قرار باطل يراد به حق!
د. عضيد ميري
ننهل العنوان من قول الإمام علي (ع) في صفين ” كلمة حق يراد بها باطل”….إذ اتحفنا رئيس جمهورية العراق في مطلع شهر تموز بقرار باطل وجائر يستهدف فيه رئيس وصلاحيات الكاردينال لويس روفائيل ساكو ونشرته الوقائع العراقية في عددها (4727) الصادر في 3 تموز 2023، المرسوم الجمهوري رقم (31) القاضي بسحب المرسوم الجمهوري رقم (147) لسنة 2013 الخاص بالكاردينال البطريرك لويس روفائيل ساكو.
القرار 147 كان نشر في العدد 4283 في الوقائع العراقية بتأريخ 29 تموز 2013 الصفحة 37، وفي نفس العدد نشرت مراسيم أخرى ذات الصلة مثل (تعيين جورج شمعون يوسف متولياً للطائفة الإنجيلية مرسوم 146 ص 36) و (المطران إسحاق موسى على السريان الكاثوليك في الموصل – مرسوم 107) وجميعها بتوقيع خضير الخزاعي نائب رئيس الجمهورية حينذاك نيابة عن رئيس الجمهورية جلال الطالباني.
أن هذا القرار الانتقائي يأتي بعد استفاقة متأخرة من سبات دام عشرة سنوات وبنص ومحتوى استفزازي لا يرتقي لمستوى القرارات القانونية السليمة في الدول المحترمة التي تصون الحقوق وتحمي المكونات، وتبع القرار سلسلة من التبريرات التي سميت دستورية تصحيحية لا تعقلها حكمة ابسط العقول القانونية.
ويبدو من إصدار هذا القرار أن رئيس الجمهورية يعيش في كوكبٍ أخر غير عالمنا ولا يعلم ما يدور حوله ويحصل في العراق الذي هو رئيسه وان هناك هجمة شرسة واستهداف يتعرض له سيدنا البطريرك ساكو من فصائل ميلشيا وأحزاب لصوصية والكل يعلم من هو المتجاوز ومن هو وراء هذه المؤامرة وما هي مقاصدها الشريرة التي تستهدف المكون المسيحي، والكنيسة، ورموزها، وعقاراتها.
هناك ضغوط سياسية وتطاول وتجاوز غير قانوني لإرضاخ الكنيسة وإركاع البطريرك الذي هو شخصية دينية عالمية ومنتخب محلياً ومبارك من جهات دولية ومركزه مصون منذ زمن العباسيين وهو المتولي القانوني على أوقاف المسيحيين.
ولكننا اليوم نعاصر عهد نفاق سياسي يلجأ اليه سياسيوا الصدفة ولصوص يعملون من اجل الانتفاع الشخصي والفئوي ولهم تأريخ ملطخ بالتزوير وقضم الممتلكات والاستحواذ على المناصب والاستئثار بالمكاسب من قبل مجموعة ما يُسمى بابليون التي تتكي على زبانية الإطار التنسيقي الحاكم وحماية الحشد وعلى حساب المكونات والمسيحيين!
فمن هم هؤلاء الدخلاء على جسد المسيحية والذين هم مجرد مجموعة طفيلية من اللصوص الذين يريدون الاستحواذ على تمثيل المسيحين والكل يعرف انهم عملاء صغار وأصبحوا خارج البيت القومي المسيحي منذ زمان، ودعونا نسأل ما هو تاريخهم؟ وما هي مبادراتهم؟ تنظيراتهم، ابتكاراتهم؟ مشاريعهم؟ إنجازاتهم؟
أن هذه الملعنّة هي طعنة نجلاء في خاصرة الكنيسة وخنجر مسموم في ظهرها مِن مَن يدّعون بأنهم مسيحيون مخلصون والكل يعلم انهم مجرد بيادق شطرنج في لعبة إقليمية دولية تلعبها إيران في العراق بهدف تنفيذ مخطط استراتيجي لإيصال حدودها الى سوريا وحزب الله في لبنان وبناء سكك حديد وممرات برية سريعة عبر سهل نينوى وتأسيساً على ذلك المسار لا بد من تفريغه من المكونات الوطنية التي تعيش فيه منذ الأزل واستحداث تغيير ديموغرافي وجغرافي والمنفذون هم ريانيون بابليون وألوية ميلشياوية ولائية موالية لإيران.
وبسبب القرار رقم 31 الجائر وما تبعه من إصدارات وتهديدات بإلقاء القبض على غبطة البطريرك ولا تليق بمقامه فلقد ترك البطريرك بغداد في تموز 2023 ليخلو الكرسي البطريركي لأول مرة منذ دخول المغول وهولاكو الى بغداد عام 1258 فتصوروا مدى خطر وتبعات هذه المهزلة التاريخية!
ونحن نعتب على رئيس الجمهورية والقضاء الأعلى ورئيس الوزراء ان يسمحوا بحصول هذا الأمر وإصدار مثل هذا القرار المشين وليضعوا هذا الأمر في خانة الأوليات وكأنهم قد أنجزوا اعظم الإنجازات وصنعوا المعجزات وحلوا مشاكل العراق والمواطنين والفساد.
البطريرك ساكو قامة وطنية وكنسية عالية وهو عمود الكنيسة وراعيها ورجل المحبة والسلام والمواطنة الحقة، بل وسفير السلام لأهل العراق وواحد من أركان قوته في كل أرجاء العالم وليس لديه ميليشيات ومسدسات وكل ما لديه هو الإيمان بالعدالة والمواطنة وقوة الفكر وليس فكر القوة. ولا وجود هنا للمقارنة بين أعلى سلطه ومرجع ديني للكلدان في العراق والعالم وبين شخص طارئ على السياسة ومدعوم من قبل مليشيات وأحزاب ولا يمثل المكون المسيحي المسالم.
في الختام، نعود الى (الكلمة) لنُذكَر رئيس الجمهورية والحكومة بأن (الكلمة ) هي دليل الحُكم والمسؤولية (والكلمة) هي النور وأن شرف الرجل هو (الكلمة) وأن الحسين وعلي استشهدوا دفاعاً عن (الكلمة) وأن يسوع المسيح أضاء الدنيا (بالكلمة) وأن القرار الرئاسي 31 هو كلمة باطل يراد بها حق!
ونحن حين نعاصر زمان هذه المهزلة الكيدية الرخيصة ولم نعد نثق بكلمات هكذا حكومات هزيلة، نقول أن الكنيسة قوية متماسكة ومؤسساتها باقية وستجتاز هذه المرحلة الصعبة، وستبقى مثلما كانت، ومازالت، وستدوم، عالية وعصية على الدخلاء والعملاء “وأبواب الجحيم لن تقوى عليها”.
نختم بما قاله ابن الموصل ونينوى وفارس بني حمدان أبا فراس الحمداني (بمن يثق الإنسان فيما ينوبهُ… ومن اين للحر الكريم صِحابُ)؟
وكما في قول أهلنا الطيبين في العراق….
(هاي أمها وهاي أبوها )
أدناه رابط لمقالة في مجلة أخبار الكلدان (كالديان نيوز) في عدد اغسطس/آب 2023.
Chaldean News Article – August 2023
Cardinal Sako Stands Against Conquest and Confiscation
https://www.chaldeannews.com/2023-content/2023/8/1/cardinal-sako-stands-against-conquest-and-confiscation#:~:text=Pope%20Francis%20greets%20His%20Beatitude,1