الاُسقف الأب الحنون والمدبّر الحكيم
رسم الابن الشاطر لرامبرانت فان راين سنة 1636
موجودة في متحف Teylers بهولندا
البطريرك لويس روفائيل ساكو
يُفترض أن تكون العلاقة في الكنيسة مختلفة عن العلاقات الاُخرى، بكونها مبنية على أولوية المحبة والخدمة، علاقة روحية وليست نفعية. الكنيسة خادمة ومنفتحة، ترتبط بالناس ارتباطاً وثيقاً، وتتواصل معهم وتهتم بهم. في الكنيسة الجميع ملتزمون ببعضهم.
الاسقف:ܐܦܣܩܘܦܐ- Episcopus، لفظة يونانية تعني الساهر على “التعليم الصحيح”، لكن تبقى لفظة “الأب”هي المفضَّلة.
يُعدّ الأسقف أباً “ܐܒܘܢ” وهكذا الكاهن الذي ندعوه “أبونا”. علاقة الاسقف مع كهنته وأبناء ابرشيته، علاقة اُبوّة، علاقة عائلية عاطفية، وليست شراكة عمل إدارية وقانونية وإجتماعية. هذه العلاقة الحميمة هي نهج الانجيل، تجعل الجميع يشعرون بالجوّ العائلي من خلال حضور الاُسقف (والكاهن في الرعيّة) بينهم، والتعرف عليهم عن كَثَب، وليس عن طريق” القال والقيل”. مهم جداً الاصغاء اليهم ومشاركته همومهم وآمالهم، وإقتسام المهام وتوفير الفرص، ما يعطي معنى لكهنوته، والّا سيطفو في عالمٍ لا قلب له. الاُسقف هو اُسقف المعيَّة بروابط عائلية وصداقة روحية واعية وملتزمة. انه رفيق الرسالة Hيضاً. يؤمن بمواهب الآخرين ويحترمها ويحتضنها ويستثمرها. ومن دون علاقة صادقة تعترف بالآخر، وتقبله كأخ وشريك، لن نقدر ان نكبر من دون هذه البيئة: “اقتَدوا بِاللهِ كَأَبْناءٍ أَحباءَ، وَسِيروا في المَحَبَّةِ سيرَةَ المَسيحِ الذي أَحَبَّنا، وَضَحَّى بِنَفْسِهِ مِنْ أَجْلِنا، قُرْباناً وَذَبيحةً للهِ طيّبة َ الرائحة”(أفسس 5/1-2).
يتعيَّن على الاُسقف ان يكون واضحاً وصادقاً منذ البداية، وعدم افساح المجال أمام عقلية “الشائعات” المنتشرة في مجتمعنا، والتي تخلق مشاكل متنوعة. عليه معرفة حقيقة الاشخاص عن كثَب. من المؤكد سوف يكتشف باندهاش أمثلة رائعة، لكن عليه ايضاً ان يكون حذراً من المتملقين والاصوليين…
ثمة حاجة لبناء علاقات إنسانية وروحية متوازية وسليمة. على الاُسقف أن يفكر بالابوّة والكاهن على حد سواء، بعيداً عن السلطة – الزعامة – السيطرة، والمكاسب المادية التي تُعطّل العلاقة، بل بروح الخدمة السخيّة والتوجيه السليم والبساطة والبشاشة يعزّز الثقة المتبادلة ويُسهّل تحمّل أعباء المسؤولية بشكل أدق وأعمق. ومن جانب الكهنة يجب إحترام أسقفهم (الأب)، والاصغاء الى توجيهاته والحوار معه، والتعبير له عن عواطفهم ومحبتهم.
لا ينبغي ان يضيّع الاسقف وقته في التفكير بنفسه “الهلوسة بالنفس” وسلطته، بل عليه ان يتوجه دوماً في تعامله الى استلهام نور أبوّة الله غير المشروطة، الله المُحِب و”رَحمَتُه مِن جيلٍ إِلى جيل” (لوقا 1/ 50)، وان يُجسِّدها باتحاده مع الابن يسوع المسيح، وان يعكس حوله وجود الله وحضوره. لنضع انفسنا في مدرسة يسوع ولنتعلم منه الصلاة والعمل والتأمل عميقاً بمعنى كهنوتنا.
تبقى الكنيسة (الجماعة) خيراً كبيراً للمجتمع بمحبتها المتجردة وخدمتها، وصوتها النبوي… ان القيم الانجيلية ليست أفكاراً نظريّة، بل هي مشروع وجودي أساسي، نتربّى عليه ونطبّقه في حياتنا اليومية. رمز الصليب الذي يحمله الاسقف والعكاز الذي يمسك به يعكسان برنامج خدمته ومحبته والتزامه.
من المؤكد أن ليس بيننا أحدٌ كامل، فالكمال لله وحده، لكن الخبرة (الزمن) والروحية العميقة والحكمة والمرونة والثقافة المستدامة وتقاسم الحياة، تساعدنا كثيراً على النضج والتعلم والتغيير والتقدم.
لنصلِّ في أجواء القيامة هذه من أجل بعضنا البعض.