هل كان ثمة “قداس” لمار توما الرسول؟
البطريرك لويس روفائيل ساكو
إن تكوين طقوس العبادة أستغرق وقتاً طويلاً. في البداية كان المسيحيون الأولون يترددون الى الهيكل أو المجمع اليهودي للصلوات الاعتياديّة، ويلتقون في أحد البيوت مساء الأحد للصلاة والتعليم وكسر الخبز، وكانت الأمور متروكة للإلهام الشخصي، إذ كانت كلمات يسوع وأعماله التي ينقلها الرسل إليهم كافية لتغذيتهم الروحية وتوجيه حياتهم العملية.
وعرض بولس الرسول المعنى اللاهوتي لهذا الاحتفال في الرسالة الأولى الى قورنثية، وهي أقدم وثيقة مكتوبة من العهد الجديد وصلتنا (كتبها من أفسس في ربيع عام 57):
“أليست كأس البركة التي نباركها، مشاركة في دم المسيح؟ أليس الخبز الذي نكسره مشاركة في جسدِ المسيح؟ فنحن جسدٌ واحد لأنه ليس هناك إلا خبزٌ واحد، ونحن على كثرتنا جسدٌ واحد لأننا نشترك في هذا الخبز الواحد” (1قورنثية 10/ 16-17)، |
“فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم من هذه الكأس، تخبرون بموت الرب الى أن يأتي … فمن أكل وشرب وهو لا يرى فيه جسد الربّ، أكل وشرب الحكم على نفسه” (1قورنثية 11/ 26-28).
كما هو معلوم إن البطريرك ايشوعياب الثالث الحديابي (649 – 659)، في قيامه بإصلاح كلِّ رُتب ليتورجيا كنيسة المشرق، أبقى على ثلاث رتب للقداس فقط: أداي وماري، ورُتبة ثانية منسوبة لثيودورس اُسقف مصيصة (350 – 428) وثالثة لنسطوريوس بطريرك القسطنطينية (386 – 451). من المؤكد انه كانت توجد رُتَب أخرى غير الرُتَب الثلاث، مثلما نجدها في الكنيسة السريانية الانطاكية. أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر رُتبة لمار أفرام وأخرى لنرساي الملفان وعلى الأرجح رُتبة لمار توما رسول كنيستنا وشفيعها، قام ايشوعياب باتلاف جميعها.
ورد في كتاب المجدل في الفصل الثاني من الباب الثالث الذي أصدره الأب جان ماريا جنتسا بطبعة علمية أنيقة بالعربية والإيطالية ما يأتي:
“قَالَ تُومَا ٱلسِّلِّيحُ: ٱلْجَسَدُ ٱلْمَصْلُوبُ لِأَجْلِنَا نَأْكُلُ، وَٱلدَّمُ ٱلزَّكِيُّ ٱلَّذِي أُهْرِيقَ بِسَبَبِنَا نَشْرَبُ؛ ٱلْجَسَدُ يَكُونُ لِحَيَاتِنَا وَٱلدَّمُ لِغُفْرَانِ خَطَايَانَا” (فقرة 135). ثم يسترسل:“ 127 وَعَمِلَ سَيِّدُنَا ٱلْمَسِيحُ ٱلْفِصحَ بِأُورَشْلِم فِي ٱلْعُلِّيَّةِ قَبْلَ ٱلصَّلْبُوتِ بِيَوْم 128 وَخَتَمَ سَائِرَ وَصَايَا ٱلْعَتِيقَة وَجَدَّدَ بِٱلْحَدِيثَةِ حَيَاةَ ٱلْخَلِيقَة، 129 وَأَخَذَ خُبْزاً وَقَدَّسَهُ بِمَشْهَدِ ٱلتَّلَامِيذِ وَأَعطَاهُمْ وَتَنَاوَلَ كَأْساً فِيهِ خَمرٌ وَبَارَكَهُ وَسَقَاهُمْ، 130 وَقَالَ: هٰذَا لَحمِي كُلُوهُ؛ وَهٰذَا دَمِي ٱشْرَبُوهُ؛ 131 سُنَّةٌ حَدِيثَةٌ تَكُونُ لَكُمْ إِلَى الأبد. 132 وَقَالَ: أَنَا خُبْزُ الْحَيَاةِ، مَنْ يَتْبَعُنِي لَا يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنُ بِي لَا يَعطَشُ؛ أَنَا خُبْزُ ٱلْحَيَاةِ ٱلنَّازِلُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ؛ مَنْ أَكَلَ مِنْهُ يَحيَا إِلَى الْأَبَدِ، يَعنِي فِي الْمَلَكُوتِ”. |
هذا الوعي القوي بحضور المسيح في الافخارستيا مدهشٌ جداً لا سيما ونحن في القرن الأول للميلاد! هل يا ترى هذه الفقرة هي جزء من رُتبة لقداس منسوب إلى القديس توما، اتلفها ايشوعياب؟
وفي كتاب أعمال توما الذي يعود الى نهاية القرن الثالث أو بداية الرابع، أي نفس تاريخ رتبة أداي وماري أيضاً جاء: “يا أبنائي، إن ربّنا يريد أن يعمل اليوم شيئاً… لنصلِّ ونطلب منه … ثم وضع يده عليهم، وكسر الافخارستيا وناولهم وقال لهم:
“لتكن هذه الافخارستيا للحنان والرحمة وليس للدينونة والانتقام.
فاجابوا: آمين (أعمال توما، ترجمة الأب البير أبونا، أربيل 2014 ص 15)”.
وفي الفصل السابع اشارة اخرى الى الافخارستيا.
على المهتمين بالليتورجيا وأيضاً بالمخطوطات، البحث عن هذه الرُتَب الضائعة، لعلَّهم يجدون بعض هذه الدُرَر في مخطوطات المكتبة الفاتيكانية وجامعات كامبردج ومانشستر وجامعة برمكنكهام خصوصاً في مكتبة جون ريلاندز، التي جمعها العلامة العراقي (القس الكلداني) الفونس منكنا في القرن الماضي ومخطوطات الرهبان الكلدان ومجموعة المطران ميخائيل نجيب ميخائيل. ننتظر مفاجأة مفرحة!