـرر الكاهن كثيرا مـن ضيـاع الوقـت والمجاملات ، ويتحاشى ترهـل الفكر والبـدن. فلم تعد ثمة حاجـات نشـر البشـــرى مرتبطـة بــــالتزام النـاس بتوفير الطعـام لـخـادم البشــرى، لنـدع كل أسرة مشغولة برزقها، واكـثر مـن ذلـك، أرى -وقـد سـعيت لأطبـق ذلـك-.
استثمار الأرض كوديعة ربانية بين الانسان
لقد آن الأوان للكنيسة، إن لم يكـن متـأخرا بعض الشيء، بأن تؤدي دورها “كأم ومعلمـة”، حسـب عبارة المجمع الفاتيكاني الثـاني. فمنـذ الخليقـة، أراد الله أن يرفـع الإنسان مـن مسـتوى عطاء الأرض، وأراد للإنسان النمو وزيادة الإنتاج، للمشاركة في عمـل الخلق، وقد خُلق مدبرا للخليقة أمـام الله. وللكنيـسة، اليـوم بـل وكـل يـوم، أن تأخذ المبـادرات التي يتطلبها كل ظرف وعصر بشان قضـايا البشر، بالصيغـة البشـرية والأسلوب الملائم لدفع مجتمعها إلى أمام، إلى جـانب نقل الإنجيل إلى الحياة العائليـة وبمـا يجعلها تنسجم مع الحياة المعاصرة.
الدور التنموي للكنيسة والابداع في ا زدهار القرى
وفي هذا الصدد لا يسعني سـوى الإشادة بحديـث غبطـة ميشـيل صبـاح، بطريرك اللاتـين، مـع “الفكر المسـيحي”، حين أكد على دور الكنيسـة في التنميـة الاقتصادية. ومـن نـاحيتي وبقـدر ما توفر من إمكانـات متواضـعـة ، سعيت إلى التركيز على مجـال تطويــر إنتاجيـة الزراعـة في مجتمعنـا، والإسهام في إيجـاد السكن الملائـم والمعـاصر لابـن القريـة. فعندمـا تتوسـع عوائـل القرية، يفكـر شـبابها بـالرحيل، إذا لم تتوفر لهـم فرصـة توسيع البناء، وهـذا مـا حـاولت الخورنـة تحقيقه هنا على المديات المتاحـة. إلى جانب هذا ثمة، حاجة إلى السعي المتواصـل إلى التعمق في الاستعداد لتقبـل عمـل الروح القدس في حياة كـل يـوم. فالمسيحية هي قضيـة حيـاة برمتها، وليسـت معنيـة بالخبرة الدينيـة المجـردة عـن الواقـع. الكنيسـة تحمـل بشـرى هـذه الحيـاة، بشـرى محبـة الله بالمسـيح، ونحـن علامـة هـذه البشـرى.
القرية واعدة بمعمّريها
وسألته: بعد الذي تقـدم، هل ثمة مقومات لما يشاع ان كاهن القرية، ينبغي اختيـــــــاره ضمـن الشمامسـة المتزوجين، خشية أن ينفجـر مـن السام والعزلة؟ ليقول:
للإجابـة عـن هـذا التساؤل، لعلـي لسـت الوحيـد في اعتناق المفهوم الـذي سوف أسـوقه. وهـو أن في المدينـة حاجـة أكـثر إلحاحا إلى دار تجمـع الكهنـة في الخورنـات الكبيرة. وإلا فعندمـا يدخـل الكاهن إلى بيتـه، سيكون وحيدا في جزيرة. أما الحياة التي تكونت لدينا في القريـة، ضمـن أسـرة الكاهن والتعـايش اللصيـق مع الأسر الأخرى، فتتوفر في هذا الطراز حيـاة شبه جماعيـة. إنـها حياة عائليـة دافئة، فلا نحتاج في القريـة بـالضرورة إلى دار للكهنـة المسنين، كما في المدينة، فـالمعمرة الجـدة بسّي (١١٤ سنة ونيـف) تعيش بسلام وسط أبنـاء القريـة ز وما زال معمر أصغر منها بكثير، العم ايزرايل الضرير الذي يقارب المنـة سـنة، يعيـش شـيخوخة منتظمـة وهادئـة، مـن البيـت إلى الكنيسـة.
حيث ما تكون، لك أن تجعل المكان مركز الكون
وفي مرة تجولنا الى وادي خلف كوماني، أشار لي أخي الأب ربان، المكان الذي روى مار يوحنا سولاقا بدمائه، مسار الوحدة مع الكنيسة الجامعة، مما جعلني ارى في مكيدة اغتياله، سببا اضافيا يرسخ دعوة الشركة التامة مع الكرسي الرسولي. وهنا أشار الأب ربان إلى خيار الحفاظ على عدد من المشتركات مع الكنائس الشقيقة ليقول:
هذه الكنيسـة، بصليبـها المجـرد وفـق تقاليدنـا المشـرقية، الـتي نشترك بها مع الإخـوة مـن كـنـائس أخـرى، وصورتـها الوحيـدة للعذراء التي تحتـل إحـدى زوايـا الحـوش، قـد أصبحـت قلـب الحياة في القرية. ويطـل الـكـاهن، وهـو واقـف أمـام المذبـح، علـى فتحة صغيرة يرى مـن خلالهـا أضرحـة الراقديـن مـن الاخـوة والأخـوات، يشركهم في الصـلاة، فيصبح القـداس، هكـذا، مناسـبة تناظر لطرازيـن مـن الحيـاة عنـد المؤمنين، هذه، والحياة الأبديـة. وتغدو القريـة الـتي تمتـاز، دون غيرهـا بحـضـور کـاهن، محـورا للقـرى المجـاورة والمطلـة علـى وادي صبنا، من ديري والعماديـة وبيناثـا واينشـكـي وبـــــــردرش-سرسنك، وتكـون خدمة هـذه القــرى تعويضـا لافتقارهـا إلى كـاهن، إلى جـانب مقاسمـة الإنجيـل دوريا، مع الشباب، في دهوك مقـر الأبرشية.
