السياسة والأخلاق
المطران حبيب هرمز
هذا العنوان يذكر العديد من القراء بكتاب للفيلسوف الكبير ارسطو من القرن الرابع قبل الميلاد. يحتمل كتبه بعد ما شاهده من فساد كما نشاهده اليوم في العراق. وارسطو كان معلما للإسكندر المقدوني التي غزا الشرق وقتل بالسم في بابل وخسر كل شيء. قبل عمله الكبير باتجاه شمال العراق لغزو البلد ذهب عند معلمه ارسطو وطلب منه مشورة، وكان الوقت نهارا والشمس ساطعة، وارسطو يتأمل في الشمس، فقال ارسطو له: ابتعد لأنك تحجب الشمس عني.
اليوم بعد 23 قرنا لم يستفد اسكندر شيئا من عمله السياسي لأنه شارك في قتل الآلاف وسلب ونهب ما لا يحصى من ثقافة البابليين والكلدان والفرس والهنود. بينما الى اليوم كل مثقفي العالم يقفون باجلال للفيلسوف ارسطو.
اذكر هذا وانا اتألم من الفوضى في بلدنا، وكان لدي رجاء ببعض ممن يسمون انفسهم سياسيون مسيحيون ان يفتحوا الكتاب المقدس ويصغوا قليلا الى كلماته قبل ان يدعوا زورا انهم يمثلون مسيحيي العراق متصورين ان من حولهم لا يعرف حقيقتهم كونهم يسعون بطرق مكيافيلية الى اهدافهم في تدمير المسيحية بأية طريقة، بدأت اولا بتشوية سمعة المؤسسة الكنسية الكلدانية لرفضها الفساد والفاسدين ثم ستليها بقية الكنائس، ثم تزوير الحقائق والوثائق وبث الإعلام الشرير وتقديم الرشى وتشويه السمع والبحث عن شاهد زور هنا وهناك واستغلال فقر البعض وضعفهم امام المال الحرام.
رؤساء كنيستنا منذ القرن الأول كانوا محط احترام وتقدير الجميع. فمار ماري مبشر كنيستنا شفى (قاني) اخت الملك الفارسي ارطبان فاهدته معبد النار قرب واسط / العزيزية وحوله الى اول كنيسة ودير، وكان الجثالقة مستشاري الملوك الفرس الا عندما كان الملك الفارسي يخسر معركة مع الروم البيزنطيين فينتقم من مسيحيي العراق لذلك استشهد مار شمعون برصباعي سنة 341 بحجة رفض جمع الضرائب. واثناء المفاوضات مع الأعداء كان الجثالقة والأساقفة في مقدمة وفود المفاوضين كي يحل السلام ولا مجال هنا للتفاصيل. واستمر الحال عند العباسيين حيث البطريرك طيمثاوس، كنموذج مثلا، كان صديقا ومستشارا ومساعدا لأربعة خلفاء، رغم تقلباتهم، منهم المهدي والهادي وهارون والمأمون اضافة الى البرامكة. وفي قرون الإحتلال العثماني كان البطريرك عضوا في الإستانة ومسؤولا عن الكلدان في كل شي في رقعة الإمبراطورية وينال ارفع الأوسمة ومنها اهداء السلطان (الطغراء) سنة 1876. كانت تحتوي الطغراء على اسم ولقب السلطان الذي يعتبر ختمه او توقيعه الذي كان يذيل جميع الفرمانات والمناشير والمراسلات والكتب الرسمية السلطانية. وكانت الطغراء رمزاً عثمانياً خاصاً ومستقلاً يعبر عن الملكية والسيادة والشرعية ومن الاولويات الاعتبارية والوظيفية الاساسية للدولة العثمانية منذ البداية.
واستمر الحال الى قبل اسبوعين بعد صدور القرار المجحف بحق مسيحيي العراق، لا فقط الكلدان وبرمزهم غبطة ابينا البطريرك مار لويس ساكو، وطبعا الهدف النهائي لا سامح الله هو الإستيلاء الرسمي على عقارات الكنيسة والأديرة في العراق.
من يدعي انه سياسي مسيحي ان يعلم انه يجب ان يشهد للحق، ان يقبل الإضطهاد لأجل كلمة الله (المسيح له المجد)، ان يخدم شعبه كي يثبتوا في ارض الآباء والأجداد لا يبتزهم كي يسلبهم، ان يكون مثالا للأخلاق لا كما هو الحال، ان يعمل لأجل الخير والعدالة والسلام لا للتحزب الطائفي وكره المختلف، ان يكون معلما ومربيا. وكي لا يكون السياسي المسيحي دجالا عليه ان يقدم الولاء للرب لا لسادته (لوياثان العصر)، ان يكون علامة نبوية يدافع عن حقوق الإنسان.
شكر وتقدير لكل مسؤول وسياسي عراقي مهما كان انتماؤه قال كلمة حق حول ما حصل ويحصل من هجوم سافر على كنيستنا بشخص ابينا البطريرك. ولنصل ونعمل كي تفشل المؤامرة الشريرة.
يقول الله للشرير في الكتاب المقدس “اذهب في شرك”، لأنه منح الحرية للإنسان ولكن الى حين.