رياضة روحية مع انجيل يوحنا: الكاهن شاهِدٌ لشيءٍ مختلف
7-11 اب2023 عينكاوا / أربيل
الكاردينال لويس ساكو
مُقدّمة
هذه المقدمة هي لمساعدة الأساقفة والكهنة الكلدان المشاركين في الرياضة الروحيّة 7-11 اب2023، على الدخول في معرفة سرّ المسيح الذي يكشف انجيل يوحنا للمؤمنين عن علاقته بالله ومحبته لهم والشهادة له. هذه فرصة للخروج من دوامة سحب المرسوم الجمهوري.
يقول الاب الن مرشدور في كتابه عن الانجيل بحسب يوحنا: ” لا أحد يستطيع ان يدُرك معنى انجيل يوحنا، اذا لم يكن قد ارتمى على صدر يسوع، وقَبِلَ مريم أماً له” (ترجمة الاب بيوس عفاص 2009ص 14).
استقبل المسيحيون الاوائل كلمات يسوع باندفاع وشغف، وعاشوها بفرح، لانها كانت تزيدهم ايماناً وثقة والتزاماً. لم يكن ثمة بعدُ شروحات ولا قانون ايمان. اليوم علينا ان نكون أمناء تجاه هذا الأصل الخلاّق.
بصراحة كلَّ مرَّةٍ أقرأ انجيل يوحنا، أشعر بانبهار امام السرّ الذي يقدمه لنا بكلمات موجزة ومدهشة. وأجد ان لاهوت كنيستنا وليتورجيتها الاصيلة (لا أعني الطقوس التي يعتقدها بعض الشمامسة المتطرفين) يتماشى تماما مع هذا السياق. العبارات فيه/ فيها واضحة، ومناسبة للتعليم المسيحي اليوم.
أنجيل يوحنا
أنجيل يوحنا هو انجيل المؤمن- الرسول والشاهد الذي ينقل ما اختبره الى الاخرين: ” الذي راى شهد، وشهادتُه صحيحة، ويعلم انه يقول الحق لتؤمنوا انتم أيضا”(19/ 35).
انجيل يوحنا هو انجيل الكاهن، بينما انجيل لوقا هو انجيل البشارة – المبشر، كما يقول الكاردينال كارلو ماريا مارتيني في كتابه من اجل ايمان جاد (سلسلة ابحاث كتابية 12، الموصل 2008 ص 17).
انجيل يوحنا بعيدٌ عن ” التنظير”، والعواطف السطحية والمفاهيم المغلوطة.
يكشف انجيل يوحنا عن محبة الله ورحمته، من خلال اللقاءات مع السامرية، ونيقوديمس، ومرتا ومريم والزانية. لقاءات تسحر المتلقي وتقلب حياته، وتمنحه ملء الفرح(الفيض)، وتجعله يسلم ذاته كليا لسرّ الله ويضع نفسه في خدمة الروح القدس ويبذل حياته من اجل الإخْوَة.
يرسم انجيل يوحنا بطريقة جذابة مسيرة التلميذ من خلال خطاباته: انا الخبز الحي، الماء الحي، الراعي الصالح، الكرمة والاغصان، وخطاب الوداع، ليندمج فيه، ويصل الى الاكتمال.
ايمان شخصي واعٍ وثابت، يضع المؤمن نفسه بين يدي الله.. نفهم ذلك من خلال كلام يسوع لتوما رسول كنيستنا الذي لم يتمالك ان سجد امامه قائلا: “ربي والهي..(20/ 28-29).
هذا الايمان هو فرح العطاء كما جاء في الرسالة الاولى ليوحنا:” اننا نكتب اليكم بذلك ليكون فرحنا تاما”. الفرح هو بمثابة ملء يسوع الذي يحقق تصميم الاب:” من آمن له الحياة الابدية” (يوحنا 6/47).
هذا الايمان يربطنا بالكنيسة المنظورة لنحياه معها، وليس بمعزل عنها، بتقليدها وسلطتها، وقانون ايمانها وليتورجيتها ونظمها.
الشاهد
الشاهد يُحبُّ ويختبر، يُفكِّر ويتابِع ويُرشد، يُعلِّم ويُبدع بحماسة في خدمة الجماعة الموكولة اليه. الكاهن بشكل خاص يُصوب نظره نحو المسيح “المعلم الكريستولوجي”، ويقيم معه، ويتعلم منه، ويتنشئ على يده (يوحنا 10/1-18)، ليكون له شاهدا ( اعمال 1/8).
عندما دعانا الله الى رسالة فريدة من نوعها، أقام معنا عهداً الى الابد. “انت كاهن الى الأبد” (مزمور 110/10). هذه أمانة، لنقرأ مثل الوزنات ومسؤولية استثمارها (متى25/14-30).
من المؤسف ان هذا “العهد الروحي- الوجداني” غير موجود دوماً عند بعض رجال الاكليروس، الذين لا يهتمون بالانجيل والنفوس، بقدر ما يبحثون عن تحقيق مصالح خاصّة.
