الجحود عن الإيمان في الكنيسة الكاثوليكية
نقلا عن موقع أبونا
الأب ريمون جرجس الفرنسيسكاني :
1- المقدّمة
يصف كتاب أعمال الرسل المسيحيّن في الجماعة الكنسيّة الأوّلى بأنّهم المؤمنون، كونهم قبلوا الحقيقة، يسوع المسيح، في حياتهم وبطريقة عيشهم. وهذا يعني أنّ إيمان الجماعة الأوّلى لم يعتمد على نصّ مكتوب وإنّما على كلمة الله الحيّ والشهادة الحيَّة. فتأسست الكنيسة، وفقاً للتعبير الكلاسيكي للقديس توما الأكويني: “بالإيمان وبأسرار الإيمان”Ecclesia instituta per fibid et fidei sacramenta”. فالإيمان هو أساس الكنيسة والحياة المسيحيَّة: “البار يعيش بإيمانه”. فكل الأفعال والأقوال في الكنيسة تأسست على الإيمان، فيُبرر الشَّخص بالإيمان ويعيش بالإيمان. وعندما نفقد هذه الحقيقة الواضحة، تصبح الكنيسة جماعة إنسانيَّة بحتة، ذات هيكليَّة بيروقراطيَّة ترغب بتبرير وجودها أمام العالم بطرق ووسائل إنسانيَّة.
ومن واجب كلّ معمّد الحفاظ على وديعة الإيمان. وهذا الواجب متجذّر في الدَّعوة المسيحيَّة بواسطة سرّ المعموديَّة، وهو مطلب أخلاقيّ في الحياة المسيحيَّة. فكما السُّلطة الكنسيّة التعليميَّة هي صاحبة الحق لحمايَّة كلمة الله في جماعة المؤمنين، فكلّ معمّد يشترك في هذا الحقّ، والذي يشكل أحد جوانب العلاقة القانونيَّة للمعمّد مع الرسالة الموحاة. ويقتضي حقّ المؤمن في الحفاظ على الكلمة، الحقّ بعدم وجود تهديدات ظالمة ضدّ انضمّامه للإيمان. بالطبع، هذا لا يتعلّق بالتهديدات الداخليَّة ضدّ الإيمان لكن فقط تلك التي تنشأ من الخارج. وواجب الحفاظ على الشَّركة في الإيمان هو في الواقع، “متلازم مع حق الكنيسة، شرط لا غنى عنه للتبشير الصحيح. وبالتالي فمن واجب الكنيسة أن تطلب من المؤمنين الأمانة لهذه الوديعة كما تعلّمها هي نفسها”. وعندما نتحدّث عن الواجب الشَّركة في الإيمان لا يمكننا الحديث عن الإستقلاليَّة أو الحق في الحريَّة الدينيَّة، التي توجد حيث لا توجد واجبات قانونيَّة في مسائل الإيمان، كما هو الحال في إطار الدولة المدنيَّة. دون أدنى شك، هذا الواجب له طابع قانونيّ، أي أنه من واجب العدالة أن يبقى المعمّد في الشَّركة في إعتراف بالإيمان، من خلال سلوكه وعمله.
يوضّح المجمع الفاتيكاني الثاني في الدستور العقائدي “في الوحي الإلهيّ”، فكرة الوحي: أنّه قبل كلّ شيء ليس بمجموعة حقائق يجب الإيمان بها، حيث على العقل والإرادة أن يخضعا لها، لكن حوار محبَّة الله مع الإنسان: “لقد حسُن لدى الله، بجودته وحكمته، أن يكشف عن ذاتِهِ ويُعلِن سِرّ إرادته، الذي به يتوصّلُ البشر إلى الآب في الروح القدس، بالمسيحِ الكلمةِ المتجسِّد ويصيرون شركاء في الطبيعةِ الإلهيَّة. فإنّ الله غير المنظور، بفيضٍ من محبته للبشر، يُكلِمهم كأحباء ويتحدّثُ إليهم ليدعوهم إلى شركته ويقبلهم فيها”. فالإيمان يجب أن لا يُفهم في المقام الأوّل كقبول عقليّ “للوائح” الحقيقيَّة، لكن الخضوع الكامل لها لأنّها كلمة الله، وتسليم الذات بثقة وبطاعة لمن تكلّم في الوحيّ: “إنّ طاعة الإيمان أمرٌ واجبٌ لله الموحي(رومة 16: 26؛ 1: 5؛ 2 قور 10: 5-6)، وبهذه الطاعةِ يُفوِّضُ الإنسان أمره إلى تدبيرِ الله بكامِلِ حرِّيتِهِ، فيُخضِعُ لهُ تماما بعقله وإرادته، ويقبلُ، عن رضى، الحقائق التي يكشفُها له”. فالرابط المؤسّس لشركة بين المؤمنين هي وديعة الإيمان التي تأتينا من وحي الله، والتي تفسّرها السُّلطة التعليميَّة الحيَّة وحدها. وعلاوة على ذلك، فإنّ الله يوحي كي يمنح الإنسان الحقائق الموحاة، فإذا خضع لها العقل والإرادة، تصبح خلاصيَّة لمن يؤمن بها.
ويمكن تمييز موضوع الإيمان الإلهيّ بين الموضوع الشكلي والموضوع المادي. ويعتقد اللاهوت الكنسيّ بالاجماع أن ما هو متضمّن شكليّا في مصادر الوحي، سواء الصريح أو الباطني، هو موضوع مادي للإيمان الإلهيّ؛ بينما فيما يخصّ مضمون الفضائل فيمكن القول أنّها تخضع لمناقشة السلطات.
جمعت الحقائق الموحاة في الكتاب المقدس وفي التقليد الكنسيّ، الذي يعرّفه المجمع الفاتيكاني الثاني بأنه نقل كامل للكلمة التي عهد بها المسيح إلى الرسل وخلفائهم، الأساقفة، لكي يحتفظوا بها عن طريق الوعظ، ويعرضوها وينشروها. يؤكّد نصّ دستور “كلمة الله” أن الكتاب المقدس والتقليد “يجب أن يكونا مقبولين بنفس الأحاسيس التقويَّة والإخلاص” لأنه يشكل “وديعة مقدّسة واحدة من كلمة الله التي عهد بها إلى الكنيسة” ويعترف أنّ السُّلطة التعليميَّة الحيَّة لديها مهمّة تفسيير كلمة الله المكتوبة والشفويَّة بشكل رسمي. فالكتاب المقدّس بالنسبة للكنيسة الكاثوليكيَّة هو أحد المنابع الجوهريَّة للإيمان، وأنّه ليس مستودع الإيمان الوحيد.
