كاروزوثا: “بالطَلَبةِ والتضرُّع ملاكَ السلامِ والمَراحِم، نطلُب”
لؤلؤة ليتورجيَّة
البطريرك لويس روفائيل ساكو
صلاة قصيرة، لكنها عميقة ومُعبِّرة عن “سرّ الإيمان”. الليتورجيا بكلماتها لحنها جزء من كياننا المسيحي. الصلاة الليتورجية تساعدنا على تخطيّ الظروف الصعبة التي نعيشها برجاء وثقة، لذلك يتطلب من الكنيسة أن تصيغَ ليتورجيتها لتكون “ليتورجيا” حقيقية، يشارك فيها الجميع، وتكون لهم التزاماً واعياً وصادقاً.
الطلبات- ܟܪܘܙܘܬܐ (universal prayer)، دعاءٌ عام يَرفع نواياه الشمّاس أو الشمّاسة، ووجهه باتجاه المذبح، أثناء صلاة المساء والصباح، وقداس الآحاد والأعياد، بينما يُجيب الشعب يا رب ارحم، او كما في الدعاء أدناه: منك يا رب. ويختمها الكاهن المترئس بصلاة جامعة: “أجل أيُّها الربُّ الاله القدير..”1.
أدناه، صلاة الطلبة المفعمة بالرجاء، تمثل إحدى روائع ليتورجيتنا الكلدانية. تُرتَّل بلحنها الشجيّ في صلاة مساء أيام الصوم الكبير كملحق لطلبتين اُخريتين طويلتين. هذه الطلبة غنيّة بلاهوتها الليتورجي المشرقي الأصيل. أقترح استخدامها في مناسبات أكثر، أذكر على سبيل المثال، في القداس اليومي الذي اُلغيَت فيه الطلبات وحُفظت الخاتمة: “لنستودعُ أنفسَنا.. “وصلاة الكاهن” أجل أيُّها الربُّ الاله القدير…” أو في قداس الآحاد والتذكارات عندما لا توجد طلبات خاصة.
يعود تأليف هذه الطلبة الى البطريرك ايليا الاول الطيرهاني (+1049)2، مع التي قبلها “لنصلِّ السلامُ معَنا، لنصلِّ ونطلب من الله رب الكل”. وتُرتَّل في زمن الصوم الكبير.
نص الطلبة:
بالطَلَبةِ والتضرُّع ملاكَ لسلامِ والمَراحِم، نطلُب الردة: منكَ يا رب * ليلاً ونهاراً جميعَ أيامِ حياِتنا أَمْناً لكنيستِك وحياةً بلا خطايا، نطلُب * إتفاقَ المحبّة الذي هو رباطُ الكمالِ بشركةِ الروحِ القدس، نطلُب * غفرانَ الخطايا وما يَعْضُدُ حياتَنا ويُرضي أُلُوهيَّتَك، نطلُب * مراحِمَ الربِّ وتَحَنُنَه دائماً في كل وقتٍ، نطلُب. نستودعُ أنفسَنا الآبَ والإبنَ والروحَ القدس إلى الأبد، آمين |
الطلبة الأولى:
“حياة آمنة وبلا خطايا“. يشعر الإنسان أن حياتَه مهددة باستمرار خارجيّاً من قِبل الأشرار والكوارث الطبيعية والأمراض، وداخليّاً بتأثير أهوائه غير المطوعة.
الطلبة الثانية:
“إتفاق المحبّة ورباط الكمال بشركة الروح القدس“، مقتبسة من الرسالة الى أفسس (4/ 3). كلمات تشِلُ قاعدة فن الانسجام والترابط الانساني – الاجتماعي والروحي – الكنسي. يأخذ المُصليّ القوة من الروح القدس، ليؤسس علاقة شخصية قوية مع الله، وخبرة صوفيّة مع المسيح.
الطلبة الثالثة:
“غفران الخطايا”. الخطيئة خيانة للأمانة، وبالمغفرة نسترجع أصالتنا(حالتنا الاولى) و”بنوَّتنا” والدالّة –ܦܪܗ̄ܣܝܐ parrhesia “speaking freely”، فننال رضى الله.
الطلبة الرابعة:
الرحمة والحنان. الرحمة هي رحمة الآب وحنانه كما نشاهدها في تعامل الله (الآب) المؤثّرة جداًّ مع الابن الشاطر (الخاطئ) وتوبته وعودته (لوقا فصل 15).
هذه الصلاة وغيرها ترتِّبها الكنائس المسيحية المختلفة، بمعانيها الليتورجية واللاهوتية العميقة ولحنها لتساعد المسيحيين (أعضاء جسد المسيح)، على ان يجسِّدوا إيمانهم بعمق ويعكسوه حولَهم بشكلٍ أو بآخر.
في ضوء ما يجري في عالمنا اليوم، حيث تحكمه المصالح، وتعمُّه الفوضى لان الأنظمة السياسية، بشعور من التعالي، قلّلَت من شأن القيم الروحية والاخلاقية، وغيِّبت “المقدس sacred”، هذا الحسّ الوجداني فينا. علينا ألا نخجل من قيَمنا الانسانية والروحية والاخلاقية، ولا نتأثر بالقيم الزائفة. لنتمسك بالأمل خصوصاً ونحن نعيش فرح قيامة المسيح التي هي عربون (رجاء) قيامتنا.
______________
1 من الملفت للنظر ان الحاجّة الاسبانية ايجيريا تورد خبر هذه “الأدعية” في كتاب يومياتها عن زيارة الأرض المقدسة والرهّا (381-384)، أيجيريا، يوميات رحلة، منشورات مجلس كنائس الشرق الاوسط، بيروت 1994 ص 80.
2 لويس ساكو، سِيَر البطاركة، بغداد 2020 ص 111.