لمناسبة رحيل الاب فرنسيس ذكريات وتوصية شخصية
فارقنا في هذه الأيام، بعد حياة كهنوتية خصبة، متنوعة وحافلة، وبعد شيخوخة طيبة، على حدّ عنوان الكتاب (نحو شيخوخة طيبة) الذي راجع ترجمته من قبل الاخت فداء الدومنيكية، بقلم الأب البنيدكتي انسلم كرون “نحو شيخوخة طيبة”
L’art de bien vieillir par Anselm Grün O.S.B.
وتوحي لنا سنواته الـ 96 بأنه عاش الكثير من مضامين هذه الكتاب، وكان، 15 نيسان 2016.
لقد وددت، في هذه المناسبة أن أكتب هذه السطور، التي تعود بي الى سنوات الاولى في معهد مار يوحنا الحبيب للأباء الدومنيكان الفرنسيين في الموصل. إذ عرفته عن كثب خلال سفراتي الصيفية شبه المنتظمة، إلى شقلاوة، بضيافة زميل التلمذة والصديق الأب صليوا (فوزي) عزيز رسام، وبرعايته اسرته الوارفة وبعلاقات طيبة مع أبناء عمومته وأخواله، وأبناء قرية شقلاوة، بحيث كرموني يوم رسامتي الكهنوتي، بحضور وفد بعدد مشرَف.
على أني أتوقف هنا لدى ذكرى المشحونة بالعواطف الوجدانية العميقة والتأثر البالغ. كان ذك خلال صيف من نهاية الستينيات، عندما سقط الاكليريكي (الاب) صليوا عن ارتفاع من سطح جانبي للكنيسة. كانت سقطة خطيرة، من ارتفاع، على صبة اسمنتية. وكنت آنذاك اتسامر مع الراحل والد أبونا صليوا، في جانب من حديقة منزلهم. فهرعنا، إلى حيث أخذوا صليوا الى مستوصف شقلاوة ومن هناك وجهونا الى اربيل، وكنت مع أبونا راعي كنيسة شقلاوة، في عربة الاسعاف، أبونا فرنسيس بجانب السائق، وأنا بجانب صلويا ممددا في العربة فاقد الوعي.
في اليوم التالي، قدس ابونا فرنسيس، قداسا خدمته، في كنيسة بأربيل، عرفت، من خبر نعيه بالموقع البطريركي، أنه خدمها لسنوات منذ منتصف الثمانينات (خورنة القلب الاقدس، حي عرب) وخلال خدمة القداس، رتلت ترتيلة معروفة بدايتها مشبحو يا مشيحايا، وألفنا ان نبدأها بمناداة يا بثولتا حاليثا، بآذي شيثا مشري كل بوركاثا (ايتها البتول الحلوة، بهذه الساعة احلي كل البركات…) وهي ترتيلة تتميز بردات ثلاث، متكررة بنغمة ملحة بوتيرة واحدة: سولايا دغبيني من كريستياني مرحق كل كورهاني: دات خدميلاخ بكل زونيه وعداني (يا معزية الحزانى، من المسيحيين ابعد كل الاضرار، ليخدمونك بكل زمن ووقت) ثم تاتي الردة الملحاح (بلبا بصيخا/ وبيهنا رويخا/ وحوبا خويخا) هاواي لاخ موديانيه؛ ومعناها (بقلب فرح، ونفَس رحب، وحب ممتزج) يكونوا لك شاكرين
ولدى الخروج من القداس، قال لي أبونا فرنسيس: يا نوئيل، هذه الترتيلة بإيقاعها المتكرر ثلاث مرات، بالوتيرة عينها، هي كمن يمسك امنا مريم العذراء من ياقة ثوبها، وبإصرار بنوي، يحرك ياقتها ليطلب منها شفاعتها… وأضاف: سوف ادعو جوقتنا في شقلاوة ان تحفظها وترددها… ومنذئذ بدأت الجوقة تتنشد تلك الترتيلة.
وبعد عودتنا مع العزيز (الأب) صليوا في طريق المعافاة، كان الاب قد اهداني صورته، بطلب مني، قبل مغادرتي شقلاوة، مع الاهداء بخط يده، موسوم بتاريخ 17 آب 1969.
وبعد، بقيت عالقة في الذاكرة، ملاحظة اوردها البعض من الذين يسعون إلى ايجاد حل لكل ما هو مستعصي، عندما شاهدوا نجاة الاكليريكي (الأب) صليوا من حادث سقوط على صبة اسمنت من ارتفعاع حوال 10 أمتار، قالوا: لعل ثوب السوتانه الذي كان يرتديه، كان له اثره، وهو ان السوتانة انتفخت بالهواء لدى السقوط، لتحاكي بهذا الشكل، تأثير مثل مظلة “الباراشوت” فخففت من صدمة الارتطام… !