عندما تغضب الكنيسة كأم ومعلمة، من عدوّ يأتي من الداخل
المطران الدكتور يوسف توما
تابعت منذ يوم السبت الماضي 6 أيار المؤتمر الصحفي لنيافة الكاردينال لويس ساكو حول أسباب الهجمة التي شنت عليه وعلى الكنيسة الكلدانية، والاتهامات التي وجهها إليه الأمين العام لحركة بابليون ريان الكلداني بلا أي دلائل كونه خاض معارك انتخابية وباع واشترى بالسياسة على حساب القرار والأمن ومستقبل المسيحيين في العراق، فضلاً عن اتهامه ببيع ممتلكات كنسية.
شعرت بالحزن الشديد أن أبناء شعبنا المسيحي يأخذون أسلوب التنمر، التخويف والتهديد واستعمال العنف الذي يكشف أنه ليس من المسيحية بشيء ولا لمن تربى على ركبتي اُم مسيحية تقية.
النظام الكنسي عريق ويقضي بحرم من لا يتوب عن أكاذيب يحاول فيها كسر سمعة أكبر سلطة كنسيّة في بلادنا والعالم. وكأني به يتواطأ مع من يهيل التراب على قبر يحفره بنفسه للمستقبل.
لعل حركة بابليون لا تعي أن الخطر، كل الخطر هو في تسييس الدين ويجهل أن كثيرين دفعوا ثمن غاليا لذلك في زماننا وفي الماضي، هذا التسييس للمسيحية في المرحلة الراهنة هو أخطر لأنه يحاول الهيمنة ووضع اليد على ما تبقى من مؤسسات مسيحية، لذا كان يجب أن يقف غبطته بوجه هؤلاء أيّاً كانوا أو حتى ممن اشتُري صمتهم، فهذا التيار مزمع أن يدفن المسيحية والديمقراطية في العراق سواء بسواء، أي إن على جميع مؤسسات الدولة وحقوق الإنسان أن تنتفض وتعي الحريق الذي سرعان ما سيصل إليهم جميعا، عملاً بقول المثل: إذا احترق بيت جارك، سارع إلى إطفائه قبل أن تصل النار لبيتك.
نحن هنا أمام فاشية مسيحية جديدة، تستقوي بالخصوم وتستعدي الأهل والأقارب وتهدم كل ما بني في العقود الماضية في كنيستنا على اختلاف طوائفها منذ خمسة عقود أي منذ المجمع الفاتيكاني الثاني.
حتى الأنظمة السابقة لم تنجح في تقسيم الكنيسة مثلما يحدث اليوم. هناك كانت بالتأكيد آيديولوجية عنيفة، أما اليوم فلا نرى أي فكر أو تحليل بل عدوانية وكراهية واضحة وعودة إلى العشائرية والمشيَخة لا تقوى ولا شهادات ولا كفاءة أكاديمية بحيث يشعر كل من يحاول التحليل أنه عاجز، يرى نفسه أمام مجرد تنمّر كالغابة من أوطأ دوافعه وغرائزه. لذلك لا ننصح بأي مناظرة ولا مقابلة ولا حتى دفاع عن موقف الكنيسة، ما قاله غبطته كان واضحا فالمقابل يريد وضع اليد فقط، ولا يقبل أن يحاسبه أحد، في حين لدينا نحن مرجعية وسلطة ومحاسبة على كل المستويات.
خوفي من الآراء التي لا تزيد الطين إلا بلة وهي لن توصِل سوى إلى التعاميم التافهة، من يعطيها يكشف عن جهل او تجاهل، لذا لا يحق لأحد أن يتغاضى أو يستصغر صرخة البطريرك لويس ساكو، فهي جاءت بعد أن طفح الكيل وهي نتيجة تراكمات ووضوح رؤيا، منذ البداية، لم يسمعها أحد وليس من حق أحد أن يستصغرها بنصائح من نوع: “ننسى الماضي، لنتصالح… عفا الله عما سلف”… كلا، الماء جرى تحتنا ولم يبق لدينا ما نخسره.
أقول لكل من يحاول أن يدلي بدلوه إن النخر الذي أحدثته بابليون لا يمكن أن يساء فهمه فهو يهدف إلى تقسيم المسيحيين ويصطاد في الماء العكر لاستغلال تنوعهم وإبعادهم عن التجانس وعواقب هذا التوجه وخيمة. لولا صرخة البطريرك الكاردينال ساكو يوم السبت 6 أيار.
لذا أدعو الجميع إلى التروّي قبل اطلاق الأحكام وعدم اعتبار أن هذا المرض سيشفى بحبة “باراسيتول”، وهذا يذكرني بما تعرّض له تلاميذ المسيح عندما حاولوا طرد الشيطان من صبي وعجزوا وسألوا الرب لماذا؟ فقال لهم هذا النوع لا يخرج إلا بالصوم والصلاة” (متى 17/ 21).