وفي اللاهوت الكاثوليكي، الطابع الكنسيّ للإيمان يجب أن ينعكس بالضرورة بالإشارة على السُّلطة التعليميَّة بإستمرّار. وتعتبر السُّلطة الكنيسة التعليميَّة سلطة خدمة، لأنّ هذه السُّلطة ليست فوق كلام الله ولكنّها تخدمه، إذ إنها لا تُعلِّمُ إلا ما استلمته، بحيث أنّها بتكليفٍ من الله وبمعونةِ الروح القدس تُصغي إليه بتقوى وتحفظه بقداسةٍ وتعرضه بأمانةٍ. ومن وديعة الإيمان الواحدةِ هذه تنهلُ كل ما تقدّمهُ من حقائق يجبُ الإيمان بها كموحاةٍ من الله”. لهذا السبب، يجب ألا تنفصل سلطة الكنيسة التعليميَّة عن الكنيسة، فهي تعتبر مهمّة ووظيفة ترافقها مواهب في الجماعة ولأجل الجماعة.
وتمرّ كلمة الله أيضاً في تقليد الكنيسة الذي يكفله الطابع الرسوليّ وتنشره الكنيسة بطرق متعدّدة. كتب العلامة توما الأكويني:” في الكتاب المقدس، تُنقل الينا الأمور الإلهيَّة بحسب الطريقة التي اعتاد الناس أن يفهموها”. فهذا التعليم حُفظ بطريقة حيَّة في الكنيسة، لأنّ الروح القدس أعطي لها ويوجّهها ويرشدها.إنَّها “عمود الحق وركنه” (ا طيموتاوس 3/ 15)، ولقد أنارها روح الحقّ لتحفظ كلمة الله والتقليد المقدس بأمانة وتعرضها وتنشرها. فتقليد الإيمان الرسوليّ في الكنيسة هو دليل ضروريّ لفهم الكتاب والضمانة الأساسيَّة للتفسير الصحيح. وكل تفسير للكتاب المقدس “يخضع أخيرا لحكم الكنيسة، التي كلفّت بمهمّة حفظ كلمه الله وشرحها بانتداب من الله”. وبعبارة أخرى ليست الكنيسة سلطة خارجيَّة مهمتها الحكم على الكتاب المقدس، بل أنَّها تحفظ الحقيقة الإلهيَّة المودعة فيه”. فالإيمان المعلن من قبل جسد الكنيسة (sensus fidelium)، تحميه وتفسّره السُّلطة التعليميَّة المألوفة وغير المألوفة الممنوحة من السيّد المسيح إلى الرسل وإلى خلفائهم. فالوحي وتعليم الكنيسة يشكّلان إتّحاداً طبيعياً ولا يمكن الفصل بينهما. وفقاً للمجمع الفاتيكاني الثاني: ” يتّضِحُ أنّ التقليد المقدس والكتاب المقدس وسُلطة الكنيسة التعليميَّة، بتدبيرٍ إلهيّ كُلّيّ الحكمة، ترتبطُ ببعضها وتشتركُ فيما بينها، إلى حدِّ أنّ لا قيام للواحد منها دون الآخرين، وإنها كلّها مجتمعة، وبحسب طريقةِ كلٍّ منها وبتأثيرِ الروحِ الواحدِ، تُساهم بصورةٍ فعّالةٍ في خلاصِ النّفوس”.
لا ينكر المجمع الفاتيكاني الثاني أنّ التقليد يمكن أن يكون أيضاً مصدراً مميّزاً للوحي جنبا إلى جنب مع الكتاب المقدّس، “لذلك، لا تنهل الكنيسة اليقين عن محتويات الوحي كلّها من الكتاب المقدس وحده”. والمقصود من “التقليد الحي”، الذي يشير إلى طريق الكنيسة في التاريخ، أمانة للمسيح ولإنجيله المنقول من الرسل. فالتقليد والكنيسة هما تعبيراًن متلازمان بشكل وثيق: من جهة، “الكنيسة، بتعليمها وحياتها وطقوسها، تُخلِّدُ وتنقل للأجيالِ بأسرها كلّ ما هي عليه وكلّ ما تؤمن به”، لذا أيضاً ” أقوالُ الآباءِ القدّيسين بحضورِ التقليد المُحيي الذي يفيض مِن ثرواته على أعمالِ الكنيسة وحياتها في إيمانها وصلاتها”، من جهة أخرى، “التقليد المقدس فإنّه ينقل كلام الله كاملا – وقد ائتُمِن عليه الرسلُ من لدُنِ المسيحِ والروح القدس- إلى خلفائهم لكي يبشِّروا به”.
يقتضي القبول المستمر للرسالة الموحاة مطلباً أساسيّاً من الأمانة في الإيمان والمحافظة على الكلمة الإلهيَّة. وسميت في عالم الفكر القانونيّ: الوديعة. وتقع مهمّة المحافظة على الكلمة ضمن مسؤوليَّة شعب الله كلّها. فكلّ مؤمن ومجموعة أو جماعة مؤمنين لا يمكن ان تُعفى من هذه المسؤوليَّة، ضمن مجالها في الحياة وإمكانياتها. فهذا يعتبر حق المؤمن في المحافظة على الكلمة، أي أن لا يكون مهدداً لتمسكه بإيمانه. فهناك تصرَّفات من قبل المعمّدين تضرّ أو تهدد الإيمان، وتشكّل ظلماً حقيقيّاً، لأنها تهاجم حقّه في العيش ضمن “بيئة كنسيّة سليمة”. فالأمانة الشخصيَّة للكلمة تتطلب إتمام جميع الواجبات المسيحيَّة، ولا سيما في بعديها التنشئة الدائمة وانسجام الحياة مع الإيمان. بالتأكيد قد يتعرّض المؤمن لتهديدات داخليَّة وخارجيَّة ضدّ إيمانه، وليس بالضرورة أنَّ تشكّل ظلماً، إلاّ إذا كانت ضدّ الحقّ الطبيعي للحريَّة الدينيَّة، هذا في حال كانت التهديدات خارجيَّة؛ أمّا إذا كانت من داخل الكنيسة، فإنَّها تعتبر انتهاكاً للواجب القانونيّ في المحافظة على الإيمان.
وفقاً لوثائق المجمع الفاتيكاني الثاني، فإنَّ الانضمّام التامّ إلى الكنيسة لا يمكن أن ينعزل عن مفهوم الشَّركة. فقد أصرّ آباء المجمع الفاتيكاني الثاني على ربط كلمة الشَّركة التامّة “plenae” مع كلمة الاندماج “incorporantur”، لأن كلّ معمّد هو في الواقع ينتمي إلى الكنيسة بطريقة ما، وإن لم يكن بشكل كامل وتام. في الحقيقة، فإنَّ المؤمنين في الكنيسة المنضمّون فيها بفعل الروح القدس من خلال سرّ المعموديَّة هم مندمجون بشكل جذري غير قابل للالغاء، فيها المعمدون يعيشون إيمانهم وحياتهم المسيحيَّة من خلال المشاركة في خيرات الفداء الموجودة والمتاحة لدى كلّ بنيَّة كنسيّة. وهم ملتزمون في العيش بإيمان الواحد، وأن يحافظوا على الشَّركة مع الكنيسة نفسها، أي البقاء أمناء للحقيقة الخلاصيَّة الموحاة التي انضمّ إليها. في واقع الأمر، إنّ واجب البقاء امناء مرتبط بواجب الحفاظ على الشَّركة مع الكنيسة ومع الله عندما يعترف المعمّد بالإيمان الحقيقي.
