رياضة روحية مع انجيل يوحنا: الكاهن شاهِدٌ لشيءٍ مختلف
لليوم الثاني 8 آب صباحا ومساءً
الكاردينال لويس ساكو
صباحاً
استهلالية انجيل يوحنا (1/1-14)
المسيح كلمةُ الله، والشاهدُ لها، والمُبشِّر بها
الكلمة ليست مجرد واسطة للإتصال بهذا أو ذاك من الناس. الكلمةُ أوَّلُ ما تعبرعنه هو المتكلم نفسه. الله غير المنظور كشف عن ذاته من خلال كلمته المتجسد يسوع المسيح ” الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ (كولسي 1/ 15). وهو الشاهد لها والمبشر بها. المسيح هو كلمة الله الموحاة. أشخاصٌ قليلون يُدركونَ عمقَ هذه الحقيقة! أشخاصٌ قليلون يُدركونَ أنَّ الكلمةَ مقدسةٌ، ولها قيمةٌ عُظمى، تُحتَرمُ مثلما يَحترمُ الشخص نفسه. عندما تكون الكلمة صادقة، طيّبة ودافئة تتدفق كالنور وتُحيي وتُحرِّك. بهذا المعنى إذا قيلَتْ الكلمة صارت واقعاً (جسداً) والتزاماً. الكلمة تُحْفَظُ كما تُحْفَظُ الحياة، وَتُصانُ كما يُصانُ الشرف!
“في البَدء كانَ الكلمة، والكلمةُ كانَ لدى الله، والكلمة هو الله. كان في البدءِ لدى الله. به كان كل شيء، وبدونِه ما كان شيء ممَّا كان. فيه كانت الحياة، والحياةُ نورُ الناس، والنورُ يُشرقُ في الظُّلُمات والظلماتُ لم تُدْرِكْهُ … كان النورَ الحق الذي يُنيرُ كلَّ إنسان آتياً إلى العالم. كان في العالم وبه كان العالم والعالمُ لم يَعْرِفْهُ. جاء إلى بيته فما قبله أهلُ بيته. أما الذين قبلوه وهم الذين يؤمنون باسمه، فقد مكَّنهم أن يَصيروا أبناء الله… والكلمةُ صار جسداً فسكنَ بيننا. فرأينا مجده، مجداً من لدن الآب لإبنٍ وحيد، ملؤهُ النعمةُ والحق”܀
يتعين علينا التمعن في هذه الاستهلالية شبه الشعريّة، خصوصاً ان الكلمة التي يشير اليها كريستولوجية خلاّقة كما جاء في الكتاب المقدس.
الكلمة يعبر عنها بالصوت، وطريقة اللفظ وتقاسيم الوجه، لكن أكثر في السلوك اليومي.
“الكلمة” ترد في الاية 14 من استهلالية يوحنا، ثم في الرسلة الاولى ليوحنا” كلمة الحياة” (1/1) وفي سفر الرؤيا” واسمه كلمة الله” (19/13).
هذه الاستهلالية نصٌّ كريستولوجيٌّ- مسيحاني بامتياز، وهو من مواضيع الانجيل الكبرى: الكلمة والنعمة والحق، والحياة والنور والملء.الكلمة مرتبطة بيسوع بانسانيته الكاملة. يسوع الذي يسكنه الروح القدس هو فرح الانجيل.
الكلمة تعليم الهيٌّ جسده يسوع في ذاته، وهي قدرته الحيّة. الكلمة صار جسداً، أي الله غير المنظور صار منظوراً في يسوع.
يسوع هو اللوغسlogos-(اللغة) الكلمة عند الله. وهو الكاشف الوحيد عن الله الاب )يوحنا 1/13). هنا ينبغي ان نفهم عبارة ” في البدء”، انها بدء تسجيل دخول الكلمة( المتجسد) في تاريخنا المسيحي، مثلما البدء – براشيت هي بدء الخلقة. الكلمة بدء خلق جديد وعهد جديد وزمن جديد.
