الإنسان هو عقلُه ووعيُه، وليس شكله الخارجي
الكاردينال لويس روفائيل ساكو
عقل الإنسان ووعيه ومعرفته نعمة كبيرة، ودينامية خلاّقة للنمو والتطور والتجدد والتكامل، خصوصاً عندما يعتمد الحكمة والتوازن والمنطق والإبداع والجمال. هذا ما يُميّزه عن المخلوقات الاخرى.
الإنسان العاقل متواضعٌ، يَعي ذاتَه، ويشعر بها، ويبحث باستمرار عن خيارات جديدة سليمة، ويتصرف بقناعة ومسؤولية، وينشر المحبة والسلام والفرح. هذا الإنسان المحترم، “ذو الجاذبية” هو أعظم معجزة صنعها الله: “ورأَى اللهُ جَميعَ ما صَنَعَه فاذا هو حَسَنٌ جِدّاً” (تكوين1/ 31).
الوعي هو تصوّر الهدف المعيّن وتصميم مدروس للقيام به، بدلاً من الاندفاع لإنجازه فطرياً وغريزياً. هذا الإنسان الرائع يموت بايولوجياً – جسدياً ويَفنى، لكنه يبقى حيّاً في الذاكرة المتحركة لتتابع التاريخ-الحضارة واسترجاع المعلومات المخزونة للالتقاء والتبادل على مَرّ الزمن لتطوير الذات والواقع والمستقبل.
يعرض لنا التاريخ سلسلة إبداعات ممتازة نجح الإنسان على مرّ الزمن في تحقيق وخلق أشكال ثقافية واجتماعية وفنية وتشريعية وسياسية وصناعية ودينية جديدة. لذلك فالعالم بدون الذاكرة – الحضارة هو بلا تاريخ.
الذاكرة – التاريخ تجعل الناس والأشياء تتحرك. فالطبيعة تتغير والإنسان يتغير والفكر يتغير والمجتمع يتغير والقوانين تتغيّر والطقوس أيضاً، لتلبّي حاجات الناس اليوم.
إمكانية التغيُّر حركة طبيعية مستمرة عند الإنسان. لهذه الذاكرة بُعد كوني. نحن في العراق متأثرون بحضارات ومدنية وادي الرافدين الأكدية والسومرية والبابلية الكلدانية والآشورية والمسيحية والعربية والإسلامية. هذه هي الخلفية التاريخية، علينا التواصل معها بانسجام، والتكامل بتناسق وجمال.
ما زلنا نتذكر الفلاسفة الكبار والعلماء المبدعين، والمخترعين واللاهوتيين العمدة والأحبار العِظام والزعماء. جسدهم مات، لكن فكرهم بقي خالداً وذاكرتهم حيّة. واليوم بفضل التكنولوجيا الحديثة يتواصل فكرهم مع المجتمع عِبر عدة وسائل، مثل السوشيال ميديا… الذاكرة تساعدنا أن ننظرَ الى حياتنا نظرة جديدة جديّة للنمو والتطور.
لكن للبشرية تجربة قاسية مع الإنسان الذي فقَدَ عقله ووعيه. انه يشبه في الشكل الإنسان العاقل والواعي، لكنه مختلف في السلوك والتصرف. يا للأسف انه اكثر وحشيّة من الوحش- (أمَا نقول في اللهجة الكلدانية المحكية: ايثن ناشي سَطاني)، يوجد أناس هم شياطين، تسيّرهم غرائزهم وهوَس الكبرياء والتسلّط والاستبداد والعنف المباشر والعلني. مثل هذا الإنسان الشرير هو عملياً القوة المسيطرة على المشهد لأنه ينشر الجهل والكذب والكراهية والخصام، وينخر نسيج المجتمع بالفساد والدمار والموت، لغرض كسب الاموال واشباع شهواته، فيكون عقله ووعيه قد ماتا، وقلبه قد قسا، وعليه، فبعد موته البايولوجي لا يبقى تاريخ له ولا ذاكرة.
اجمل وصف لهذا التعارض / الشكلين هو مَثَل الحنطة والزؤان الذي وردَ في إنجيل متى (13/ 24- 30، 36- 43)، والذي يرسم طريق الحياة وطريق الهلاك. الحنطة هو الإنسان الحقيقي الصادق الخيّر والمؤمن الملتزم، اما الزؤان فهو يمثّل “الانسان” الذي يتعامل مادياً ورسمياً مع الشرcooperating with evil أليس هذا ما تفعله المافيات؟ ودأبها تحويل الحنطة – الخير الى زؤان – فساد.
السؤال الأساسي الذي يجب ان يطرحه كل إنسان على نفسه هو:
“ما هو الخير الذي يجب أن أفعله، في هذا العالم، والشر الذي ينبغي أن أتجنّبه حتى لو كان ذلك ينطوي على التضحية من جانبي؟“
قد لا نكون قادرين دائماً على هذا الخيار! ولكن، ثمة فرصة للتغيير أمام الإنسان نسمّيها
التــوبـــة
أي بداية جديدة لبناء الإنسان العاقل والواعي،
ليلتحق بحركة “الخلاص”
عسى ان يستغلّها الشرير ليعود الى طبيعته الخيرّة بالأصل
وينضم بفاعليَة الى الذاكرة الحيّة التي لا تموت
على أهل الخير، أن يكونوا حذرين وصامدين الى النهاية بالرغم من قساوة الشرّ! ولا بد أن
يتعاونوا
لخلق عالم أفضل وبيئة ملائمة للعيش الآمن والحر والكريم ولا يتركوه يتحول الى غابة، القوي يأكل فيها الضعيف!!