من الخصائص الأساسيَّة للكنيسة هي “الشَّركة”؛ ولا يوجد في الكنيسة وحدة إن لم تكن شركة، ولا وجود للكثلكة إن لم تكن هي أيضاً شركة. وليس هناك من لا يرى أنّ مفاهيم “الوحدة” و”الشَّركة” اللتين لهما صلة بالكنيسة بأنهما مميزتين بوضوح، لأنّ “الوحدة” هي صفة للكنيسة وغير قابلة للتعديل في الكثير أو في القليل، بينما “الشَّركة” صفة لأولئك الذين هم في شركة مع الكنيسة ويمكن أن يكونوا في شركة غير تامّة. وأنّ المؤسّسة مرتبطة بسرّ شركة الكنيسة، وليس العكس: “الكنيسة في المسيح هي بمثابة السرّ، أي العلامة والأداة في الإتّحاد الصّميم بالله ووحدة الجنس البشريّ”. أكّد المجمع الفاتيكانيّ الثاني أنّ الوحدة كما يريدها المسيح لكنيسته تتحقّق بفعل الروح القدس وأيضاً بالإعتراف بالإيمان الواحد وبالإحتفال المشترك بالعبادة الإلهيَّة وبالاتفاق الأخويّ في عائلة الله. لذا الوحدة الكاثوليكيَّة هي شركة.
نحن نعلم أنّ المجمع الفاتيكانيّ الثَّاني فتح آفاقًا جديدة في هذا الشأن. في حين أنّ بيوس الثَّاني عشر، في Mysterici Corporis، الَّذي مثّل تقدمًا عقائديًّا كبيرًا في الانتماء إلى الكنيسة، لا يزال محددًا للانتماء إلى كنيسة المسيح والانتماء إلى الكنيسة الكاثوليكيَّة. أخذ المجمع في الاعتبار” وجود عناصر كنسيّة إيجابيَّة في المجتمعات المسيحيَّة غير الكاثوليكيَّة. إنّه يؤكد أنّ كنيسة المسيح تعيش بالكامل في الكنيسة الكاثوليكيَّة، ويصرّ على هويَّة ما يسمى بالكنيسة غير المنظورة والكنيسة المنظورة. لكنه لا يتردد في إعطاء اسم “الكنيسة” للكنائس الأرثوذكسيَّة و”الجماعة المسيحيَّة” إلى الجماعات البروتستانتيَّة.
2- الجحود عن الإيمان في الشَّرع الكنسيّ الكاثوليكيّ
من الضروري التأكيد على أن المؤمنين الذين يتخلون عن الكنيسة الكاثوليكيَّة بأي شكل من الأشكال لا يفقدون الشركة معها تمامًا، بل يفقدون الشركة الكاملة فقط (ق. لاتيني 205). هذا يعني أنهم، بغض النظر عن اختيارهم ووعيهم، حتى في خطورة عملهم، يبقون متصلين بالكنيسة وبطريقة ما تستمر الكنيسة في الاعتناء بهم. متمنيَّة دائمًا بعودتهم إليها. لهذا السبب، إذا طلبوا لاحقًا العودة إليها، فسيتم قبولهم مرة أخرى في الشركة الكاملة مع الكنيسة الكاثوليكيَّة، وبالتأكيد لا يتعين عليهم الحصول على الأسرار المقدسة التي تم تلقيها بالفعل مسبقاً.
الاعتبار الثاني الَّذي يجب الآخذ به يتعلّق بتمييز الظروف المختلفة. سيكون من الضروري التدقيق بكلّ حالة على حدة، مع الأخذ في الاعتبار نوع الحركة الدينيَّة الجديدة التي اختارها المؤمنون وكذلك الطرائق والظروف التي انضم إليها. لإعطاء بعض الأمثلة: سواء كان كاثوليكيًا حصل على معموديَّة شهود يهوه، أو معموديَّة المورمون ، أو وافق على أداء أعمال التكريس والعبادة لكريشنا، أو أصبح من أتباع ساي بابا معتبرين معلمهم على أنه تجسد المطلق، فلا بد من الاعتراف بشرط “التخلي بفعل رسميّ عن الكنيسة الكاثوليكيَّة” (ق. لاتينيّ 751). وييكون الحكم أكثر صعوبة عندما تكون هناك حالات لأتباع تلك الحركات الدينيَّة التي تؤكد العضويَّة المزدوجة ؛ حتى في حالة الإدراك الواضح أنه من غير الممكن من وجهة النظر الكاثوليكيَّة الجمع بين الإيمان بيسوع المسيح والالتزام بالحركات التي تدعم عمومًا خلاص الذاتي للإنسان، فإن التحقيق الشخصي سيكون ضروريًا لهذه الحالات.
– مع ذلك، لا بدّ من التمييز بين “خطيئة” الانشقاق و “جريمة” ذات الصلة. إن فعل التخلي الرسمي عن الكنيسة الكاثوليكيَّة للانتقال إلى دين آخر أو حركة دينيَّة يستلزم، قبل كل شيء، مسؤوليَّة أخلاقيَّة شخصيَّة أمام الله؛ ولكن كي تصبح جريمة، مع ما يترتب عليها من عقوبة قانونيَّة، يجب أن تفترض العناصر المناسبة للجريمة، أي أن هناك انتهاكًا خارجيًا ، يُعزى بشكل خطير إلى سوء السلوك المتعمد (أي عن طريق الإرادة المتعمدة) أو عن طريق الخطأ (أي عن طريق الإهمال) ، مخالفة وُضعت بسببها عقوبة أو عقوبة قانونيَّة (ق. لاتينيّ 1321). لذلك، إذا تكررت هذه العناصر وأظهر مؤمن انشقاقه من الخارج وقبله المؤمن الآخر (أي أن الانشقاق قد تم بالفعل بموجب القانون اللاتينيّ 1330)، فنحن أمام جريمة حقيقيَّة، يستتبع تلقائيا عقوبة الحرم بموجب القانون اللاتيني 1364 § 1.
