الى أين يجب أن يقود المسار السينودسي القادم؟
الكاردينال لويس روفائيل ساكو
ستُعقَد في مطلع شهر تشرين الأول 2023 الدورة الاولى لسينودس “السينودالية” في الكنيسة الكاثوليكية في العالم، والدورة الثانية في العام المقبل. السينودس كما عَبَّرَ عنه قداسة البابا فرنسيس عدة مرات، هو السير معاً كجماعة مؤمنة وملتزمة ومسؤولة للمشاركة الفعالة في دراسة مواضيع وقضايا مهمة جداً، تمسّ حياة المؤمنين الأساسية في إطار الإصلاح وإيجاد استراتيجيات جديدة للكنيسة، لمواجهة التحديات.
لقد تابعتُ عن كَثَب التحضيرات للسينودالية، وشاركتُ في العراق في مرحلة “الاستماع والتمييز” وقرأتُ “وثيقة العمل instrumentum laboris “وسّع مساحة خيمتك” التي تتضمن أفكاراً مهمّة جميلة، وقرأتُ التصريحات والإنتقادات الصادرة من هنا وهناك (اللاذعة احياناً). كما شاركتُ مع ممثلين عن الكنيسة الكلدانية في اللقاء المحلّي القارّي للكنائس الكاثوليكية في الشرق الأوسط، والذي ضم علمانيين من كلا الجنسين. شعرتُ حقيقةً أننا كنّا مثل التلاميذ الاوائل في العليّة في غمار الروح، نتبادل الأفكار والخبرات والتطلعات لتكون الكنيسة قادرة على التعبير عن رسالتها وتوجُّهها ونشاطاتها، بلغة جديدة ومفهومة، وإعلان حقيقة إيمانها المحرِّرة بأشكال مناسبة، والشهادة لها بفعاليّة.
في زمن عدم الاستقرار، والصعوبات التي تواجهها الثقافة الحالية في المسائل الصعبة، وهيمنة الليبرالية العلمانية على وجه التحديد، يتعين على الكنيسة الاُم والمعلمة، على البابا خليفة بطرس- الصخرة (التي عليها تقوم الكنيسة) والضامن لوحدتها، الاستفادة من سلطتها التعليمية في عملية تجديد ذاتها وهيكلياتها بقناعة كاملة، مع المحافظة بأمانة على وديعة الإيمان والأخلاق الأساسية. ينبغي التمييز بين ما هو حقيقي يعبِّر عن الروح الذي لا يمكن التخلي عنه ، وما هو آني – عملي مرتبط بظروف الزمان والمكان، ينبغي تحديثه.
يجب أن يعطي السينودس الأولوية للبِشارة (بالإنجيل) على ضوء علامات الأزمنة “اعلن كلمة الله في وقتها وفي غير وقتها” (2 تيموثاوس 2/ 4)، لكي تتمكن الكنيسة من تقديم الإيمان للجميع بوضوح ولغة مفهومة، وأسلوب مختلف، واشكال جديدة، والتعامل مع الليتورجيا “الاحتفال بالاسرار” والقوانين، وترتيب بعض الهيكليات لتكون أكثر فاعليّة وأقل بيروقراطية، ولكي يشعر المسيحيون انهم أهل البيت ولهم دورهم، وليسوا مهمَّشين.
من الضروري “تحديث” تنشئة رجال الدين على المستوى الإنساني والنفسي والروحي واللاهوتي والليتورجي والرعوي، بل وأيضاً على المستوى الانضباطي discipline
البابا فرنسيس بحدسهِ النبَوي يمكن أن يساعد على سماع صوت الله، صوت الروح من خلال قراءة الكتاب المقدس، والتكلُّم عن روح الله ومحبّته ورحمته والخدمة والتوبة والغفران للجميع في إطار العمل الرعوي، وقراءة علامات الأزمنة لإكتشاف إرادة الله والعمل على النمو الإنساني والمسيحي المتناغم.
كبطريرك شرقي معتكف في الدير الكهنوتي بأربيل
بعيداً عن مقرّي ببغداد
أتمنى أن يكونَ هناك تجديداً حقيقياً مدروساً من جميع الجوانب
لحياة الكنيسة ونشاطها وتوجُّهها بكفاءة نادرة،
وبمشاركة فاعلة للمؤمنين واستشارتهم،
لكن من دون أن تلغي هذه المشاركة “المجمعية” الهرمية الكنَسيّة وسُلطَتها.
تتطلع آمال المؤمنين المسيحيين الى اُفق جديد يفتحه
“المسار السينودسي” في حياة الكنيسة،
يعززه التماسك اللاهوتي والإداري والرعوي
في انسجام تام مع رسالة الكنيسة الجوهرية و”الروح السينودسيّة”.
أتمنى أن تكون للسينودس ولقداسة البابا والدوائر الرومانية
رعاية خاصة للكنائس الشرقية، مهد المسيحية التي تشعر أن وجودها مهددٌ!
كما أتمنى أن تلعب الكنيسة دوراً نبوياً وحيوياً
في خلق عالم أكثر إنسانية وسلاماً وعدالة وكرامة.