رأي قانوني من الدكتور حارث الدباغ بخصوص سحب المرسوم الجمهوري رقم 174
نيافة البطريرك لويس رفائيل ساكو
الموضوع / رأي قانوني
بلغني ما تداولته وسائل الاعلام مؤخرا بخصوص سحب المرسوم الجمهوري رقم 174 لسنة 2013 الخاص بتنصيبكم رئيسا لطائفة الكلدان في العراق بحجة غياب السند الدستوري والقانوني لمثل هذا الاجراء.
وبصفتي باحثا في شؤون الأقليات الدينية، يبدو لي ان القرار الصادر من رئاسة الجمهورية قد جانب الصواب من عدة أوجه
أولا بالنسبة للسند الدستوري، فهو العرف الدستوري الذي استقر العمل به منذ أيام الدولة العثمانية الى الوقت الحاضر الذي يقضي بتنصيب الرؤساء الروحانيين للطوائف. وأيا كانت التسمية التي تعطى لهذا الاجراء – براءة سلطانية، إرادة ملكية، مرسوم جمهوري – فان الهدف منه إضفاء الصفة الرسمية للمركز القانوني لرئيس الطائفة كممثل لها امام الدولة والسلطات الادارية. ولا شك ان تواتر العمل بهذا الاجراء لقرون طويلة ينزله منزلة القاعدة الدستورية سيما وان دستور عام 2005 قد نص على ضمان الحقوق الدينية للمكونات في المادة 2 ثانيا منه. وكنت قد اشرت الى ذلك في بحث نشرته باللغة الفرنسية ارفق لكم طيا نسخة منه للفائدة (ص 336-337 )
ثانيا بالنسبة للسند القانوني، فقد وردت عدة نصوص في القوانين العراقية تضمنت الإشارة الى هذا الاجراء منها على سبيل المثال لا الحصر
– ماورد في نظام رعاية الطوائف الدينية رقم 32 لسنة 1981 م1 ف 5 باتخاذ الإجراءات اللازمة لتعيين رؤساء الطوائف في العراق بعد اختيارهم من قبل طوائفهم وبموجب شروط الواقفين والحجج الصادرة من المحاكم المختصة. كما وردت الإشارة الى رئيس الطائفة “المعين رسميا في العراق” في المادة 2 أولا من النظام. وبالرغم من الغاء وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في الحكومة الاتحادية، فان هذا النص لايزال ساري المفعول وتعتمده المحاكم لغرض تحديد الطوائف الدينية المعترف بها رسميا في العراق وعددها سبعة عشر طائفة.
– ماورد في نظام تشكيلات ديوان اوقاف الديانات المسيحية والايزدية والصابئة المندائية رقم 5 لسنة 2014 بتولي الدائرة القانونية في الديوان استحصال الموافقات الأصولية في شان اصدار حجج التولية لرؤساء الأديان والطوائف (م 5 خامسا). وهو في رأيي ليس الا تأكيد لماورد في نظام رعاية الطوائف لسنة 1981 اريد به سد الثغرة الحاصلة من الغاء وزارة الأوقاف والهيئة العليا للطوائف الملحقة بها.
– وردت الإشارة الى تعيين رئيس الطائفة بمرسوم جمهوري في العديد من التعليمات المنشورة في الوقائع العراقية الخاصة باللجان الإدارية لبعض الطوائف في القطر. أخص منا بالذكر التعليمات رقم 1 لسنة 1978 المتعلقة باللجنة الإدارية المركزية للطائفة الاثورية الشرقية القديمة التي تنص موادها 5 و 6 على تعيين الرئيس الروحاني للطائفة بمرسوم جمهوري وكونه المتولي على اوقاف الكنيسة والممثل لها في كافة المناسبات الوطنية والرسمية والأهلية. كما نصت المادة 5 من تعليمات اللجنة الإدارية للطائفة الاثورية لعام 1971 على تعيين الرئيس الروحاني للطائفة بمرسوم جمهوري للمدة التي تحدد في المرسوم. وقد اشارت الى هذا الاجراء أيضا المادة 5 من تعليمات اللجنة الإدارية المركزية لطائفة الأرمن الأرثوذكس رقم 1 لسنة 1963 المتضمنة ارسال طلب تعيين الرئيس الروحاني المنتخب للطائفة الى محكمة المواد الشخصية لإصدار حجة التولية ومن ثم رفعها الى رئاسة الجمهورية لإصدار مرسوم جمهوري بالتعيين.
ثالثا جرى القضاء العراقي على اعتبار الطوائف المعترف بها رسميا كأشخاص معنوية مما ينتج عنه ضرورة وجود ممثل قانوني لها. ففي قرار لديوان التدوين القانوني (مجلس الدولة حاليا) يشير المجلس الى ان ” الاعتراف برئيس للطائفة او لفرقة من الطائفة (وبالنسبة للمسيحيين للكنيسة) فان هذا الاعتراف ينصب على إدارة شؤونها واموالها وتعيين رئيس ومجلس تكون له الصفة القانونية في تولي تلك الإدارة امام المراجع المختصة رسمية وغير رسمية”. (قرار رقم 75-1974 في 20 نيسان 1974)
يتبين مما سبق ان الاجراء المنصب على اصدار مرسوم جمهوري بتعيين رئيس لطائفة ما هو من الأصول القانونية المرعية وهذا الاجراء لا يتعارض والفصل ما بين السلطتين الدينية والمدنية ولا يمس بالاستقلالية التي تتمتع بها الطوائف وفقا للقانون بإدارة شؤونها الداخلية وامورها الدينية، كما انه لا يجعل من رئيس الطائفة موظفا حكوميا او تابعا للدولة. وغاية ما في الامر هو اسباغ الصفة الرسمية واعتراف من السلطة التنفيذية بالمركز القانوني لرجل الدين الذي يشغل هذا المنصب وفقا لقوانين الكنيسة لتسهيل التعامل مع طائفته من قبل الجهات الادارية. فيبدو لي من جهة ان اصدار المرسوم هو اجراء كاشف وليس منشئ غرضه استقرار الأوضاع القانونية ومنع التلاعب بها ومن جهة أخرى فان عدم صدور مرسوم – او الغاءه فيما بعد – قد لا يكون له أثر من الناحية القانونية على فرض وجود حجة من المحاكم المختصة بتعيين رئيس الطائفة متوليا على اوقافها ولكن قد ينجم عنه من الناحية الواقعية اضطراب في المراكز القانونية وعدم استقرارها فضلا عن الصعوبات التي قد تعتري الجوانب البروتوكولية والزيارات الخارجية والمخاطبات الرسمية.
وعليه فان قرار سحب المرسوم الجمهوري الخاص بتعيين نيافتكم قد صدر معيبا وشابه خطا جوهري مما يترتب إمكانية الطعن به امام القضاء الإداري لإصدار الحكم المناسب.
وتفضلوا بقبول فائق التقدير والاحترام
د. حارث الدباغ
أستاذ القانون المقارن بكلية الحقوق جامعة مونتريال – كندا