-تحدّث الشَّرع اللاتيني عن المسؤوليَّة الأخلاقيَّة لكل شخص أمام الحقيقة الموحاة، فهناك انعكاسات متعددة لها طبيعة قانونيَّة بشكل مباشر، والتي تظهر فوق كل ذلك أنّ الكماليَّة في الإيمان وفي الأخلاق يشكّلان الأساس الأوّل وحدّ الشَّرعيَّة كلّ نشاط كنسيّ: “الناس كلهم ملزمون بالبحثّ عن الحقيقة، في كل ما يتعلّق بالله وبكنيسته؛ فإذا ما إطّلعوا عليها، كان لهم، بفعل القانون الإلهيّ، الحق وعليهم الواجب في إعتناقها والإلتزام بها”(ق. لاتيني 748 البند1). لذلك، فإن محتوى الواجب القانونيّ في المحافظة على الإيمان له طابع سلبي، أي إحترام إيمان الآخرين قبل كلّ شيء، بتجنّب أي أذى قد يلحق بشكل مباشر لإيمانهم، والطابع الإيجابيّ المحدّد في الإعتراف بالإيمان بشكل علنيّ سواء من خلال طقوس ليتورجيَّة أو كطلب بالاقرار بقانون الإيمان كشرط قانونيّ للتوليَّة القانونيَّة (ق.لاتيني 833). توضّح الشَّركة في الإعتراف بالإيمان جانبين من الواجب القانونيّ في الحفاظ على الكلمة: أولا، الطابع الوحدوي للإيمان المسيحيّ والكاثوليكي الذي هو أساس وحدة الكنيسة نفسها، وبالتالي هي الشَّركة الكنسيّة، ومن ثم البعد القانونيّ لهذه الوحدة، كون الرابط وفقاً لهذا السياق هو الإعتراف الجامع بالإيمان. ليس هنا إي إشارة مباشرة إلى الإيمان في حد ذاته كفضيلة إلهيَّة، بل للممارسة الخارجيَّة التي يقوم بها المؤمن أمام الآخرين. فالإعتراف بالإيمان هو فعل شخصيّ، والواجب القانونيّ للبقاء في الشَّركة في الإعتراف بالإيمان يتحقّق بواسطة إعلان عن الإيمان الفعلي.
أقرّ الشَّرع اللاتيني الحالي أن الإعتراف بالإيمان يتطلب الإعتراف بجميع حقائق الإيمان الإلهيّ والكاثوليكيّ وبرابط الأسرار المقدّسة، التي هي نفسها للكنيسة جمعاء، وبالتالي هي عامل الوحدة داخل الكنيسة، وجزء من وديعة الإيمان والوحي (ق. لاتيني 841). بموجب القانون اللاتيني 750: “يجب الإيمان إيماناً إلهيّاً وكاثوليكياً بكل ما تحويه كلمة الله، المكتوبة أو المنقولة عن طريق التقليد، أعني بكل ما تحويه وديعة الإيمان الوحيدة المؤتمنة عليها الكنيسة، والتي تعرضها في الوقت ذاته على أنها موحاة، إما بسلطتها التعليميَّة الرسميَّة أو بسلطتها التعليميَّة الإعتياديَّة والجامعة، ويتقبّلها المؤمنون عامّة تحت قيادة سلطة التعليم المقدس؛ ولذلك يجب ان يجتنبوا كل العقائد المخالفة لها”.
ولكي نحدّد العنصر الموضوعي للجريمة يجب اللجوء إلى القانون اللاتيني 751: “يُدعى هرطقة، الانكار العنيد، بعد قبول المعموديَّة، لايَّة حقيقة يجب الإيمان بها إيماناً إلهيّاً وكاثوليكياً، أو الشك العنيد فيها؛ ويُدعى جحوداً، انكار الإيمان المسيحيّ كليّاً؛ ويُدعى جحوداً، الخروج على الطاعة للحبر الأعظم، أو الخروج على الشَّركة مع أعضاء الكنيسة الخاضعين له”. يعتبر هذا القانون أنّ الجرائم المذكورة فيه، يرتكبها فقط المؤمن بعد الحصول على سرّ المعموديَّة، فغير المعمّد لا يخضع لهذه الجرائم. وأيضاً الذين جحدوا الإيمان واعتنقوا هرطقة وتخلّىوا عن الكنيسة ولم يبلغوا السادسة عشرة من عمرهم.
العنصر الموضوعي لجريمة الجحد بالإيمان مكوّن من “انكار الإيمان المسيحيّ كليّا”. هناك من الكتّاب من يعتقد بأنّه فعل حرّ ينطوي على رفض الأسرار المحوريَّة للإيمان، أي الثالوث القدوس والتجسد، اللذين يشكلان الأساس نفسه للإيمان. هذا الفعل قد يوضع إمّا رفض مباشر لهذه الحقائق الذي يظهر في العديد من المسلكيات الموجهة لهذا الغرض، أو في التبني بوعي معتقدات تتعارض مع المعتقدات المسيحيَّة. ولأنّ الرَّفض هو فعل يظهر عمل الإرادة، الذي يقوم على إعلان من الضروريّ أن يكون مرئياً من قبل الآخرين (ق. لاتيني 1330) لكي تكون الجريمة مكتملة.
يمكن التحقّق من الجحود في الإيمان بالطرق الأربعة: 1-الجحود عن الإيمان المسيحيّ بشكل ظاهري، على سبيل المثال الاعلان العامّ عن إرادة الجحود بالإيمان؛ 2-الانضمّام بوعي وبشكل فعليّ لديانة لا تنسجم مع الحقيقة الكنيسة الموحاة من المسيح؛ 3-الموافقة بفعل إرادي إيجابيّ وظاهري وعلنيّ ومعروفة من قبل الجميع، لأفكار أو تعاليم فلسفيَّة التي تنادي بالإلحاد أو أي فكر لا يتطابق مع الحقيقة الإلهيَّة والكاثوليكيَّة؛ 4-الجحود بفعل رسمي عن الكنيسة.
عالج “الشَّرع اللاتيني الحالي مسألة الجحود عن الكنيسة الكاثوليكيَّة defectio ab Ecclesia بإستخدام ثلاث صفات:
1-الجحود العام: الذي يشير إلى فعل حر، واع ومراد من المؤمن، يمكن معرفته أو كشفه في المحكمة الخارجيَّة لعدد قليل من المؤمنين (ق.لاتيني 130).
2-الجحود العلنيّ: يتطلّب هذا النوع من الجحود القدرة على معرفته. على سبيل المثال: إظهار أفكار تتعارض مع الإيمان الكاثوليكي بشكل علنيّ، انضمّام المؤمن في بدعة أو تنظيم يمارس عقائد دينيَّة أو أيديولوجيَّة تتناقض مع تعاليم الكنيسة الكاثوليكيَّة. ذكر الشَّرع اللاتيني الحالي ستة قوانين حول الانفصال عن الكنيسة دون الحديث عن الفعل الرسميّ للتخلّي: القانون اللاتيني 171- البند 1- يُعتبر غير أهل للتصويت: 4- مَن إنفصل علناً عن الشَّركة مع الكنيسة؛ القانون اللاتيني 194- البند 1- يُعزل من الوظيفة الكنسيّة بحكم القانون ذاته: 2- مَن ارتدّ علناً عن الإيمان الكاثوليكي، أو عن الشَّركة مع الكنيسة؛ القانون اللاتيني 316 – البند 1- مَن جحد الإيمان الكاثوليكي علناً، أو تمرّد على السُّلطة الكنسيّة، أو حلّت به عقوبة الحرمان أو أُعلن عنها، لا يجوز قبوله على وجه صحيح في الجمعيات العامَّة؛ القانون اللاتيني 694- البند 1- يُعتبر مفصولاً تلقائياً من المؤسّسة العضو الذي:1- جحد الإيمان الكاثوليكي علناً؛ القانون اللاتيني 1071 – البند 1- بإستثناء حالة الضرورة، لا يجوز، دون إذن الرئيس الكنسيّ المحلي، حضوره: 4. زواج مَن جحد الإيمان الكاثوليكي جهرا.