هذه الشهادة تختلف عن الوظيفة، أي عن “حياة مهنية”. قوتُها نابعة من الايمان والحبّ.
هذه الشهادة ذات قيمة أساسية في الخدمة الكهنوتية. هذه الشهادة ليست مجرد طقسٍ نمارسه، بل هي احتفال ليتورجي بالمسيح الحاضرفيه، فيغدو الاسقف او الكاهن مثله في قلب الكنيسة والرعيّة” خبزاً مكسوراً لاخوته”
لا ينبغي ان يتشتت الاسقف او الكاهن في أمور كثيرة، فتتحول حياته الى ايام رمادية رتيبة. عليه ان يكون متيقضاً ومنتبهاً وساهراً على الانجيل والرعيّة. حضور الله في حياة الكاهن ينعكس على وجهه خصوصا في الصلاة، احيانا نرى وجهه لا يصلي ! اشدد جداًعلى اهمية الصلاة في حياة الكاهن وسوف اعود اليها.
في مجتمع سائر بسرعة نحو التطور، والتغيير والعلمانية الليبرالية، يتطلب من الكاهن ان تكون له معرفة لاهوتية عميقة، وثقافة عامة، وحساّ تحليليا ونقديا وفنيا بشكل مستمر، حتى يقدر ان يواجه الاسئلة الجديدة التي يطرحها الناس وليس باللجوء الى اجوبة جاهزة مألوفة.
ثمة ضرورة لايجاد لغة مبتكرة، واسلوب جديد يقدم فيهما الكاهن الله والمسيح المحبة والرحمة للناس. الله القريب منهم يحبّهم، ويغفرلهم، ويحرّرهم.
الاسقف
الاسقف أب ٌوأخٌ، مرشدٌ ومدبرٌ.عليه ان يفكرويحلل ويستشير ثم يقرر، وليس العكس. مهمته تنشئة ابناء ابرشيته تنشئة مسيحية سليمة وثابنة، وبخاصة تنشئة المنشيئن to form the formators of formators ، اي اكليروسه- معاونيه، تنشئة كهنوتية شاملة ومتجددة، راسخة وراعوية على أحسن وجه، خصوصا في هذه الظروف المعقدة وسريعة التغيير.
أسمع من بعض الكهنة يقولون لي: ان الاسقف لا يهتم بهم، ولا يتابعهم ولايدافع عنهم. قال أحدهم لي: نريد اسقفا يفهمنا ويحبّنا! عندما يترك كاهن أو اثنان أو ثلاثة أو اكثر الأبرشية، على الأسقف ان يتساءل ما السبب ومن السبب.
الاسقف قبل ان يكون رئيسا (سيدنا) هو أب، عليه ان يقلق على كهنته وينتبه اليهم (حساسيتهم)، لانهم معاونوه وليسوا موظفين عنده. ليتذكر انه كان كاهنا يوما ما؟
القيادة في الكنيسة هي مباديء ومواقف وافعال، وليست ثوبا نرتديه ولا يجب ان نكون كنيسة من الداخل وهذا الداخل ينعكس على الخارج.
الأزمات التي مررت بها شخصيّا مع بعض الكهنة انضجتني، وحمستني لمتابعتهم شخصيا والتعامل معهم بحسم، لكن بأبوة والحقيقة. لم احمل حقداً على أحد، ولم أفكر بالانتقام، لكني لم اقبل بالنهايات السائبة، وعدم الالتزام بالقوانين الكنسية والانضباط، وعدم الاعتناء بالليتورجيا وفقا لتجديدات السينودس. ولا اقبل استخدام اسلوب الرزالات( التوبيخ) في الوعظ أو التأكيد الدائم على التبرعات، أو البحث عن المناصب، أو السفر الى بلد اجنبي للحصول على الجنسية… ألخ
الكهنة مدعوون الى ان يكونوا المسيح على الأرض، متميزين بسلطة المحبة والخدمة بتجرد وببساطة وبشاشة، ومجسدين الافخارستيا وقابلين التواري، فتترسخ ثقة الناس بهم، وتكون حياتهم شهادة وبشارة.
اسئلة للتداول ضمن الفرق الصغيرة
بعد بضعة سنوات من الخدمة الكهنوتية، هل تشعرون انكم شهود لهذا الايمان الحي والعامل باللمحبة؟ هل تتقدمتم بفرح في خدمتكم، ام تشعرون بعبٍ ثقيل وخيبة أمل؟
للاساقفة: كيف ترعون كهنتكم، هل بابوة وحقيقة؟
للكهنة: ما هي الصعوبات التي تتعرضون لها، وتحوول دون ان تكون حياتكم شهادة؟
(سوف اكتب بعد كل ارشاد أسئلة للمناقشة كما انشر الارشاد اليومي قبل يوم)
يا رب أعطنا كهنة مثاليين