يسوع هو كلمة الله – الوحي، اي وجه الله بين البشر” الاب فيّ وانا في الاب” ( يوحنا 10/38). لا يوجد فصل بين يسوع وكلمته. يأتي الينا ويتكلم لغتنا. من يسمع كلام الله لا يعمل الا الخير. من المؤسف ان كلمة الله قوبلت في زمن يسوع بالرفض والاعتراضن مثلما يرفضها الكثيرون في زماننا. وما الايمان سوى قبول الله كما كشفه يسوع.
الكلمات الرئيسية لتعليم يسوع
الكلمة صار جسدا، أي تعليما وحياة- مسيرة.
الكلمة الملء والفيض: “فمن ملئه نلنا باجمعنا نعمة فوق نعمة”(يوحنا 1/16).
الكلمة النور – الحياة.. “النور يشرق في الظلمات والظلمات لم تدركه” (يوحنا 1/5). الكلمة- النور يضيء قلوبنا، لكن من المؤسف ان البعض لا يقبله ولا يستقبله.
الكلمة هي الذاكرة الحيّة والخلاقة. الكلمات تعزز علاقة البشر مع بعضهم . وبالنسبة للكلمة المتجسد، به/بها يحيا المؤمن وبواسطته يتلقى بنوته الروحية الجديدة من الله الاب. “الذين آمنوا بيسوع وتعلقوا به اصبحوا بنات وابناء الله” (يوحنا 1/12).
مسيرة الكلمة منذ سكناه في الله (1/2) ومجيئه الى العالم( تجسده) وعودته الى” حضن الاب”(18).
فيه كانت الحياة والحياة نور الناس.الكلمة هي النور الذي يضيء في الظلمات ( تكوين 1/3). هو النور الحقيقي، والماء الحقيقي، والخبز الحقيقي النازل من السماء، والكرمة الحقيقية.. الكلمة- يسوع يعطي معنى ويساعد كل واحد لكي يفهم ذاته ويحقق هدف وجوده. أليست هذه هي رسالة تجلي يسوع (متى 17/ 1-7، مرقس 9/2-13، لوقا 9/ 28-36)، أي لكي نتخلى عن ذاتنا ونتحلى بيسوع ونتجلى من خلاله.
سكن بيننا، أي في انسانيتنا الضعيفة حتى ينعشها ويحييها ويقويها ” نصب خيمته بيننا”.. جماعة جديدة ولدت بالنعمة والحقيقة والنور والحياة.
الابن الكلمة يقوم بتفسير طبيعة الله الاب، ويفتح الطريق الذي يقودنا الى الاب: “كلمتُك مصباحٌ لخطاي ونورٌ لسبيلي” ( المزمور 119/105). يفتح لنا باب الاهتداء الانجيلي الدائم. لا نقدر ان نكبر من دون هذا الايمان- الحب والاهتداء.
الكاهن (والاسقف بشكل خاص) عليه ان يعلن “كلمة اللّه“ وان يعيشها ويكون الشاهد لمحبته، والمبشر بها. هذا يتطلب ان يتحول ايمانه وتأمله في الكتاب المقدس الى الصلاة والسجود والشكران، خصوصا في سرّ الافخارستيا. وهذا يمنحه عزاءً كبيراً وسلاما ًوسعادة.
القديس اقليمس الاسكندري
“لنتشبهّنَّ بالكلمة إذن في جميعِ أعمالنا وتصرفاتِنا، فهو لنا القدوةُ والمثال، ومشوراتُه هي طرقٌ وأنظمةٌ موجِزة لإنماء بذور الأبدية في نفوسنا، لأنها ملأى حواراً وبراهينَ دامغة وحبّاً، وليس خوفاً ورُعباً وتهديداً، والمسيح يهدف من خلالها إلى تربيتنا وتربية البشر جميعاً” (إقليمس الإسكندري، المربِّي)܀
اسئلة للتداول ضمن الفرق الصغيرة
- هل تقرأ كلمة الله خارج الاحتفالات الليتورجية؟ هل تتمعن فيها ام تطالعها مثلما تطالع اي كتاب، وليس غذاء روحيا لك.