3 – الجحود بفعل رسمي: يشير هذا التعبير إلى فعل قانونيّ يتممه المؤمن بوعي وبقصد صريح (ق.لاتيني 124 البند1) ، والذي يتجلى ظاهريا (ق. لاتيني 130) أمام السُّلطة الكنسيّة المختصّة”.
كان أكبر نقاش وتنوع في الآراء في العقيدة حول التفسير الصحيح الَّذي يجب تقديمه لمتطلبات الإجراءات الشكليَّة، بالنظر إلى أنه في القاعدة لا يوجد سوى إشارة عامة إلى الفعل الرسميّ. في المقام الأوَّل، ما الَّذي يجب أن يُفهم من الإشارة إليه؟ يمكن بسهولة تتبع الآراء العديدة الَّتي ظهرت في هذا الصدد إلى ثلاثة فروع مختلفة، وفقًا لما إذا كان العنصر الرسميّ يُفهم على أنه يعني الشكل الجوهريّ، والشكل الخارجيّ الأساسيّ، والشكل الخارجيّ العرضيّ. يميل توجه الأقلّيَّة نحو تفسير ضعيف لمتطلبات الإجراءات الشكليَّة في ما يتعلّق بكل من وظيفتها، والَّتي يتم تقليصها عمليًّا إلى مرتبة شكل خارجيّ عرضيّ، وإلى التحديد الملموس للفرضيات الَّتي يمكن تصنيفها على أنها رسميَّة، وتصل إلى الممارسة، للنظر رسميًّا في أي مظهر خارجيّ يمكن من خلاله استنباط الرغبة في الجحود عن الكنيسة الكاثوليكيَّة. ودعمًا لمثل هذا التفسير الواسع، يُقال إنه بهذه الطريقة فقط يمكن احترام روح المشرّع والهدف الَّذي يسعى إليه، أي تفضيل صحة الزَّواج قدر الإمكان. العقيدة في الأغلبيَّة موجّهة نحو تفسير، مقارنة بالتفسير السابق، هو بالتأكيد أكثر صرامة من حيث أنه يعتبر أن متطلبات الشكليات شكل خارجيّ أساسيّ. لذلك لا يكفي أن يتوقف المؤمنون الكاثوليك عن ممارسة الإيمان، أو أن يعلنوا أنفسهم على أنهم غير مؤمنين، أو يتهربوا من واجبات الخضوع الناشئة عن الشركة الكنسيّة؛ من الضروريّ أن يتحقّق المظهر الخارجيّ لفعله لرغبته في الجحود عن الكنيسة الكاثوليكيَّة من خلال عمل قانونيّ حقيقيّ ذي طبيعة عامة.
إنّ المفهوم الأكثر صعوبة في تحديده، يتمثل في جوهر هذا القانون في الفعل الرسميّ، سواء في تعريفه النظريّ أو تطبيقاته الملموسة. دعونا نلاحظ على الفور أنّ كلمة “فعل” تأخذ معنى في الشَّرع فقط من خلال المحدد الَّذي يرافقها. ولكن يمكن للشخص أن يحدّد على الفور أنه يتعلّق بفعل قانونيّ بموجب القوانين 124-128، أي “فعل اجتماعيّ إنسانيّ تم طرحه بشكل شرعي، ويُقرّ به القانون في هذه الحالة ولهذا له أثرًا قانونيًّا محددًا”. لكن ما هو الفعل الرسميّ؟ يمكن أن يكون لهذا التعبير عدة معانٍ. في بعض الأحيان، تعني” في الشـكل القانونيّ”: على سبيل المثال. أمر رسميّ، مرسوم رسميّ (ق. لاتينيّ 322، 1، 579، 589). لها هذا المعنى عندما (وفقط عندما) تؤهل عمليَّة يحدد القانون من أجلها الشــكل الَّذي يجب أن يؤدي فيه الفعل لكي يكون صحيحًا (ق. لاتينيّ124 البند 1) المعنى الثَّاني، الشكليَّة تتعارض مع المادة بمعنى أننا “نميز بين السلوك الموضوعيّ والإدراك الذَّاتيّ والواعي والطوعيّ لهذا السلوك. إذا كانت النيَّة الذَّاتيَّة للوكيل تتوافق مع الطبيعة الموضوعيَّة لفعله، فسيُقال إنها رسميَّة: وبالتّالي، هناك كذبة رسميَّة عندما يُضاف القصد الخاطئ إلى الإقرار الَّذي نعرفه ويريد أن يكون مخطئًا. وفقًا للمعنى الثَّالث، الرسميَّة تعارض الظاهريّ. يعتمد التمييز على الطريقة الَّتي تُعرف بها النيَّة الداخليَّة للشَّخص: إما عن طريق التعبير المباشر عن هذه الإرادة بالكلمات أو الإشارات المكافئة (سيكون هذا بعد ذلك فعلًا رسميًّا) أو نتيجة مستنتجة من القوة العاملة، في هذا القانون. بهذا المعنى، فإنّ التصرف العلنيّ والمخالف للإيمان والأخلاق المسيحيَّة سيُقال عنه أنّه جحود فعليّ عن الكنيسة. أخيرًا، نلاحظ أنّ الفعل الرسميّ أو الصريح قد يكون ظاهريًا، على سبيل المثال: عندما يقول أحدهم صراحة أنَّه سيترك الكنيسة الكاثوليكيَّة، أو ضمنيًّا، على سبيل المثال. إذا أعلن الانتماء إلى طائفة أخرى.
هناك من الكتّاب مَن يعتقد بأنه فعل حرّ ينطوي على رفض الأسرار المحوريَّة للإيمان، أي الثَّالوث القدوس والتجسد، اللذين يشكّلان الأساس نفسه للإيمان. هذا الفعل قد يوضع إمّا برفض مباشر لهذه الحقائق الَّذي يظهر في العديد من المسلكيات الموجّهة لهذا الغرض، أو في التبني بوعي معتقدات تتعارض مع المعتقدات المسيحيَّة، ولأن الرَّفض هو فعل يظهر عمل الإرادة، الَّذي يقوم على إعلان من الضروريّ أن يكون مرئيًا من قبل الآخرين (ق، لاتينيّ1330) لكي تكون الجريمة مكتملة.