وأعود فأقول، لم تكن ثمة حاجة إلى أي عـذر، في دراسـة أو غيرهـا، لـترك قرانـا الطيبـة البسيطة، إلى أوهـام المدينة. ففي النظـام الحيـاتي الـذي عـشـته بقيـت أؤمـن بمبـدأ أن الإنسـان – حيثما كان، وفي أية بقعـة نائيـة ، إذا مـا عـاش ضمـن قناعاته، فهو يعـد حـاضرا بتمـيز، في هـذا العـالم، ويمسي مكانـه الصغـير ذلك، مركـز الكـون.
الدعوة نعمة ومعجزة
وأعادني أبونا ربان إلي ذكرى لقائي بالمرحوم والده العم حزقيال، في اوائل أيام اقتنائهم البيت في بغداد، فزرته قبل أن يستقروا فيه برفقة التلميذ ربان وزملاء آخرين. جاءت الذكرى انه تحدث عن دور الوالد الراحل في دعوته الكهنوتية، قال:
لعل مقولة الإنجيل: “ليـس لـدى الرب أمر عسير”، هي التي تفسر نظرتي للحيـاة مـذ كنـت ابـن ۱۲ سنة، إبـان حـوادث الشمال في الستينيات، يـوم طلبـت مـن المرحـوم والـدي الشـرطي، أن يـأخذني إلى المروحيـة العسكرية المغـادرة إلى الموصـل، لأذهـب فــادخل السـمنير (المعـهد الكهنوتي). وبالفعل تقـل الطـائرة ذلـك الصـبي المتـأبط كيـس ملابسه وتحـط بـه في الموصـل؛ وأرشـدوه الطريـق نـحـو مـركـز المدينـة (بـاب الطـوب)، وهنـاك يصـادف أحـد أقاربـه لينقـذ الموقـف. ذلـك الصـبي يصبح كاهنا، بنعمـة الـرب الـتي ترشـد كـل واحـد نحـو خصوصيـة الدعـوة التي يعيشها، سواء في الحيـاة الرهبانيـة او الكهنوتيـة أو العلمانيـة .
مار ربان رجل التعايش في المنطقة
في تلك الايام، أخذني أبونا ربان اكثر من مرة، الى مجالس عزاء لاصدقائه المسلمين، فكان تلقائيا معهم، وكانوا يرحبون به بحرارة. مما ذكرني، بما نقل لي عن أحدهم الذي كان السبب لحادث سيارة. فكان الرجل مع جماعته مستغرقين في الحرج والاستعداد للتعويض بسبب مسؤوليتهم عن الحادث والاضرار التي حصلت على سيارة القس. فعفا عنهم الاب ربان بنحو تام، لكي يلقي أحدهم هذا التعليق عن الأب ربان بعد هذه المسامحة: أليس هذا الرجل من نمط من يلقي المرء ابنه أمام قدميه. قال سيدنا الراحل:
فبفضل عمـل الـروح القدس في كل مؤمن، من الممكـن جـدا ان تُعـاش حياة مليئة بالمنجزات والمعجـزات ولا غرابة في الأمر. فـإلى جـانب مسؤولية الدعوة المسيحية الموكلـة إلى المتزوجين، للكـاهن العـازب أيضـا شـهادة للمسـيح، يقبلـها بمـلء اختيـاره، مـع مـا تتطلبـه هذه الشهادة من تضحيـة. لكـن هذه التضحية، وبحسب وعـد الإنجيـل تعـود فتغمرنـا بمئـة ضعف، فتشــيع حبـا، في القريـة وجوارها بين ابناء كنيستنا وسائر الكنائس الأخـرى، وبـين المسـيحيين والمسلمين. إنـني أحيانا كـثـيرة لا أفهم كيف يتحقـق ذلـك فينـا وفي سائر المدعوين، لكنني لم أعـد أسـتغرب ما تنجـزه النعمـة مـن عمـل كبير فينـا. أجـل تعـودت الا أستغرب
نفتقده
بعد أن اوردت نص المقابلة التي تعود الى 1998، لا بد لي أن اورد هذه الذكرى شبه الطفولية: كان ذلك لمناسبة حضوري مع اكليروس الابرشية في كندا لمراسيم تكريم البطريرك مار لويس ساكو بالرتبة الكاردينالية في 29 حزيران 2018. فإن كنت افتقد لحظة، لن افتقد بكفاية، تلك اللحظة التي كنت فيها عصر احد تلك الأيام، اتمشى في شارع قرب ساحة القديس بطرس. وعلى حين غرّ مر من أمامي بسرعته المعهودة، المطران ربان، مر كالسهم بحيث، لم تتح لي الفرصة بأن أصيح في اثره، وأكلمه، وليتني فعلت… حتى غاب. وفي هذه الايام اختفي فقيدنا المطران ربان، لنفتقده أيما افتقاد مع الاطمئان بالرجاء الصالح على مكان افضل له، ولتبقى في القلب ذكريات لا تنسى ترافق العمر. والعزاء، كما قال لي أحد اعضاء اسرته، العزاء هو في كل ما ذكره الكثيرون عنه، وعن مكانته في القلوب. أجل ان هذا العزاء مشترك لنا مع اسرته الكريمة جمعاء.