- هل تلفظ كلمات القراءة الكتابية في الليتورجيا، أ كلمة كلمة بصوت مسموع، وليس بسرعة او تبلع بعضها لذا لن يكون لها فائدة.
- كيف تعد كرازتك لتعكس واقع الناس وتؤثر فيهم، ام انك تحكي نفس نص الانجيل بطريقة اخرى؟
مساء
يوحنا المعمدان الشاهد والشهيد: لاهوت الإخلاء kenosis
يهتم الانجيلي يوحنا كثيراً بالاشخاص الذين يلتقي بهم يسوع ، ويمسرح الاحداث.
لشهادة يوحنا المعمذان اهميةكبرى امام من أرسلهم الكهنة واللاويون والفريسيون.
السؤال ليوحنا المعمذان: من انت ؟ أنا الشاهد.
يوحنا ويعني اسمه” حنان الله” يشهد ليسوع، ورسالته هي من مستوى الشهادة: الشهادة امام اليهودن نافياً انه المسيح المنتظر أو ايليا (كان البعض يعتبره حيا وسيعود) او النبي المنتظر الذي اشار اليه موسى ( تثنية الاشتراع 18/15-18).
يشدد الانجيل على ان يوحنا هو الصوت الذي يعد الطريق الى المسيح أمام من لا يعرفه. هل اننا نفعل نفس الشيء؟
يتكلم يوحنا عن أسبقية يسوع، ياتي بعدي انسان قد تقدمني ( يوحنا 1/30)، انه سيدي، وما انا سوى خادمه، ولا استحق ان احلَّ سير حذائه.
لا تفاخر ولا تباهي بالذات، كما نفعل احيانا.
العريس والصديق
الصديق هو الاشبين، الشاهد على صحة الزواج. وهو الذي يعد الزواج ويرافق الزوجين في حياتهما. هنا ايضا يوحنا شاهد على هوية يسوع ويهيء له الطريق.
يوحنا عبر عن شهادته بكلمة(صرخ). صوت الانبياء صارخ. صوت لا يمكن ان يبح!
صوت صارخ في البرية اي لا يسمعه الناس
شهادته تتضمن اربعة أمور: المسيح هو حمل الله الذي يرفع من اجل خلاص العالم.راى الروح نازلا عليه انه ابن الله.
يوجه يوحنا اتباعه ليكونوا تلاميذ يسوع. ولقد تحولوا فعلا اليه.
يوحنا هو اول تلميذ للمسيح. قال:” لهو ينبغي ان ينمو ولي ان انقص”. عليه ان يختفي ازاء المسيح الذي يبشر به.
هذا هو عمل الكاهن، عليه ان يقوم بنفس خطوات يوحنا ليكون تلميذا وشاهدا ومبشرا بيسوع. الكاهن الذي لا يرى ولا يلمس ولا يختبر ما يؤمن به لن يقدر ان يشهد ويبشر!
حفظُ الايمان والامانة جعلت المسيحيين يعطون عددا كبيرا من الشهداء.
يصعب اليوم ان يكون المرء مؤمنا وفي نفس الوقت كاهنا شاهدا للايمان وناقلا له ومربيا للناس لبلوغ كماله ومستعدا للشهادةز عليه ان يشتغل على نفسه باستمرار، لان الايمان يتطلب مسيرة صعبة وموسومة بمراحل عديدة ليصل الى الايمان الناضج الحقيقي ويتكيف مع العصر..
اسئلة للتداول ضمن الفرق الصغيرة
- هل تعرف نفسك تماما مثلما فعل يوحنا المعمدان؟
- هل تشعر انك مرسل مثل يوحنا (البشارة) لتعرف المسيح لمن لا يعرفه؟
- هل ياخذك الروتين والتعب احيانا فتفقد حماستك الاولى؟
يا رب أعطنا كهنة مثاليين