اصدر في هذا الصدد، مجلس الحبريّ الاستشاريّ للنصوص التشريعيَّة من خلال رسالة عموميَّة ” Actus formalis defectionis ad Ecclesia Catholica” بتاريخ 13 آذار 2006، المبادئ التوجيهيَّة والإجراءات القانونيَّة اللازمة من أجل إظهار بشكل صحيح “فعل رسميّ “للجحود. أوّلًا وقبل كلّ شيء، يجب أن يكون الفعل القانونيّ للكنيسة فعلًا قانونيًّا رسميًّا صحيحًا ليُنجزه المؤمنون الَّذين يتمتّعون بالأهليَّة القانونيَّة وفقًا لأحكام القانون الكنسيّ (ق. لاتينيّ 124-126). بعبارة أخرى، فإنّ الانفصال عن الإيمان الكاثوليكيّ، الَّذي اعتبر أمرًا واقعًا، قد أُنشئ رسميًّا مع تدخل السُّلطة الكنسيّة وبعدها. في الواقع، يشير التعليق التوضيحيّ في سجل المعموديَّة إلى أنّ الجحود الرسميّ قد عولج وجرى التحقّق منه وإثباته بالوثيقة الرسميَّة الموقعة من المؤمن المنشق والصادرة عن سلطة الأبرشيَّة المختصة.
“1-لكي يكون التخليّ عن الكنيسة الكاثوليكيَّة صحيحًا من خلال ” actus formalis defectionis ab Ecclesia catholica ” يجب أن يوجد: أ) قرار داخليّ لمغادرة الكنيسة الكاثوليكيَّة؛ ب) تنفيذ وإظهار خارجيّ لهذا القرار؛ ج) قبول السُّلطة الكنسيّة المختصّة مثل هذا القرار. 2- مضمون فعل الإرادة يجب أن يكون الانفصال عن روابط الشَّركة-الإيمان والأسرار والحكم الراعويَّة – الَّتي تسمح للمؤمنين بقبول حياة النعمة داخل الكنيسة، وهذا يعني أنّ مثل هذا الفعل الرسميّ من جحود ليس لديه فقط طابع قانونيّ إداريّ (مغادرة الكنيسة بمعنى السجلات مع العواقب المدنيَّة)، بل إنّه يعكس الانفصال الحقيقيّ عن العناصر الأساسيَّة لحياة الكنيسة: فإنّه يفترض فعل هرطقة، بدعة أو جحود. 3- فعل تخلّي القانون الإداريّ عن الكنيسة، في حدّ ذاته، لا يستطيع تشكيل فعل رسميّ من جحود على نحو ما هم مقصود في الشَّرع اللاتينيّ، لأنّه قد تبقى إرادة المثابرة في شركة الإيمان. من ناحيَّة أخرى، الهرطقة الرسميَّة أو الماديَّة، الجحود والبدعة لا تشكّل لوحدها فعلًا رسميًّا من الجحود، إذا لم يتحقّق بشكل ظاهريّ وإذا لم تكن ظاهرة كما يجب أمام السلطة الكنسيّة، 4، يجب أن يكون فعلًا قانونيًّا صحيحًا اتّمه شخص مؤهّل قانونيًّا ووفقًا للتشريع الكنسيّ الَّذي ينظّمه (ق، 124-126). هذا الفعل يجب أن يصدر بشكل شخصيّ، واعٍ وحرّ. 5، يطلب أيضًا أن يعبّر الشَّخص المعنيّ عن هذا الفعل كتابة، أمام السُّلطة المختصّة للكنيسة الكاثوليكيَّة: الرَّئيس الكنسيّ أو كاهن رعيته، الَّذي لديه اختصاص للحكم في وجود أولا في فعل إرادة محتوى العدد 2. ونتيجة لذلك، فقط تطابق العنصرين – الوجه اللاهوتيّ للفعل الداخليّ وتجليه على نحو نهائيّ- يشكّل actus formalis defectionis ab Ecclesia catholica، مع العقوبات الكنسيّة (ق، لاتيني 1364، البند 1 )، 6. في هذه الحالات، تهتم السُّلطة الكنسيّة نفسها المختصّة بكتابة ملاحظة في سجل المعموديَّة (ق، لاتيني 535، البند 2) واقعة ” defectio ab Ecclesia catholica actu formali “، 7، مع ذلك، من الواضح أنّ الوثاق الأسراريّ للانتماء إلى جسد المسيح الَّذي هو الكنيسة، باقٍ، لأن الطابع السرّيّ في المعموديَّة، هو رباط انطولوجيّ دائم ولا يلغى لايَّ سبب أو فعل من جحود، لذلك، فإنّ مفعول المعموديَّة غير قابل للإلغاء، ويعتبر جانبًا أساسيًّا في الشَّركة الكنسيّة لا يفتقد أبدًا.
إنّ إعلان المجلس الحبريّ للنصوص التشريعيَّة المعروف باسم بروتوكول عدد 10279/2006 لا يقدم إجراءً قانونيًّا تحت وطأة “بطلان فعل الجحود” في حالة عدم الامتثال لإملاءات المبادئ التوجيهيَّة. هذا،بالتأكيد، سيفتح الباب لكثير من الأسئلة اللاهوتيَّة والشَّرعيَّة. هل تعتبر الإجراءات الشكليَّة الَّتي قدمها المجلس الحبريّ جزءًا لا يتجزأ من ius vigens؛ بعبارة أخرى، هل سيكون جزءًا من القانون المطبق على مسألة محددة (iure condito) مثل الجحود عن العقيدة الكاثوليكيَّة، أو ينطبق فقط على الفصل الَّذي يُفرَض بشكل فوري في نفاذ القوانين الشَّرع اللاتيني1086 §1، 1117 و 1124؟ هل يمكن اعتبارها قاعدة آمرة (ius cogens) وبالتالي إلزاميَّة بدون أي انتقاص ممكن؟
يتضمن التفسير بالمعنى الدقيق للكلمة صعوبة بالغة في إضفاء الطابع الرسميّ على الجحود عن الكنيسة الكاثوليكيَّة لأنه يتطلّب العنصر الرسميّ. في الواقع، فإنّ الفصل بفعل رسميّ هو دائمًا مبادرة من الشَّخص الَّذي ينوي توثيق علاقاته مع جسد المسيح السرّي (العنصران الذَّاتيّ واللاهوتيّ)؛ إنها ليست أبدًا مبادرة من السُّلطة الكنسيّة المختصة الَّتي تتمثل مهمتها في التحقّق من الجحود الَّذي يتطلّبه البروتوكول وإضفاء الطابع الرسميّ عليه. 10279/2006. إنّ رفض الشَّخص للتصرف،وفقًا للعنصر الرسميّ، سيسهل في النهايَّة الجحود من جانب واحد، في حالة التأكد من العنصر اللاهوتيّ من خلال طلب مكتوب أُرسِل رسميًّا وعلنيًّا إلى السُّلطة الكنسيّة المختصة.
