رسالة أبرشية مار أدي للكلدان في كندا ازاء الوضع الراهن
“مثل الحنطة والزوان، الواقع القديم الجديد، ووعد الرب الأمين”
حمل تذكار مار أدي الرسول شفيع الأبرشية هذا العام بُعداً خاصاً، إذ أنه جاء وسط تصعيد كبير ضد الكنيسة التي أسسها مار أدّي ذاته بإرشاد مار توما الرسول ومعاونة مار ماري في أرض الرافدين، الأرض التي بقيت تشهد استنزافاً تلو الآخر، حتى تغيرت من أرض كتب فيها أول حرف ليصون كرامة الإنسان واخترعت فيها العجلة لخير الإنسان الى أرض تُهان فيها المقدسات وتُستغل، وتستخدم العجلة لقتل الإنسان!
ولعل واقع ما شهدته أرض الرافدين وواقع الإضطهاد المستمر الذي واجهته كنيستنا خلال ألفي عام، يمثلان وجهين لعملة واحدة، ففي جوهرهما هناك فقدان الإنسان لهويته بحثاً عن السلطة والمال والشهوات الدنيوية الأخرى.
هذا ما عانت ومازالت تعاني منه الكنيسة منذ ولادتها بعد حلول الروح القدس والى اليوم، بوجود أشخاص يخفقون في اكتشاف هويتهم كأبناء الله، بسبب فشلهم في معرفة وقبول الإله الحق، فيصبحون مجرد اُناس يحملون اسم المسيح، لكنهم ليسوا شهوداً له لأنهم ببساطة، لم يعرفوه ولم يلتقوه، ولهذا تراهم مستعدين أن يبحثوا عن أي شيء آخر إلا المسيح وحياة المسيح! هكذا يصبح التاريخ مجرد إعادة لذات قصة الوهم الذي استسلم له الإنسان الأول، والأسماء هي فقط التي تتغير، فمروراً بيهوذا الاسخريوطي وحننيا وسفيرة وأعداء بولس الرسول من الإخوة الكذابين، ووقوفاً عند فلان وتوقفاً عند فلان، هكذا تستمر الحكاية، وسيبقى يظهر بين تارة وأُخرى أشخاص من داخل الكنيسة لهم أجندات مختلفة ربما هدفها شخصي بحت لكنها بالمحصلة مرتبطة بمن هم أكبر من مجرد أشخاص والهدف الأساسي من ذلك هو إختراق الكنيسة من الداخل وإضعافها. هذا ما أشار اليه ثلاثة من البابوات البارزين خلال السنين المائة الأخيرة، في أن الخطر الحقيقي الذي ستواجهه الكنيسة في الألفية الثالثة لن يأتي من الخارج بشكل مباشر لكن من الداخل من خلال أشخاص يحملون اسم المسيح لكنهم لسبب أو لآخر أدوات في أيادي غيرهم.
ربما لمن المحبط إن يكون هذا الواقع متكرراً، مما قد يجعل الكنيسة أضعف فأضعف، لكن الحقيقة هي عكس ذلك! فالذي يحدث ماهو إلا غربلة للحنطة والزوان بحسّ نبوي ورؤية مسيحانية استباقية في عين الوقت الذي هناك فيه تذكير للمؤسسة الكنسية أن تثبت على الإيمان وتكون شاهدة وشهيدة تحمل وديعة الإيمان بكل ثبات وتقوى ومحبة وحكمة وصبر مستذكرة حقيقتين:
الحقيقة الأولى هي قوة المسيح بمحبته ومبدأيته في عين الوقت! فرغم أن أقرب دائرة للمسيح متمثلة بالرسل قد اُخترقت بتأثير المال من خلال يهوذا الغارق في أحلام وأجندات أرضية بائعاً ضميره للشرير، لكن بالمقابل فإن المسيح بعظيم محبته وحقيقة مثاله استطاع أن يخترق قلوب وحياة الآلاف وبضمنهم أعضاء من السنهدرين، أعلى مجلس ديني في ذلك الوقت، والذي كان اسمه فقط يثير الرعب في قلوب الناس!!! فيصبح نيقوديمس ويوسف الرامي مستعدين للتخلي عن المنصب والسلطة والمال واحترام المجتمع، بسبب أنهما وجداً الإله الحق والحياة الحقة، ولم يعودا مستعدين بعد تلك الخبرة أن يعيشا كذبة هي كالفقاعة التي ستنتهي في أية لحظة لا محالة.
الحقيقة الثانية هي ما يشير اليه الرسول بولس في الإصحاح الخامس من رسالته الى أهل رومية، وهو الشخص الذي اختبر الإضطهاد تلو الآخر من خارج الكنيسة وداخلها حين يقول: “3 … بل نفتخر ايضا في الضيقات، عالمين ان الضيق ينشئ صبراً، 4 والصبر تعزية، والتعزية رجاءً، 5 والرجاءُ لا يخزي، لان محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا”.
في هذه الأيام الصعبة والمقدسة في ذات الوقت، يؤكد راعي وكهنة ومؤمني أبرشية مار أدي للكلدان في كندا اتحادهم بالصلاة مع خليفة القديسين مار توما ومار أدي ومار ماري، غبطة ونيافة الكاردينال لويس روفائيل ساكو، كلي الطوبى، وكل أساقفتنا الأجلاء وكهنتنا ومؤمنينا الغيارى في أرض الرافدين ملتفين جميعنا بروح واحد ونفساً واحدة حول ابي آبائنا رمز وحدة الكنيسة الكلدانية وثباتها وأمانتها ومبدأيتها عبر العصور، واضعين ثقتنا بالرب الذي به يعظم انتصارنا، له المجد الى الأبد، آمين!