في الواقع، يوضع الحل التفسيري المعتمد من قبل pctl على خط أكثر تقييدًا، حيث يتطلّب الفعل الرسميّ، بالإضافة إلى وجود متطلبات الصلاحيَّة المشتركة المنصوص عليها في النَّظام الأساسيّ لجميع الأفعال القانونيَّة.أي إنّ الفعل قد وضعته من الذَّات بطريقة شخصيَّة وواعيَّة وحرة. وإعلان صحتها يتجلى كتابةً أمام السُّلطة الكنسيّة المختصة. في الواقع، من الآن فصاعدًا، لم يعد بالإمكان اعتبار الإعلان الرسميّ المكتوب أمام سلطة الدولة، أو الإعلان العام في وسائل الإعلام، بل حتى الإعلان الشفويّ الرسميّ أمام السُّلطة الكنسيّة، كافيًا لإدماج شرط شكليّ. يتطلّب الشكل المكتوب وقبوله من قبل السُّلطة الكنسيّة بشكل مشترك لهذا الغرض. حتى التفسير الصارم والحرفي لعبارة “الَّتي تظهر في الكتابة وأمام السُّلطة الكنسيّة”، شرعيّ لدعم الحاجة إلى الحضور الماديّ للمعلن أمامها، على الأقلّ من الناحيَّة النظريَّة، مع استبعاد إمكانيَّة اللجوء إلى إخطار كتابيّ بسيط.
تضع الرسالة الحاجة إلى تمييز مسبق وواضح بين الملامح المختلفة الَّتي تظهر في ما يتعلّق بفعل الجحود الرسميّ: العنصر الداخليّ والشَّخصيّ (ما يسمى اللاهوتيَّ). والعنصر الإداريَّ القانونيّ الخارجيّ. في الواقع، يجب تقييم الخصائص والدلالات المختلفة لكل عنصر من قبل السُّلطة الكنسيّة، وفقًا لمعاييرها المعرفيَّة الخاصّة، لأنه بهذه الطريقة فقط يمكن التحقّق مما إذا كان هناك بالفعل التطابق بين العنصر اللاهوتيّ والعنصر الإداريّ والقانونيّ، شرطًا ضروريًّا للغايَّة لتكون قادرًا على اعتبار فعل جحود رسميّ عن الكنيسة الكاثوليكيَّة، كاملًا. وهذه المتطلبات يجب أن تتحقّق بشكل شخصيّ، بوعي وبحريَّة.
يتطلّب المجلس الحبريّ للنصوص التشريعيَّة أن يُنفَّذ العنصر الرسميّ شخصيّا وبصيغة مكتوبة أمام السُّلطة الكنسيّة المختصة في الكنيسة الكاثوليكيَّة. وأنّ الأسقف أو كاهن الرعيَّة هو الوحيد الَّذي يحكم على ما إذا كان الشَّخص ينوي حقًّا مغادرة الكنيسة من خلال عمل من أعمال الهرطقة أو البدعة أو الجحود. والحكم على ما إذا كانت النيَّة الفعّالة في كلا العنصرين الذَّاتيّ والموضوعيّ لتوطيد الروابط الَّتي توحده في شركة كنسيّة كاملة وكاملة موجودة وتثابر، أي الانفصال عن اعتراف الإيمان، والمشاركة في الأسرار المقدسة وطاعة الرعاة المقدّسين.لذلك، “يجب أن يكون جوهر فعل الإرادة هو قطع روابط الشركة تلك – الإيمان، والأسرار، والحكم الراعويّ – الَّتي تسمح للمؤمنين بأن ينالوا حياة النعمة في الكنيسة”.
وبمجرد أن تتحقّق السُّلطة المختصة من تقارب العنصرين – المحتوى اللاهوتيّ للفعل الداخليّ ومظاهره بالطريقة المحددة أعلاه -؛ يجب عليه إضفاء الصفة الرسميَّة على أن مثل هذا الفعل يشكّل حقّا الفعل الرسميّ لجحود الكنيسة الكاثوليكيَّة. وبالتالي، يجب إبلاغ المؤمن بأن نيته، الَّتي تم تأكيدها وإثباتها في المحكمة الخارجيَّة، سوف تستبعده بالتالي من الشركة الكنسيّة الكاملة. وفي النهايَّة، سيتحمل العقوبات الكنسيّة المقابلة. بعد استكمال فعل الجحود الرسميّ، فإنّ السُّلطة الكنسيّة نفسها ملزمة بعمل التعليقات التوضيحيَّة المناسبة في سجل المعموديَّة 535 البند2 مع الصياغة الدقيقة لما تم إضفاء الطابع الرسميّ عليه إداريًّا.
إنّ العناصر الموضوعيَّة والذَّاتيَّة،في حدّ ذاتها، كافيَّة لإحداث الجحود عن الإيمان الكاثوليكيّ بطريقة علنيَّة. لكنّ البروتوكول يتطلّب العنصر الرسميّ من أجل اعتباره جحودا حقيقيًّا عن الكنيسة. هناك صعوبة أخرى أكبر، مقارنةً بما ذكرناه سابقًا. وهي تبرير فرض عقوبات قانونيَّة على أولئك الَّذين تخلوا رسميًّا عن الكنيسة الكاثوليكيَّة وفقًا للبروتوكول. إنّ مفهوم المسؤوليَّة القانونيَّة في قانون العقوبات هو مفهوم قانونيّ وليس أخلاقيًّا. هذا التمييز ضروريّ حتى لا تُحدَّد جنحة معينة مع الخطيئة الَّتي ارتُكبت: كلّ الجنح هي خطايا،ولكن ليس كلّ الخطايا يجب اعتبارها جنحًا تنطوي على عقوبات قانونيَّة. تنشأ المشكلة عندما يجب أن يصاحب فعل الجحود،في النهايَّة، جنح مثل الردّة والبدعة والجحود، حتى لو كان القصد الوحيد لهؤلاء الأشخاص هو الاستفادة من الإعفاء من الصيغة القانونيَّة للزَّواج. لذلك، بالنسبة للبعض، لن يكون هناك انتهاك خارجيّ لمبدأ جزائيّ ولا للعنصر الموضوعيّ، أي العقوبة الجزائيَّة المرتبطة بالانتهاك.
يشكّل قرار دمج الجريمة ضدّ الإيمان ضمن الجرائم التي تحكمها القواعد لعام 2010 خطوة جديدة تتفق مع نيَّة الجمع في إجراء واحد جميع وقائع الجريمة المحفوظة لاختصاص مجمع عقيدة الإيمان من الدستور الرسوليّ “الراعي الصالح”، الذي يضمن الإيمان المستقيم من خلال تفحّص الكتابات والآراء. في الحقيقة، فقد أقرَّ نظام فحص العقائد لعام 1997 أنَّه في حال تم التأكيد على إرتكاب جريمة البدعة والهرطقة والجحود، على مجمع عقيدة لإيمان أن يعلن عقوبات بحكم تلقائي (المادّة 28 ). إستخدمت قواعد عام 2010 لتعبير عن “جرائم ضدّ الإيمان” ليشمل جميع الجرائم التي تتعارض مع العقيدة السليمة التي يتوخاها التنظيم الكنسيّ. تقيم المادّة الأوّلى من القواعد عام 2010 بأن تحافظ على تطبيق نظام فحص العقيدة على جرائم ضدّ الإيمان، أدخلت نظام إجرائي مختلف الذي يبدو وكأنّه يبقى التمييز بين الجرائم ضدّ الإيمان من جهة والجرائم الخطيرة من جهة أخرى موجود. في الواقع، فلقد اقتصر مضمون هذه الجرائم لعام 2010، على جرائم البدعة والهرطقة والجحود فقط، مشيرة صراحة إلى أحكام شرع الكنيسة اللاتينيَّة لعام 1983 (ق. لاتيني 751 و1364) ومجموعة قوانين الكنائس الشَّرقيَّة لعام 1990 (ق.ش 1436 البند 1 و1437). وهذا يعني “السلوكيّات غير الشَّرعيَّة الأكثر أهميَّة كنماذج نصّ عليها التشريع الكنسيّ باعتبارها جرائم ضدّ الإيمان ووحدة الكنيسة”. المادّة الثانيَّة البند 2 من القواعد لعام 2010 تعطي الرئيس الكنسيّ الاختصاص الحصريّ في إثبات في الدّرجة الأوّلى في المحاكمة ذنب المتَّهم (سواء بطريقة قضائيَّة أوغير القضائيَّة)؛ والاختصاص لهذه الجرائم يمتد أيضاً إلى الحل من العقوبات تصدر بحكم تلقائي يخضع لها الجانح”، ويمكن إيضافة عقوبات تكفيريَّة تصدر بحكم المحكمة (ق. لاتيني 1364) غير مستبعد الفصل عن الحياة الإكليريكيَّة، في حالة توفر الشروط.
عالج الشَّرع اللاتيني الحالي صراحة ومباشرة مختلف أشكال رفض المعمد للإيمان أو الكنيسة: على سبيل المثال: نجد في القانون اللاتيني 194 البند 2 رقم 1، العبارة “الجحود (deficere) علنا عن الإيمان الكاثوليكي أو عن الشَّركة مع الكنيسة” وفي القانون اللاتيني 694 البند 1 رقم 1 “الجحود (deficere) عن الإيمان الكاثوليكي بشكل مشهود”؛ أيضاً في القانون اللاتيني 1071 البند 1 رقم 4، الطبعة الايطاليَّة يستخدم التعبير نفسه المستخدم في القانون 694 لكن في اللغة اللاتينيَّة الفعل المستعمل هو “abicere” وأيضاً في القانون اللاتيني 316 البند 1 الذي إستخدم تعبير “الجحود علنا عن الإيمان الكاثوليكي”؛ في القوانين الشَّرع اللاتيني 1086 البند 1 و1117 و1124 فإن العبارة المستخدمة هي “أن يكون منفصلاً (deficere) بفعل رسمي عن الكنيسة الكاثوليكيَّة”. نستنتج أنّ الفعلين “deficere” (الإبتعاد الانفصال) و”abicere” (الجحود) يعبّران عن فكرة الإبتعاد عن شيء ما كان سابقاً قريبا. والإختلاف بينهما هو التالي: الفعل الأوّل مرتبط بفكرة الانتماء (الشَّركة الكنسيّة) والفعل الثاني مرتبط بحقيقة الإيمان. يشير هذان الفعلان إلى “فعل إرادة الشَّخص ينوي من خلالها الانفصال عن الكنيسة الكاثوليكيَّة. ففعل الانفصال “أو الجحود عن الكنيسة” لا يمكن أن يوجد دون إرادة الشَّخص. على ايَّة حال، هذا الفعل هو فعل قانونيّ (ق. لاتيني 124 البند 1)، أتمّه المعمّد في الكنيسة الكاثوليكيَّة أو قبل به، ينشأ من إرادة شخصيَّة، واعيَّة وحرة ويفترض بأن الشَّخص يمتلك القدرة القانونيَّة على القيام به دون ضغط خارجي. ويرتكب جريمة الجحود ليس فقط من يتهرب من الشَّركة مع الكنيسة الجامعة ولكن أيضاً من يرفض الشَّركة مع السُّلطة الكنسيّة على الصعيدين الوطني والمحلي. لذلك يعتبر منشقاً ويخضع لعقوبة من يتهرب من الشَّركة مع أسقفه، لأي سبب كان.
و”الشَّركة التي يتم إستبعادهم منها ليست تلك الداخليَّة، المتعلّقة بالنفس وتتضمّن خيرات الحياة اللاهوتيَّة (…) ذات الطبيعة غير المرئيَّة، لكن الخارجيَّة المرئيَّة، التي عهدت إلى الكنيسة (…). والشَّركة الجذريَّة والوجوديَّة التي تجعلنا أعضاء في جسد المسيح السري ليست موضوع الحرم، وغير مذكورة من بين آثارها”. “ليس الحرم بالشَّركة السلبيَّة، وفقدان الشراكة الكاملة لا يعني بالضرورة الحرم. على الرَّغم من التناقض الواضح، يجب القول أنه يمكن وجود محروم في الشَّركة التامّة، والمؤمن الذي ليس في الشَّركة التامّة ليس بالمحروم. يكمن التناقض الواضح في الحقيقة في مفهوم الشراكة اللاهوتي، ويعمل على تحديد من هو الكاثوليكي، أي يقدّم معايير الانتماء للكنيسة الكاثوليكيَّة، في حين أن مفهوم الحرم قانونيّ جزائيّ له علاقة بالجريمة”. فعقوبة الحرم اعلان رسمي وعلنيّ عن حالة عدم الشراكة غير التامّة للمتّهم. ولأن المتَّهم غير موجود في الشَّركة التامّة، فمن خلال الحرم العامّ، ليس له الحقّ بقبول الأسرار، إلاّ أن يتوب. وعلى ايَّة حال، عقوبة الحرم تحظر سلبيا فقط عن ممارسة حقوق خاصّة ولدت بسرّ المعموديَّة والناجمة عن الانتماء في الكنيسة. والسُّلطة الكنسيّة ترغب بعودة المتَّهم إلى الشَّركة، وحمايَّة حقه في الحفاظ على الإيمان والمثابرة في الكنيسة، وأن يكون على بينة من وضعه الحقيقيّ في الكنيسة.